بازگشت

اهتداء بعضهم


هذا و من جانب آخر كان الامام عليه السلام يتخذ موقفا هادئا رصينا من أصحابه الذين دخلت عليهم مثل هذه الشبهة، و ذلك لأجل سوقهم الي شاطئ الهداية و السلام.

و من هؤلاء الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: ضمني و أباالحسن الطريق حين منصرفي من مكة الي خراسان، و هو صائر الي العراق... الي أن قال: فخرجت، فلما كان من الغد تلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: يابن رسول الله، أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟

قال: سل، و ان شرحتها فلي، و ان أمسكتها فلي، فصحح نظرك، و تثبت في مسألتك، و أصغ الي جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعينت، و اعتن بما تعتني به، فان العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.

و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك، فان شاء العالم أنبأك، ان الله لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول، فكلما كان عندالرسول كان عند العالم، و كلما اطلع عليه الرسول فقد أطلع أوصياءه عليه، لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته، و جواز عدالته.

يا فتح، عسي الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك،



[ صفحه 268]



و شككك في بعص ما أنبأتك، حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متي أيقنت أنهم كذا فهم أرباب، معاذ الله، انهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله، داخرون راغبون، فاذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني، و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال: فسجد أبوالحسن و هو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا. قال: فلم يزل كذلك حتي ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك و تهلك، و ما ضر عيسي اذا هلك من هلك، فاذهب اذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما كشف الله عني من اللبس، بأنهم هم، و حمدت الله علي ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا، اذا كان ذلك آفة، و الامام غير مأوف.

فقال: اجلس يا فتح، فان لنا بالرسل اسوة، كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق، و كل جسم مغذو بهذا الا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام، و هو لم يجسم و لم يجزأ بتناه، و لم يتزايد و لم يتناقص، مبرء من ذاته، ما ركب في ذات من جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، و هو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب، و لا الخالق من المخلوق، و لا المنشئ من المنشأ، ولكنه فرق بينه و بين من جسمه، و شيأ الأشياء، اذ كان لا يشبهه شي ء يري، و لا يشبه شيئا.



[ صفحه 269]