بازگشت

ايام المعتصم


قضي الامام الهادي عليه السلام نحو سبعة سنوات من مدة امامته عليه السلام في زمان حكومة المعتصم بن هارون، و قد تولي مهام الامامة بعد شهادة أبيه الجواد عليه السلام سنة 220 ه، و لما يزل يافعا حيث يتراوح عمره الشريف بين 8 - 6 سنوات، و هذا من أوضح الكرامات و المعجزات التي اختص بها الأئمة من عترة المصطفي صلي الله عليه و آله.

و ما أن فرغ المعتصم من اغتيال الامام الجواد عليه السلام بعد أن عزله عن شيعته و حبسه في دار الملك بغداد، توجه الي ولده الامام بعده رغم كونه صغيرا،



[ صفحه 294]



و لا يشكل أدني خطر علي مركز الخلافة العباسية و أجهزتها، و أول بوادر ذلك هو أن عهد المعتصم الي عمر بن الفرج أن يشخص الي يثرب ليختار معلما لأبي الحسن الهادي عليه السلام علي أن يكون المعلم معروفا بالنصب و الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ليغذيه ببغضهم، فاختار أباعبدالله الجنيدي و هو رجل أديب عالم و معروف بالبغض و العداوة لأهل البيت عليهم السلام، و أوكل اليه مهمة تأديب الامام عليه السلام علي ما زعم، فحبسه عن شيعته و مواليه، و منعهم من زيارته و اللقاء به، و وضع عليه العيون.

و قام الجنيدي بتعليم الامام الا أنه قد ذهل لما رآه من حدة ذكائه و غزارة علمه، و اعترف بأنه أعلم منه، و أنه يتعلم من الامام عليه السلام ضروبا من العلم، و أنه خير اهل الأرض، و أفضل من برأه الله تعالي، و أنه يحفظ القرآن من أوله الي آخره و يعلم تأويله و تنزيله، و أخيرا نزع الجنيدي نفسه عن النصب و العداء لأهل البيت عليهم السلام و دان بالولاء لهم و اعتقد بالامامة و اهتدي الي سواء السبيل ببركة الامام عليه السلام. [1] .

قال الشاعر:



حار فيه فكر الجنيدي مذ

شاهد فيه ما حير الأفكارا



جاء يملي له العلوم صغيرا

فاذا بالصغار تهدي الكبارا [2] .



و هكذا انتهت هذه المحاولة بالفشل دون أن تستطيع أجهزة السلطة الحاق



[ صفحه 295]



أدني تأثير علي شخص الامام عليه السلام و معارفه، ذلك لأن المعتصم ظن بفكره القاصر [3] أنه يستطيع أن يوجه الامام عليه السلام وفقا لأهوائه، و أن يرسم حدود شخصيته علي ما يريد، متناسيا بأن الأئمة عليهم السلام يتميزون بالعلم الحضوري و النور الجلي و السر الخفي من لدن رب العالمين.

و في أيام المعتصم اشتدت المحنة علي الامة بصورة عامة و علي الطالبيين و شيعة أهل البيت عليهم السلام بصورة خاصة، حتي انه كان الرجل منهم اذا تفوه بأدني معارضة أو أمر بالمعروف و نهي عن المنكر، فان مصيره سيكون في بركة السباع.

1 - قال المسعودي في مروج الذهب: في سنة 248 ه كانت وفاة بغا الكبير القائد التركي، و قد نيف علي التسعين سنة، و قد كان باشر من الحروف ما لم يباشره أحد، فما أصابته جراحة قط، و كان دينا بين الأتراك، و كان من غلمان المعتصم، يشهد الحروب العظام و يباشرها بنفسه، فيخرج منها سالما، و يقول: الأجل جوشن. [4] ، و لم يكن يلبس علي بدنه شيئا من الحديد، فعذل في ذلك، فقال. رأيت في نومي النبي صلي الله عليه و آله و معه جماعة من أصحابه فقال لي: يا بغا، أحسنت الي رجل من امتي، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك.

قال: فقلت: يا رسول الله، و من ذلك الرجل؟

قال: الذي خلصته من السباع.

فقلت: يا رسول الله، سل ربك أن يطيل عمري، فرفع يديه نحو السماء،



[ صفحه 296]



و قال: اللهم أطل عمره، و أتم أجله.

