بازگشت

الأمر بين الأمرين


لكن نقول: ان الله جل و عز خلق الخلق بقدرته، و ملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم و نهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره، و رضي بذلك لهم، و نهاهم عن معصيته، و ذم من عصاه و عاقبه عليها، و لله الخيرة في الأمر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به، و ينهي عما يكره و يعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل و النصفة و الحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار و الانذار، و اليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته و احتجاجه علي عباده.

اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله و بعثه برسالاته الي خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسدا و استكبارا: (لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) [1] ، يعني



[ صفحه 219]



بذلك امية بن أبي الصلت و أبامسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم، و لم يجز لهم آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا و رحمة ربك خير مما يجمعون). [2] .

و لذلك اختار من الامور ما أحب، و نهي عما كره، فمن أطاعه أثابه، و من عصاه عاقبه، و لو فوض اختيار أمره الي عباده، لأجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت و أبي مسعود الثقفي، اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله.

فلما أدب الله المؤمنين بقوله: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [3] ، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، و لم يقبل منهم الا اتباع أمره و اجتناب نهيه علي يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد، و من عصاه ضل و غوي، و لزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره و اجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، و أنزل به عقابه.


پاورقي

[1] الزخرف: 31.

[2] الزخرف: 32.

[3] الأحزاب: 36.