بازگشت

بطلان الجبر


فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ، فهو قول من زعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها، و من قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه و كذبه و رد عليه قوله: (و لا يظلم ربك أحدا) [1] ، و قوله: (ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد) [2] ، و قوله: (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [3] ، مع آي كثيرة في ذكر هذا.

فمن زعم أنه مجبر علي المعاصي، فقد أحال بذنبه علي الله، و قد ظلمه في عقوبته، و من ظلم الله فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الامة.

و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا، لا يملك نفسه، و لا يملك عرضا من عرض الدنيا، و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره علي علم منه بالمصير الي السوق لحاجة يأتيه بها، و لم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته، و علم المالك أن علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضي به من الثمن، و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة و نفي الجور، و أوعد عبده ان لم يأته بحاجته أن يعاقبه علي علم منه بالرقيب الذي علي حاجته أنه سيمنعه، و علم أن الملوك لا يملك ثمنها و لم يملكه ذلك، فلما صار العبد الي السوق، و جاء ليأخذ حاجته التي



[ صفحه 214]



بعثه المولي لها، وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء، و ليس يملك العبد ثمنها، فانصرف الي مولاه خائبا بغير قضاء حاجته، فاغتاظ مولاه من ذلك و عاقبه عليه، أليس يحب في عدله و حكمه أن لا يعاقبه، و هو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا، و لم يملكه ثمن حاجته؟ فان عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و ان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين أوعده بالكذب و الظلم اللذين ينفيان العدل و الحكمة، تعالي عما يقولون علوا كبيرا.

فمن دان بالجبر أو بما يدعو الي الجبر، فقد ظلم الله، و نسبه الي الجور و العدوان، اذا أوجب علي من أجبره العقوبة، و من زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب علي قياس قوله ان الله يدفع عنهم العقوبة.

و من زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: (بلي من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [4] ، و قوله: (ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا) [5] ، و قوله: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما). [6] .

مع آي كثيرة في هذا الفن كذب وعيد الله، و يلزمه في تكذيبه آية من



[ صفحه 215]



كتاب الله الكفر، و هو ممن قال الله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون). [7] .

بل نقول: ان الله جل و عز جازي العباد علي أعمالهم، و يعاقبهم علي أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها، فأمرهم و نهاهم بذلك و نطق كتابه: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها و هم لا يظلمون) [8] ، و قال جل ذكره: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه) [9] ، و قال: (اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) [10] ، فهذه آيات محكمات تنفي الجبر و من دان به، و مثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، و بالله التوفيق.


پاورقي

[1] سورة الكهف: 49.

[2] سورة الحج: 10.

[3] سورة يونس: 44.

[4] البقرة: 81.

[5] النساء: 10.

[6] النساء: 56.

[7] البقرة: 85.

[8] الأنعام: 160.

[9] آل عمران: 30.

[10] المؤمن: 17.