بازگشت

مسير الامام


ليس لدينا ما يساعد علي تتبع حركة الامام عليه السلام من المدينة الي بغداد و من ثم الي سامراء، و لك ما يستفاد من الروايات أن الامام عليه السلام قد قطع هذا الطريق في تموز و في أشد ما يكون عليه الحر [1] ، و قد رافقه في هذا الطريق كثير من القادة و الجند الذين لا يعرفون مقامه الالهي السامي، حيث كان منهم الخارجي و الحشوي و غيرهما.

روي الشيخ القطب الراوندي و غيره بالاسناد عن يحيي بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل و قال: اختر ثلاثمائة ممن تريد و اخرجوا الي الكوفة، و خلفوا أثقالكم فيها، و اخرجوا علي طريق البادية الي المدينة، و أحضروا علي بن محمد النقي الي عندي مكرما معظما مبجلا.

قال: ففعلت و خرجنا، و كان في أصحابي قائد من الشراة [2] ، و كان لي كاتب متشيع، و أنا علي مذهب الحشوية، و كان ذلك الشاري يناظر الكاتب، و كنت أسمع الي مناظرتهما لقطع الطريق.



[ صفحه 319]



فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب «ليس في الأرض بقعة الا و هي قبر، أو سيكون قبرا»؟ فانظر الي هذه البرية، أين من يموت فيها حتي يملأها الله قبورا كما تزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتي تمتلئ قبورا؟ و تضاحكنا ساعة اذ انخذل الكاتب في أيدينا.

قال: و سرنا حتي دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فدخلت عليه، فقرأ كتاب المتوكل فقال: «انزلوا، و ليس من جهتي خلاف».

قال: فلما حضرت اليه من الغد، و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فاذا بين يديه خياط، و هو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له و لغلمانه، ثم قال للخياط: «اجمع عليها جماعة من الخياطين، و اعمد علي الفراغ منها يومك هذا، و بكر بها الي في هذا الوقت».

ثم نظر الي و قال: «يا يحيي، اقضوا و طركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمل علي الرحيل غدا في هذا الوقت».

قال: فخرجنا من عنده و أنا أتعجب من الخفاتين، و أقول في نفسي: نحن في تموز، و حر الحجاز، و انما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه الي هذه الثياب، و العجب من الرافضة حيث يقولون بامامة هذا مع فهمه هذا، فعدت اليه في الغد في ذلك الوقت، فاذا الثياب قد احضرت، فقال لغلمانه: «ادخلوا، و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس»، ثم قال: «ارحل يا يحيي» فقلت في



[ صفحه 320]



نفسي: هذا أعجب من الأول، أيخاف ان يلحقنا الشتاء في الطريق حتي يأخذ معه اللبابيد و البرانس!

فخرجت و أنا أستصغر فهمه حتي اذا وصلنا الي مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، و اسودت و أرعدت و أبرقت حتي اذا صارت علي رؤوسنا أرسلت بدا من الصخور، و قد شد علي نفسه و غلمانه الخفاتين، و لبسوا اللبابيد و البرانس و قال لغلمانه: «ارفعوا الي يحيي لبادة، و الي الكاتب برنسا»، و تجمعنا و البرد يأخذنا حتي قتل من أصحابي ثمانين رجلا، و زالت، و رجع الحر كما كان.

فقال لي: «يا يحيي، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا».

قال: فرميت نفسي عن الدابة و اعتذرت اليه، و قبلت ركابه و رجله، و قلت: أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، و قد كنت كافرا، و اني الآن أسلمت علي يديك يا مولاي.

قال: فتشيعت، و لزمت خدمته الي أن مضي. [3] .

قال الشاعر:



ما رعت للنبي فيه بنو العم

ذماما و لم يحوطوا ذمارا



أشخصوه مع البريد لسامرا

فلم يلق في سواها قرارا



صدقت قوله الشراة و كانوا

جحدوا قول جده انكارا



يوم أردتهم العواصف حتي

ملأ الله في القبور قفارا [4] .



[ صفحه 321]




پاورقي

[1] المروي في البحار عن الخرائج و الجرائح بالاسناد عن أبي محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل كاتب ابراهيم بن محمد، قال: كنت في الوقد الذي أوفد المتوكل الي المدينة في احضار أبي الحسن عليه السلام، و طوينا المنزل و كان منزلا صائفا شديد الحر... فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب و اشتد بان الحر و الجوع و العطش... و نحن اذا ذاك في أرض ملساء لا نري شيئا و لا ظل و لا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا... الي آخر الخبر، و هو يدل علي مدي الصعوبات و الجهد الذي نال من الامام في هذا الطريق مع شدة الحر و عدم ملائمته للسير.

[2] الشراة: الخوارج.

[3] الثاقب في المناقب: 551، الخرائج و الجرائح 2 / 393: 1، كشف الغمة 180: 3، بحارالأنوار 27 / 142: 50.

[4] الذخائر: 62.