فقلت: يا رسول الله، خمس و تسعون سنة.

فقال رجل كان بين يديه: و يوفي من الآفات.

فقلت للرجل: من أنت؟

قال: أنا علي بن أبي طالب.

فاستيقظت من نومي، و أنا أقول: علي بن أبي طالب. قال: فقيل له: من كان ذلك الرجل الذي خلصته من السباع؟ قال: كان أتي المعتصم برجل قد رمي ببدعة، فجرت بين المعتصم في الليل مخاطبة في خلوة، فقال لي المعتصم: خذه فألقه الي السباع، فأتيت بالرجل الي السباع لالقيه اليها و أنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول: اللهم انك تعلم ما تكلمت الا فيك، و لم أرد بذلك غيرك، و تقربا اليك بطاعتك، و اقامة الحق علي من خالفك، أفتسلمني؟

قال: فارتعدت و داخلتني له رقة، و ملي ء قلبي له رعبا، فجذبته عن طرف بركة السباع، و قد كدت أن أزج به فيها، و أتيت به حجرتي فأخفيته فيها.

و أتيت المعتصم فقال: هيه. قلت: ألقيته. قال: فما سمعته يقول؟ قلت: أنا أعجمي، و هو يتكلم بكلام عربي، ما أدري ما يقول. [5] .

و في أيام المعتصم و اصل العلويون حركة المعارضة المسلحة التي لم تهدأ منذ ثورة الشهيد السبط الامام الحسين عليه السلام ذلك لانتشار الظلم و الفساد، و تردي الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية، و اهتمام السلطة باشباع رغباتها و تقوية مؤيديها و أجهزتها القمعية علي حساب عامة الناس.

و ممن خرج في أيام المعتصم من العلويين محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن



[ صفحه 297]



علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، و يكني أباجعفر، و كان من أهل العلم و الفقه و الدين و الزهد، خرج بالطالقان، و اتبعه جماعة كثيرة، فوجه اليه عبدالله بن طاهر بعض عماله، فكانت له معه وقائع كثيرة في الطالقان و نيسابور، و في آخرها اعتقل محمد بن القاسم رضي الله عنه و وجه به عبدالله بن طاهر الي المعتصم، فحبسه في سرداب شبيه بالبئر عند قصره، فكاد أن يموت فيه، ثم انه هرب من السجن، فطلبوه فلم يقدروا عليه، فانحدر الي واسط، و بقي مختفيا حتي مات بها.

و قال أحمد بن الحارث الخزاز: تواري محمد بن القاسم أيام المعتصم و أيام الواثق، ثم اخذ في أيام المتوكل، فحمل اليه فحبس حتي مات في حبسه، قال: و يقال: انه دس اليه سما فمات منه. [6] .

2 - و روي السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات) بالاسناد عن اليسع بن حمزة القمي، قال: أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتي تخوفته علي اراقة دمي و فقر عقبي، فكتبت الي سيدي أبي الحسن العسكري عليه السلام أشكو اليه ما حل بي، فكتب الي: لا روع عليك و لا بأس، ادع الله بهذه الكلمات يخلصك الله و شيكا مما وقعت فيه و يجعل لك فرجا.

الي أن قال: فدعوت الله بالكلمات التي كتب الي سيدي بها في صدر النهار، فوالله ما مضي شطره حتي جاءني رسول عمرو بن مسعدة، فقال لي: أجب الوزير، فنهضت و دخلت عليه، فلما بصرني تبسم الي، و أمر بالحديد ففك عني، و بالأغلال فحلت مني... الحديث. [7] .



[ صفحه 298]




پاورقي

[1] راجع اثبات الوصية للمسعودي: 222، و الفصل الثالث من كتابنا هذا (فضائله و مكارم أخلاقه).

[2] الذخائر: 63.

[3] ذكر المؤرخون أن المعتصم كان لا يحسن القراءة و الكتابة.

[4] أي أن الأجل كالدرع الذي يقي المقاتل من ضربات العدو، فمن لم يبلغ أجله لن يناله الموت.

[5] مروج الذهب 161 - 160: 4.

[6] مقاتل الطالبيين: 392 - 382. تأريخ اليعقوبي 206: 3.

[7] مهج الدعوات: 271، و قد تقدم الحديث كاملا مع الدعاء في سيرة الامام عليه السلام و سننه.