بازگشت

الامثال الخمسة


تفسير صحة الخلقة: أما قول الصادق عليه السلام «و هي صحة الخلقة» فان معناه كمال الخلق للانسان و كمال الحواس و ثبات العقل و التمييز و اطلاق اللسان بالنطق، و ذلك قول الله: (و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا) [1] فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم علي سائر خلقه من البهائم و السباع و دواب البحر و الطير و كل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل و النطق، و ذلك قوله: (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) [2] ، و قوله: (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك - في أي صورة ما شاء ركبك) [3] ، و في آيات كثيرة.

فأول نعمة الله علي الانسان صحة عقله و تفضيله علي كثير من خلقه بكمال العقل و تمييز البيان، و ذلك أن كل ذي حركة علي بسيط الأرض هو قائم بنفسه



[ صفحه 225]



بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتي صار آمرا ناهيا، و غيره مسخر له، كما قال الله: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ما هداكم) [4] ، و قال: (و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما و طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها) [5] ، و قال: (و الانعام خلقها لكم فيها دف ء و منافع و منها تأكلون - و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون - و تحمل أثقالكم الي بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس). [6] .

فمن أجل ذلك دعا الله الانسان الي اتباع أمره و الي طاعته، بتفضيله اياه باستواء الخلق و كمال النطق و المعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا) [7] ، و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) [8] ، و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها) [9] ، و في آيات كثيرة.

فاذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته، كقوله: (ليس علي الأعمي حرج و لا علي الأعرج حرج) [10] ، الآية، فقد رفع عن كل من كان بهذه



[ صفحه 226]



الصفة الجهاد و جميع الأعمال التي لا يقوم بها.

و كذلك أوجب علي ذي اليسار الحج و الزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، و لم يوجب علي الفقير الزكاة و الحج، قوله: (و لله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) [11] ، و قوله في الظهار: (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) - الي قوله: - (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) [12] ، كل ذلك دليل علي أن الله تبارك و تعالي لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، و نهاهم عن مثل ذلك، فهذه صحة الخلقة.

و أما قوله: «تخلية السرب» فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه و يمنعه العمل بما أمره الله به، و ذلك قوله في من استضعف و حظر عليه العمل فلم يجد حيلة و لا يهتدي سبيلا، كما قال الله تعالي: (الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا) [13] ، فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه و ليس عليه من القول شي ء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

و أما المهلة في الوقت: فهو العمر الذي يمنع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الي أجل الوقت، و ذلك من وقت تمييزه و بلوغ الحلم الي أن يأتيه أجله، فمن مات علي طلب الحق و لم يدرك كما له فهو علي خير، و ذلك قوله: (و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله) [14] الآية، و ان كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله



[ صفحه 227]



في الوقت الي استتمام أمره، و قد حظر علي البالغ ما لم يحظر علي الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: (و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) [15] الآية، فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل، و كذلك لا تجري عليه الأحكام.

و أما قوله: «الزاد» فمعناه الجدة [16] و البلغة التي يستعين بها العبد علي ما أمره الله به، و ذلك قوله: (ما علي المحسنين من سبيل) [17] الآية، ألا تري أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق؟ و ألزم الحجة كل من أمكنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلك، و كذلك قبل عذر الفقراء و أوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله: (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله) [18] الآية، فأمر باعفائهم و لم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون و لا يملكون.

و أما قوله: «و السبب المهيج» فهو النية التي هي داعية الانسان الي جميع الأفعال، و حاستها القلب [19] ، فمن فعل فعلا و كان بدين لم يعقد قلبه علي ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية، و لذلك أخبر عن المنافقين بقوله: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون) [20] ، ثم أنزل علي نبيه صلي الله عليه و آله توبيخا للمؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) [21] الآية، فاذا قال الرجل قولا و اعتقد



[ صفحه 228]



في قوله، دعته النية الي تصديق القول باظهار الفعل، و اذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته.

و قد أجاز الله صدق النية و ان كان الفعل غير موافق لها، لعلة مانع يمنع اظهار الفعل، في قوله: (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) [22] ، و قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) [23] ، فدل القرآن و أخبار للرسول صلي الله عليه و آله أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها، و لا يبطل ما يصحح القلب شي ء.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، و هما الجبر و التفويض، فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال، وجب عليه العمل كمالا لما أمر الله عزوجل به و رسوله، و اذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك.


پاورقي

[1] الاسراء: 70.

[2] التين: 4.

[3] الانفطار: 8 - 6.

[4] الحج: 37.

[5] النحل: 14.

[6] النحل: 7 - 5.

[7] التغابن: 16.

[8] البقرة: 286.

[9] الطلاق: 7.

[10] النور: 61، الفتح: 17.

[11] آل عمران: 97.

[12] المجادلة: 3 و 4.

[13] النساء: 98.

[14] النساء: 100.

[15] النور: 31.

[16] الجدة: الغني و القدرة.

[17] التوبة: 91.

[18] البقرة: 273.

[19] في نسخة: و حاسنة العقل.

[20] آل عمران: 166.

[21] سورة الصف: 2.

[22] النحل: 106.

[23] البقرة: 225.