هدم قبر الحسين و منع زيارته
و كان من ذلك أن كرب قبر الحسين عليه السلام و عفي آثاره، و وضع علي سائر
[ صفحه 300]
الطرق مسالح له لا يجدون أحدا زاره الا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة.
قال أبوالفرج الاصفهاني: حدثني أحمد بن الجعد الوشاء، و قد شاهد ذلك، قال: ان المتوكل بعث برجل من أصحابه يقال له الديزج، و كان يهوديا فأسلم، أرسله الي قبر الحسين عليه السلام، و أمره بكرب قبره و محوه و اخراب كل ما حوله، فمضي لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء و كرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ الي قبره لم يتقدم اليه أحد، فأحضر قوما من اليهود فكربوه، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، فلا يزوره زائر الا أخذوه و وجهوا به اليه. [1] .
و في تأريخ الطبري و ابن الأثير حوادث سنة 236 ه: أنه في تلك السنة هدم قبر الحسين بن علي عليه السلام و سواه بالتراب، ثم أمر بحرث الأرض و زرعها لتضيع معالمه، و قتل عددا كبيرا من زواره، و بالتالي فرض عليهم الضرائب و شتي أنواع العقوبات ليمتنعوا عن زيارته. [2] .
و روي أنه لما صار الماء فوق مكان قبره عليه السلام وقف و افترق فرقتين، يمينا و شمالا، و دار حتي التقي تحت المكان، و بقي الوسط خاليا من الماء، و الماء مستدير حوله، فسمي من ذلك اليوم ب: الحائر. [3] .
قال أبوالفرج الاصفهاني: و حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا، ثم عملت علي المخاطرة بنفسي فيها، و ساعدني رجل من العطارين علي ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل حتي أتينا
[ صفحه 301]
نواحي الغاضرية، و خرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين، و قد ناموا، حتي أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشم الأرض و نتحري جهته حتي أتيناه [4] ، و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و احرق، و أجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق، فزرناه و أكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ا شممت مثلها قط، كشي ء من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها، كشي ء من العطر، فودعناه و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتي صرنا الي القبر، فأخرجنا تلك العلامات و أعدناه الي ما كان عليه. [5] .
قال السيوطي في تأريخ الخلفاء: فتألم المسلمون من ذلك، و كتب أهل بغداد شتمه - أي المتوكل - علي الحيطان و المساجد، و هجاه الشعراء، و مما قيل في ذلك:
تالله ان كانت امية قد أتت
قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتي بنو أبيه بمثله
هذا لعمري قبره مهدوما
أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا
في قتله فتتبعوه رميما [6] .
پاورقي
[1] مقاتل الطالبيين: 396 - 395.
[2] الكامل في التأريخ 55: 7، حوادث سنة 236، سيرة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام 453: 2.
[3] بحارالأنوار 403: 45، التتمة في التواريخ الأئمة عليهم السلام: 137.
[4] قال الشاعر:
أرادوا ليخفوا قبره عن وليه
و طيب تراب القبر دل علي القبر.
[5] مقاتل الطالبيين: 396.
[6] تأريخ الخلفاء: 278، و قد نسب هذا الشعر للبسطامي، و قيل: لابن السكيت.