بازگشت

ايذاء الامام


لقد كان المتوكل و المحيطون به من أركان السلطة العباسية يعمدون بين الحين و الآخر الي ايذاء الامام عليه السلام بشتي الأساليب، كاستدعائه بين الحين و الآخر بقصد الاساءة اليه و كبس داره و مراقبته، و العمل علي الوضع من قدره في عيون الناس، ولكن الله سبحانه كان يصرفهم عنه عليه السلام فلا يتمكنون من ذلك، و في ما يلي بعض تصرفات المتوكل و المحيطين به مع الامام:

1 - عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي، قال: سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت علي سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أباعثمان، قد صرت من أصحابك، و كان سعيد يتشيع. فقال: هيهات، قلت: بلي و الله. فقال: و كيف ذلك؟

قلت: بعثني المتوكل و أمرني أن أكبس علي علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك، فوجدته يصلي، فبقيت قائما حتي فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل علي و قال:

«يا سعيد لا يكف عني جعفر - أي المتوكل الملعون - حتي يقطع اربا اربا! اذهب و اعزب» و أشار بيده الشريفة، فخرجت مرعوبا، و دخلني من هيبته ما لا احسن أن أصفه، فلما رجعت الي المتوكل سمعت الصيحة و الواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا و قلت به. [1] .



[ صفحه 322]



2 - عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الي المتوكل يلعب لعب الحقة [2] و لم ير مثله، و كان المتوكل لعابا، فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا عليه السلام فقال لذلك الرجل: ان أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف، و اجعلها علي المائدة، و أقعدني الي جنبه، فقعدوا و أحضر علي بن محمد عليهماالسلام للطعام، و جعل له مسورة [3] عن يساره، و كان عليها صورة أسد، و جلس اللاعب الي جنب المسورة، فمد علي بن محمد عليه السلام يده الي رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء، و مد يده الي اخري، فطيرها ذلك الرجل، و مد يده الي اخري فطيرها، فتضاحك الجميع.

فضرب علي بن محمد عليهماالسلام يده المباركة الشريفة علي تلك الصورة التي في المسورة و قال: «خذيه». فابتلعت الرجل، و عادت كما كانت الي المسورة، فتحير الجميع، و نهض أبوالحسن علي بن محمد عليهماالسلام فقال له المتوكل: سألتك الا جلست ورددته. فقال: «و الله لا تراه بعدها، تسلط أعداء الله علي أولياء الله؟!». و خرج من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك. [4] .

3 - و في اثبات الوصية: روي أنه عليه السلام دخل دار المتوكل، فقام يصلي، فأتاه



[ صفحه 323]



بعض المخالفين فوقف حياله، فقال له: الي كم هذا الرياء؟! فأسرع الصلاة و سلم، ثم التفت اليه و قال: ان كنت كاذبا مسخك الله، فوقع الرجل ميتا فصار حديثا في الدار. [5] .

4 - عن أبي يعقوب، قال: ألح عليه - أي علي الامام الهادي عليه السلام - أحمد بن الخصيب في الدار التي كان قد نزلها، و طالبه بالانتقال منها و تسليمها اليه، فبعث اليه أبوالحسن عليه السلام: لأقعدن لك من الله مقعدا لا يبقي لك معه باقية. فأخذه الله في تلك الأيام. [6] .

5 - عن أبي الطيب يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا [7] ، و جهدت أن يشرب معي و أن ينادمني فامتنع، و جهدت أن أجد فرصة في هذا المعني فلم أجدها [8] ، الحديث.

6 - و روي الشيخ الطوسي بالاسناد عن مسلمة الكاتب، قال: كان المتوكل يركب الي الجامع و معه عدد ممن يصلح للخطابة، و كان فيهم رجل من ولد العباس



[ صفحه 324]



ابن محمد يلقب بهريسة، و كان المتوكل يحقره، فتقدم اليه أن يخطب يوما، فخطب فأحسن، فتقدم المتوكل يصلي، فسابقه من قبل أن ينزل من المنبر، فجاء فجذب منطقته [9] من ورائه و قال: يا أميرالمؤمنين، من خطب يصلي، فقال المتوكل: أردنا أن نخجله فأخجلنا.

قال: و كان أحد الأشرار، فقال يوما للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا يبقي في الدار ال من يخدمه، و لا يتبعونه بشيل ستر، و لا فتح باب، و لا شي ء، و هذا اذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا، دعه اذا دخل يشيل لنفسه و يمشي كما يمشي غيره، فتمسه بعض الجفوة: فتقدم أن لا يخدم، و لا يشال بين يديه ستر، و كان المتوكل ما رئي أحد ممن يهتم بالخبر مثله.

قال: فكتب صاحب الخبر اليه: ان علي بن محمد دخل الدار، فلم يخدم، و لم يشل أحد بين يديه سترا، فهب هواء رفع الستر له، فدخل. فقال: اعرفوا خبر خروجه. فذكر صاحب الخبر هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتي خرج، فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر، شيلوا الستر بين يديه. [10] .

