بازگشت

بطلان التفويض


و أما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و خطأ من دان به و تقلده، فهو قول القائل: ان الله جل ذكره فوض الي العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم، و في هذا الكلام دقيق لمن يذهب الي تحريره و دقته، و الي هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول صلي الله عليه و آله، فانهم قالوا: لو فرض اليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضا



[ صفحه 216]



ما اختاروه، و استوجبوا منه الثواب [1] ، و لم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعا.

و تنصرف هذه المقالة علي معنيين: اما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل و عز عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي ارادته كرهوا أو أحبوا، ففوض أمره و نهيه اليهم، و أجراهما علي محبتهم، اذا عجز عن تعبدهم بارادته، فجعل الاختيار اليهم في الكفر و الايمان.

و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، و يعرف له فضل ولايته، و يقف عند أمره و نهيه، و ادعي مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب، و أوعده علي معصيته أليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه، و لم يقف عند أمره و نهيه، فأي أمر أمره، و أي نهي نهاه عنه، لم يأته علي ارادة المولي، بل كان العبد يتبع ارادة نفسه و اتباع هواه، و لا يطيق المولي أن يرده الي اتباع أمره و نهيه و الوقوف علي ارادته، ففوض اختيار امره و نهيه اليه، و رضي منه بكل ما فعله علي ارادة العبد لا علي ارادة المالك، و بعثه في بعض حوائجه، و سمي له الحاجة، فخالف علي مولاه، و قصد لارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الي مولاه نظر الي ما أتاه به، فاذا هو خلاف ما أمره به، فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: اتكلت علي تفويضك الأمر الي، فاتبعت هواي و ارادتي، لأن المفوض اليه غير محظور عليه، فاستحال التفويض.

أو ليس يجب علي هذا السبب اما أن يكون المالك للعبد قادرا، يأمر عبده



[ صفحه 217]



باتباع أمره و نهيه علي ارادته لا علي ارادة العبد، و يملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به و ينهاه عنه، فاذا أمره بأمر و نهاه عن نهي عرفه الثواب و العقاب عليهما، و حذره و رغبه بصفة ثوابه و عقابه، ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة [2] لأمره و نهيه و ترغيبه و ترهيبه، فيكون عدله و انصافه شاملا له و حجته واضحة عليه للاعذار و الانذار، فاذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، و اذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه، أو يون عاجزا غير قادر، ففوض أمره اليه، أحسن أم أساء، أطاع أم عصي، عاجز عن عقوبته و رده الي اتباع أمره.

و في اثبات العجز نفي القدرة و التأله و ابطال الأمر و النهي و الثواب و العقاب و مخالفة الكتاب اذ يقول: (و لا يرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم) [3] ، و قوله عزوجل: (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم مسلمون) [4] ، و قوله: (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون - ما اريد منهم من رزق و ما اريد أن يطعمون) [5] ، و قوله: (اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا) [6] ، و قوله: (أطيعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون). [7] .

فمن زعم أن الله تعالي فوض أمره و نهيه الي عباده، فقد أثبت عليه العجز،



[ صفحه 218]



و أوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير و شر، و أبطل أمر الله و نهيه و وعده و وعيده، لعلة ما زعم أن الله فوضها اليه، لأن المفوض اليه يعمل بمشيئته، فان شدة الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه و لا محظور، فمن دان بالتفويض علي هذا المعني، فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده و وعيده و أمره و نهيه، و هو من أهل هذه الآية: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون) [8] ، تعالي الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.


پاورقي

[1] في نسخة: به الثواب.

[2] في نسخة: من الطاعة.

[3] الزمر: 7.

[4] آل عمران: 102.

[5] الذاريات: 56 و 57.

[6] النساء: 36.

[7] الأنفال: 20.

[8] البقرة: 85.