بازگشت

الواقفة


و هم الواقفون علي الامام الكاظم عليه السلام و القائلون: انه حي يرزق، و انه هو القائم من آل محمد عليهم السلام، و ان غيبته كغيبة موسي بن عمران عن قومه، و يلزم من ذلك عدم انتقال الامامة الي ولده الامام الرضا عليه السلام حسب اعتقادهم.

و قد روج لهذه الفكرة بعض الكبار من أصحاب الامام الكاظم عليه السلام كعلي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسي الرواسي، و يعتبر هؤلاء الثلاثة أول من ابتدع هذا المذهب، و أظهر الاعتقاد به، و الدعوة اليه.

و لم تكن الجذور الأساسية لهذه الدعوة ناشئة عن محض الاعتقاد و الاقتناع بواقعيتها، بل هي رغبات مادية و عوامل دنيوية أثرت في نفوسهم الضعيفة، فانحرفت بهم الي هذا الطريق.

ويتعذر هؤلاء لتورطهم في هذا المذهب بأخبار وضعوها أو سمعوها عن الامام الصادق عليه السلام، ولكنهم جهلوا أو تجاهلوا محتواها، و انغلق عليهم فهمها، و أغرتهم عروض الدنيا الزائلة، فقد كان عند علي بن أبي حمزة البطائني ثلاثون ألف دينار، و عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند عثمان الرواسي ثلاثون ألف دينار، لأنهم كانوا من قوام الامام الكاظم عليه السلام و خزنة أمواله، فنازعتهم نفوسهم في تسليم هذه الأموال لولده القائم بعده، فتحيلوا بانكار موت الامام الكاظم عليه السلام، و ادعاء أنه حي يرزق، و أنهم لم يسلموا الأموال حتي يرجع فيسلموها له.

و لقد غرر هؤلاء بصفوة بريئة من أصحاب الأئمة عليهم السلام، و ألقوا عليهم



[ صفحه 270]



الشبهة، و استمالوا بعضهم بالأموال، فدانوا بما قالوا، ولكنهم سرعان ما رجع بعضهم الي الاعتراف بامامة الرضا عليه السلام بعد أبيه الكاظم عليه السلام و حادوا عن مذهب الوقف الي قول الحق، و قد استغرقت هذه الفرقة ردحا طويلا من الزمن،تخللها المنازعات و الخلافات الي أن انقرضت، و لم يبق لها أثر، و يطلق عليهم الممطورة و الموسوية. [1] .

و لا نريد هنا الاسهاب في موضوع الواقفة، فقد تعرضنا لمواقف الامام الكاظم و الامام الرضا عليهماالسلام من هذه الفرقة، و ذكرنا مجمل اعتقاداتهم و الرد عليها، و بينا بطلان ما تمسكوا به من أحاديث موضوعة أو مؤولة علي غير ظاهرها، و ذكرنا أيضا جمله أحاديث وردت عن أئمة الهدي عليهم السلام في الطعن عليهم، و أخيرا بينا اهتداء كثير منهم علي يد الامام الرضا عليه السلام [2] ، و الذي يهمنا هنا هو بيان بعض أحوال المعتقدين بالوقف في زمان الامام الهادي عليه السلام، و مواقفه عليه السلام منهم، و اهتداء بعض منهم علي يديه عليه السلام، بعد أن بهرتهم معاجزة و سعة علومه عليه السلام، فقالوا بامامته و سلموا لأمره عليه السلام.

1 - روي الكشي عن محمد بن الحسن، قال: حدثني أبوعلي الفارسي، قال: حكي منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا عليه السلام أن الزيدية و الواقفة



[ صفحه 271]



و النصاب بمنزلة عنده سواء. [3] .

2 - و في مناقب ابن شهرآشوب، عن أبي سعيد العامري، عن صالح بن الحكم بياع السابري، قال: كنت واقفيا، فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به، اذ خرج أبوالحسن عليه السلام فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني و بينه، و قال: يا صالح، ان الله تعالي قال في سليمان: (و سخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) [4] و نبيك و أوصياء نبيك أكرم علي الله تعالي من سليمان، قال: و كأنما انسل من قلبي الضلالة، فتركت الوقف. [5] .

