بازگشت

رواية الشيخ المفيد


قال الشيخ المفيد رحمةالله: و كان سبب اشخاص أبي الحسن عليه السلام الي سر من رأي، أن عبدالله بن محمد، كان يتولي الحرب و الصلاة في مدينة الرسول عليه السلام، فسعي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و كان يقصده بالأذي، و بلغ أباالحسن سعايته به، فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد و يكذبه في ما سعي به، فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه، و دعائه فيه الي حضور العسكر علي جميل من الفعل



[ صفحه 313]



و القول، فخرجت نسخة الكتاب، و هي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد، فان أميرالمؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك،موجب لحقك، مؤثر من الامور فيك و في أهل بيتك ما يصلح الله به حالك و حالهم، و يثبت به عزك و عزهم، و يدخل الأمن عليك و عليهم، يبتغي بذلك رضا ربه و أداء ما افترض عليه فيك و فيهم.

و قد رأي أميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك، و عندما قرفك [1] به و نسبك اليه من الأمر الذي علم أميرالمؤمنين براءتك منه، و صدق نيتك في برك و قولك، و أنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، و أمره باكرامك و تبجيلك و الانتهاء الي أمرك و رأيك، و التقرب الي الله و الي أميرالمؤمنين بذلك.

و أميرالمؤمنين مشتاق اليك، يحب احداث العهد بك و النظر اليك، فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما أحببت شخصت و من اخترت من أهل بيتك و مواليك و حشمك، علي مهلة و طمأنينة، ترحل اذا شئت، و تنزل اذا شئت، و تسير كيف شئت.

و ان أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند [2] .



[ صفحه 314]



يرتحلون برحيلك و يسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك اليك، و قد تقدمنا اليه بطاعتك.

فاستخر الله حتي توافي أميرالمؤمنين، فما أحد من اخوته و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منه منزلة، و لا أحمد له اثرة، و لا هو لهم أنظر، و عليهم أشفق، و بهم أبر، و اليهم أسكن منه اليك، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

و كتب ابراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة 243. [3] .

فالملاحظ أن المتوكل قد كتب الي الامام عليه السلام باسلوب هادئ لين و كأنه يتعاهده بالعطف و الكرامة، في الوقت الذي كان يضمر العداوة لآل البيت عليهم السلام، و لكل من يتصل بهم بسبب أو نسب، و الامام عليه السلام يعلم منه ذلك، كما أنه يعلم أنه لا يتركه في المدينة، فاستجاب لطلبه مرغما، و لقد صرح عليه السلام يوما لأبي موسي من أصحابه، حيث قال عليه السلام: اخرجت الي سر من رأي كرها، و لو اخرجت عنها اخرجت كرها... الحديث، و قد تقدم آنفا.

و لو كان المتوكل صادقا في ما كتبه في نسخة كتابه الي الامام عليه السلام لالتزم بالشروط التي تعهد بها في كتابه، و لو أراد اكرام الامام عليه السلام لما جعله في خان الصعاليك، و لما حجب عنه شيعته و أصحابه، و لما فرض عليه الاقامة الجبرية في عاصمة العسكر سامراء.

و سيأتي في رواية الشيخ المفيد رحمه الله أن المتوكل لم يأذن للامام بالدخول اليه في يومه الأول الذي وصل به الي سامراء، بل أنزله في خان الصعاليك فأقام فيه يومه، و في اليوم الثاني أذن له بالدخول عليه، ثم أفرد له دارا ليسكن فيها، و ليس ذلك



[ صفحه 315]



ببعيد لأنه انما أرسل اليه لكي يحتجزه و يفرض عليه الاقامة، ليراقب جميع تحركاته و تصرفاته، رغم تظاهره بتعظيمه و اكرامه في كتابه اليه.

قال الشيخ المفيد و غيره: فلما وصل الكتاب الي أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل، و خرج معه يحيي بن هرثمة حتي وصل الي سر من رأي، فلما وصل اليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك و أقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له، فانتقل اليها. [4] .

و روي بالاسناد عن صالح بن سعيد، قال: دخلت علي أبي الحسن الهادي عليه السلام يوم وروده، فقلت له: جعلت فداك، في كل الامور أرادوا اطفاء نورك و التقصير بك، حتي أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: هاهنا أنت يابن سعيد! ثم أومأ بيده، فاذا بروضات انفات [5] ، و أنهار جاريات، و جنان فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري و كثر تعجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك. [6] .

و أقام أبوالحسن عليه السلام مدة مقامه بسر من رأي مكرما معظما مبجلا في ظاهر الحال و المتوكل يبتغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله تعالي عليه. [7] .



[ صفحه 316]



قال الشاعر:



أنزلوه خان الصعاليك عمدا

قد أرادوا ذلا به و احتقارا



ما دروا أنه بدار عليها الله

أرخي دون العيون ستارا [8] .



و قال الناظم مرتجزا:



أنزله في أشنع المنازل

و فخر كل منزل بالنازل



من هو عند ربه مكين

فلا عليه أينما يكون



له رياض القدس مأوي و مقر

خان الصعاليك غطاء للبصر [9] .




پاورقي

[1] قرفه: اتهمه.

[2] الظاهر من الروايات أن المتوكل أرسل وفدا لاحضار الامام عليه السلام، و منهم عتاب من أبي عتاب، راجع المناقب 413: 4، بحارالأنوار 45 / 159: 50، و 53 / 173.

[3] الارشاد 309: 2، الكافي 7 / 419: 1، الفصول المهمة: 276 - 275.

[4] الارشاد 311: 2، الفصول المهمة: 277 - 276.

[5] الروض الانف: هو الروض الذي لم يرعه أحد.

[6] الارشاد 311: 2، الكافي 2 / 417: 1، بحارالأنوار 202: 50، بصائرالدرجات: 426، المناقب 411: 4، اعلام الوري: 365، عيون المعجزات: 137، الثاقب في المناقب: 542، و للعلامة المجلسي رحمه الله بيان حول حديث خان الصعاليك في البحار 131: 50.

[7] الفصول المهمة: 277.

[8] الذخائر - ديوان شعر اليعقوبي: 63.

[9] الأنوار القدسية: 101.