شواهد قرآنية علي الاختبار و البلوي
فأما شواهد القرآن علي الاختبار و البلوي بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة، و من ذلك قوله: (و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلوا أخباركم) [1] ، و قال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) [2] ، و قال: (ألم - أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون). [3] .
[ صفحه 229]
و قال في الفتن التي معناها الاختبار: (و لقد فتنا سليمان) [4] الآية، و قال في قصة موسي عليه السلام: (فانا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري) [5] ، و قول موسي عليه السلام، (ان هي الا فتنتك) [6] ، أي اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض، و يشهد بعضها لبعض.
و أما آيات البلوي بمعني الاختيار قوله: (ليبلوكم في ما آتاكم)، [7] ، و قوله: (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) [8] ، و قوله: (انما بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) [9] ، و قوله: (و خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [10] ، و قوله: (و اذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات) [11] ، و قوله: (و لو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض). [12] .
و كل ما في القرآن من بلوي هذه الآيات التي شرح أولها، فهي اختبار، و أمثالها في القرآن كثيرة، فهي اثبات الاختبار و البلوي.
ان الله جل و عز لم يخلق الخلق عبثا، و لا أهملهم سدي، و لا أظهر حكمته
[ صفحه 230]
لعبا، و بذلك أخبر في قوله: (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا). [13] .
فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتي اختبرهم؟ قلنا: بلي، قد علم ما يكون منهم قبل كونه، و ذلك لقوله: (و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) [14] ، و انما اختبرهم ليعلمهم عدله و لا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل، و قد أخبر بقوله: (و لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا) [15] ، و قوله: (و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا) [16] ، و قوله: (رسلا مبشرين و منذرين). [17] .
فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، و هو القول بين الجبر و التفويض، و بهذا نطق القرآن، و جرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول صلي الله عليه و آله.
فان قالوا: ما الحجة في قول الله: (يهدي من يشاء و يضل من يشاء) [18] ، و ما أشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها علي معنيين:
أما أحدهما فاخبار عن قدرته، أن انه قادر علي هداية من يشاء و ضلال من يشاء، و اذا أجبرهم بقدرته علي أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب، علي نحو ما شرحنا في الكتاب.
و المعني الآخر أن الهداية منه تعريفه، كقوله: (و أما ثمود فهديناهم) أي
[ صفحه 231]
عرفناهم (فاستحبوا العمي علي الهدي) [19] ، فلو أجبرهم علي الهدي لم يقدروا أن يضلوا.
و ليس كلما وردت آية مشبهة كانت الآية حجة علي محكم الآيات اللواتي امرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: (منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و البتغاء تأويله و ما يعلم) [20] الآية، و قال: (فبشر عباد - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي أحكمه و أشرحه (اولئك الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الألباب). [21] .
وفقنا الله و اياكم الي القول و العمل لما يحب و يرضي، و جنبنا و اياكم معاصيه بمنه و فضله، و الحمد لله كثيرا كما هو أهله، و صلي الله علي محمد و آل الطيبين، و حسبنا الله و نعم الوكيل. [22] .
2 - و مما يضاف الي موضوع الجبر و التفويض المتعلق بأفعال العباد، ما رواه الشيخ المفيد رحمه الله في تصحيح الاعتقاد، قال: روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالي؟
فقال عليه السلام: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها، و قد قال سبحانه: (ان الله بري ء من المشركين و رسوله) [23] ، و لم يرد البراءة من خلق ذواتهم، و انما تبرأ
[ صفحه 232]
من شركهم و قبائحهم. [24] .
3 - و ما رواه الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبدالعظيم الحسني، عن الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسي عليه السلام، قال: خرج أبوحنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام فاستقبله موسي ابن جعفر عليه السلام فقال له: يا غلام ممن المعصية؟
فقال عليه السلام: لا تخلوا من ثلاثة: اما أن تكون من الله عزوجل، و ليست منه، فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه، و اما أن تكون من الله عزوجل و من العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، و اما أن تكون من العبد، و هي منه، فان عاقبه الله فبذنبه، و ان عفا عنه فبكرمه و جوده. [25] .
4 - و روي عن الامام علي بن محمد العسكري عليه السلام أن أباالحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: ان الله خلق الخلق، فعلم ما هم اليه صائرون، فأمرهم و نهاهم، فما أمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل الي الأخذ به، و ما نهاهم عنه من شي ء فقد جعل لهم السبيل الي تركه، و لا يكونون آخذين و لا تاركين الا باذنه، و ما جبر الله أحدا من خلقه علي معصيته، بل اختبرهم بالبلوي، كما قال تعالي: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا). [26] .
[ صفحه 233]
پاورقي
[1] محمد: 33.
[2] الأعراف: 182، القلم: 44.
[3] العنكبوت: 1 و 2.
[4] ص: 34.
[5] طه: 85.
[6] الأعراف: 155.
[7] المائدة: 48، الأنعام: 165.
[8] آل عمران: 152.
[9] القلم: 17.
[10] الملك: 2.
[11] البقرة: 123.
[12] محمد: 5.
[13] المؤمنون: 115.
[14] الأنعام: 28.
[15] طه: 134.
[16] الاسراء: 15.
[17] النساء: 165.
[18] النحل: 93.
[19] فصلت: 17.
[20] آل عمران: 7.
[21] الزمر: 19.
[22] تحف العقول: 475 - 458.
[23] البراءة: 3.
[24] تصحيح الاعتقاد: 29.
[25] بحارالأنوار 2 / 4: 5.
[26] بحارالأنوار 32 / 26: 5، و الآية من سورة هود: 7.