3 - و عن أبي الحسن سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح، قال: دلني أبوالحسن عليه السلام و كنت واقفا، فقال لي: الي كم هذه النومة، أما لك أن تنتبه منها؟ فقدح في قلبي شيئا، و غشي علي، و تبعت الحق. [6] .

4 - و روي المسعودي باسناده عن الحميري، عن أحمد بن محمد بن مابنداذ الكاتب الاسكافي، قال: تقلدت ديار ربيعة و ديار مضر، فخرجت و أقمت بنصيبين، و قلدت عمالي و أنفذتهم الي نواحي أعمالي، و تقدمت أن يجعل الي كل



[ صفحه 272]



واحد منهم كل من يجده في عمله ممن له مذهب، فكان يرد علي في اليوم الواحد و الاثنان و الجماعة منهم فأسمع منهم و اعامل كل واحد بما يستحقه.

فأنا ذات يوم جالس اذ ورد كتاب عامل بكفر توثي [7] ، و يذكر أنه توجه الي برجل يقال له ادريس بن زياد، فدعوت به فرأيته و سيما قسيما قبلته نفسي، ثم ناجيته فرأيته ممطورا [8] ، و رأيته من المعرفة بالفقه و الأحاديث علي ما أعجبني، فدعوته الي القول بامامة الاثني عشر، فأبي و أنكر علي ذلك و خاصمني فيه، و سألته بعد مقامه عندي أياما أن يهب لي زورة الي سر من رأي، لينظر الي أبي الحسن عليه السلام و ينصرف.

فقال لي: أنا أقضي حقك بذلك، و شخص بعد أن حمله، فأبطأ عني و تأخر كتابه، ثم انه قدم و دخل الي، فأول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكيا لم أتمالك حتي بكيت، فدنا مني و قبل يدي و رجلي، ثم قال: يا أعظم الناس منة، نجيتني من النار و أدخلتني الجنة.

و حدثني قال لي: خرجت من عندك و عزمي اذا لقيت سيدي أباالحسن أن أسأله عن مسائل، و كان فيما أعددته أن أسأله عن عرق الجنب، هل يجوز الصلاة في القميص الذي أعرق فيه و أنا جنب، أم لا؟ فصرت الي سر من رأي، فلم أصل اليه، و أبطأ من الركوب لعلة كانت به، ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه يركب، فبادرت ففاتني، و دخل دار السلطان.

فجلست في الشارع، و عزمت أن لا أبرح أو ينصرف، و اشتد الحر علي،



[ صفحه 273]



فعدلت الي باب دار فيه، فجلست أرقبه و نعست، فحملتني عيني فلم أنتبه الا بمقرعة قد وضعت علي كتفي، ففتحت عيني، فاذا هو مولاي أبوالحسن عليه السلام واقف علي دابة، فو ثبت فقال لي: يا ادريس، أما آن لك؟ فقلت: بلي يا سيدي، فقال: ان كان العرق من حلال فحلال، و ان كان من حرام فحرام، من غير أن أسأله، فقلت به و سملت لأمره. [9] .


پاورقي

[1] راجع معجم الفرق الاسلامية: 240، 238 و 268. و الممطورة لقب أطلقه عليهم علي بن اسماعيل، قال لهم: ما أنتم الا كلاب ممطورة، و قيل: أطلقه عليهم يونس بن عبدالرحمن القمي.

[2] راجع كتابنا (الكاظم موسي عليه السلام) و (الرضا علي عليه السلام) من هذه السلسلة.

[3] رجال الكشي: 410 / 229.

[4] ص: 36.

[5] المناقب 407: 4.

[6] المناقب 407: 4.

[7] كفر توثي: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة.

[8] أي من الواقفة كما تقدم.

[9] اثبات الوصية: 229.