البذخ و الترف
و الي جانب الحصار الاقتصادي المر الذي فرضه الطاغيه المتوكل علي العلويين بشكل خاص و الطالبيين بشكل عام، فقد كان ينفق ملايين الدنانير علي لياليه الحمراء، و يهب آلاف الدنانير الي المغنين و المخنثين، فسجل بذلك صفحات سوداء من تأريخه الملي ء بالاثم و العدوان في اضطهاد ذرية النبي المصطفي صلي الله عليه و آله.
و من جملة أعماله الآئمة منحه الأموال الطائلة للمرتزقة من الشعراء الذين ينالون من آل البيت عليهم السلام أمثال مروان بن أبي الجنوب، الذي أغدق عليه الأموال و الذهب، و عقد له الولايه علي البحرين و اليمامة، و هو القائل معرضا بآل البيت عليهم السلام:
يرجو التراث بنو البنا
ت و ما لهم فيها قلامه
و الصهر ليس بوارث
و البنت لا ترث الامامه [1] .
[ صفحه 303]
روي ابن الأثير عن أبي الشمط ابن أبي الجنوب، أنه قال: أنشدت المتوكل شعرا ذكرت فيه الرافضة، فعقد لي علي البحرين واليمامة، و خلع علي أربع خلع، و خلع علي المنتصر، و أمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار نثرت علي، و أمر ابنه المنتصر و سعدا الايتاخي أن يلقطاها لي، ففعلا.
قال: ثم نثر علي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعني عشرة آلاف درهم. [2] .
أما نفقات المتوكل فقد قال عنها المسعودي في تأريخه: ان النفقات لم تبلغ في وقت من الأوقات ما بلغته أيام المتوكل [3] ، و كانت هذه النفقات تغدق علي المغنين و اللاهين و المضحكين و جواري القصر و الشعراء، و لا تصرف في مواردها الصحيحة باعتبارها من بيت المال الذي يشترك فيه جميع المسلمين لتطوير حياتهم و تمشية معاشهم و تنمية قدراتهم.
فقد أنفق المتوكل أموالا لا تحصي في الاحتفال الذي أقامه بمناسبة ختان بعض أولاده حتي ان الدراهم و الدنانير كانت تنقل في الغرائر [4] ، و قد أمر بصبها في وسط المجلس، فبلغت من الكثرة أن حالت من رؤية بعضهم بعضا.
و أنفق من الأموال ما يبهر العقول في الاحتفال الذي أقامه بمناسبة البيعة لأولاده، و هم محمد المنتصر، و الزبير المعتز، و ابراهيم المؤيد، و ذلك سنة 236 ه. [5] .
و أنفق ملايين الدنانير علي الجواري اللاتي جلبن من مختلف أنحاء البلاد،
[ صفحه 304]
حتي انه روي المؤرخون أن له أربعة آلاف جارية و طئهن جميعا. [6] .
و أنفق المتوكل علي قصوره الفخمة ملايين الدنانير، حتي انه بني قصرا في سفينة و صفه البحتري الشاعر بقوله:
غنينا علي قصر يسير بفتية
قعود علي أرجائه و قيام
تظل البزاة البيض تخطف حولنا
جآجئ طير في السماء سوام [7] .
و من أهم قصوره الجعفري، و قد أنفق علي بنائه ألفي ألف دينار [8] ، و منها البرج و قد أنفق علي بنائه ألف ألف و سبعمائة ألف دينار [9] ، و منها المليح و قد أنفق علي بنائه خمسة آلاف ألف درهم [10] ، و منها الشبنداز و قد أنفق علي بنائه عشرة آلاف ألف درهم [11] ، و منها المختار و بركوار و الخير و الغرو، و قد أنفق علي هذه الأربعة ثلاثين ألف ألف درهم [12] ، ناهيك عن ملايين الدراهم التي صرفت علي برك الماء و هبات الشعراء مما سطره المؤرخون في تأريخ الطاغية المتوكل، و في قصر الجعفري قتل المتوكل و وزراؤه و هم سكاري علي موائد الخمر، و من كان من أذنابه و مر تزقته.
[ صفحه 305]
قال النويري: أنفق المتوكل في بناء قصوره مائة ألف دينار، و خمسين ألف ألف عينا، و مائتي ألف ألف، و ثمانية و خمسين ألف ألف، و خمسمائة ألف درهم.... [13] .
و هكذا ينعم الخلفاء العباسيون و أذنابهم بالحياة الي حد السفه و الهوس، و من ورائهم طبقات واسعة من عامة الناس قتر عليها الرزق، فهي تعيش في ضنك و ضيق شديدين، سيما العلويون و الطالبيون بشكل عام، فقد فرض عليهم المتوكل حصارا جائرا حتي انه منع الناس من البر بهم و الاحسان اليهم، و كان لا يبلغه أن أحدا بربهم الا أنهكه عقوبة و غرامة - كما قدمنا عن أبي الفرج الأصفهاني - حتي امتنع الناس من صلتهم و اكرامهم خوفا من عقاب الطاغية و سطوته، فعاشوا حياة ملؤها البؤس و الفقر و الحرمان.
پاورقي
[1] تأريخ الطبري 231: 9 - دار المعارف.
[2] الكامل في التأريخ 95: 7.
[3] مروج الذهب 159: 4.
[4] و هي الجوالق، و هو العدل من الصوف أو الشعر.
[5] حياة الامام الهادي عليه السلام: 308 - 306، عن الانباء في تأريخ الخلفاء.
[6] تأريخ الخلفاء: 279.
[7] ديوان البحتري 202: 3.
[8] معجم البلدان 143: 2.
[9] تأريخ اليعقوبي 222: 3.
[10] معجم البلدان 175: 3.
[11] معجم البلدان 319: 3.
[12] معجم البلدان 192: 4، 175: 3، 328: 2.
[13] نهاية الارب 406: 1.