7 - و كان المتوكل يشهر بالامام و يشدد في مراقبته، فقد روي الشيخ الطوسي بالاسناد عن المنصوري، عن عم أبيه أبي موسي، قال: دخلت يوما علي المتوكل و هو يشرب، فدعاني الي الشرب، فقلت: يا سيدي، ما شربته قط، قال:



[ صفحه 325]



أنت تشرب مع علي بن محمد. قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك، انما يضرك و لا يضره، قال: فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل - يعني المتوكل - خبر مال يجي ء من قم، و قد أمرني أرصده لاخبره له... الحديث. [11] .

8 - و من محاولات المتوكل لاهانة الامام عليه السلام لاشباع روح الحقد و الحسد و الأنانية التي ملأت نفسه، هو أنه أمر بأن يترجل الامام عليه السلام و يمشي بين يديه يوم الفطر من السنة التي قتل فيها 247 ه، و مشي الامام عليه السلام مع بني عمه حتي تفصد وجهه عرقا و كان الجو صيفا، و الامام عليه السلام لا يستطيع السير الا متكأ لمرض ألم به، فما كان من الامام عليه السلام الا أن يرمي المتوكل بسهام السحر، أعني الدعاء، و هو الدعاء المشهور بالدعاء علي الظالم - و سيأتي بيانه - فكان قتل المتوكل بعد ثلاثة أيام.

روي المسعودي في اثبات الوصية: انه لما كان في يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل، أمر بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل له أبوالحسن عليه السلام، فترجل بنوهاشم، و ترجل عليه السلام، فاتكأ علي رجل من مواليه، فأقبل عليه الهاشميون فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله!

فقال لهم أبوالحسن عليه السلام: ما في هذا العالم من قلامة ظفر أكرم علي الله من ناقة ثمود، لما عقرت ضج الفصيل الي الله، فقال الله: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام



[ صفحه 326]



ذلك وعد غير مكذوب) [12] ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. [13] .

9 - و روي القطب الراوندي بالاسناد عن أبي القاسم البغدادي، عن زرافة، قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليه السلام يوم السلام، فقال له، وزيره: ان في هذا شناعة عليك و سوء مقالة فلا تفعل. قال، لا بد من هذا.

قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم، حتي لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره. ففعل و مشي عليه السلام و كان الصيف، فوافي الدهليز و قد عرق. قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز، و مسحت وجهه بمنديل، و قلت: ان ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك.

فقال: ايها عنك (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب).

قال زرافة: و كان عندي معلم يتشيع، و كنت كثيرا امازحه بالرافضي، فانصرفت الي منزلي وقت العشاء، و قلت: تعال يا رافضي حتي احدثك بشي ء سمعته اليوم من امامكم. قال: و ما سمعت؟ فأخبرته بما قال. فقال: يا حاجب، أنت سمعت هذا من علي بن محمد عليه السلام؟ قلت: نعم. قال: فحقك علي واجب بحق خدمتي لك، فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها.

قال: ان كان علي بن محمد قد قال ما قلت فاحترز، و اخزن كل ما تملكه، فان المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام. فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فان كان



[ صفحه 327]



من هذا شي ء كنت قد أخذت بالحزم، و ان لم يكن لم يضرني ذلك.

قال: فركبت الي دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري الي عند أقوام أثق بهم، و لم أترك في داري الا حصيرا أقعد عليه.

فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، و سلمت أنا و مالي، فتشيعت عند ذلك و صرت اليه، و لزمت خدمته، و سألته أن يدعو لي و توليته حق الولاية. [14] .


پاورقي

[1] الثاقب في المناقب: 539.

[2] الحقة: الوعاء من خشب، و كان المشعبذون يلعبون بها، كان يجعلون فيها شيئا بعيان الناس، ثم يفتحونها و ليس فيها شي ء، و ذلك بالشعبذة و التمويه.

[3] المسورة: متكأ من جلد.

[4] الثاقب في المناقب: 555، كشف الغمة 183: 3، بحارالأنوار 30 / 146: 50.

[5] اثبات الوصية: 230، الأنوار البهية: 240.

[6] الكافي 419: 1، الارشاد 306: 2، اعلام الوري: 359، الخرائج و الجرائح 11 / 681: 2، بحارالأنوار 23 / 139: 50.

[7] المراد أبوالحسن الثالث عليه السلام، و يطلق أيضا علي أبي جعفر الجواد و أبي محمد العسكري عليهم السلام.

[8] الارشاد 307: 2، اعلام الوري: 362، و قد ذكرنا الحديث كاملا في المعاجز.

[9] المنطقة: ما يشد به البطن كالحزام.

[10] بحارالأنوار 6 / 128: 50، و رواه في المناقب 406: 4 ملخصا.

[11] المناقب 413: 4 و 417، بحارالأنوار 2 / 124: 50.

[12] هود: 65.

[13] اثبات الوصية: 203.

[14] الخرائج و الجرائح 8 / 402: 1، بحارالأنوار 32 / 147: 50.