بازگشت

تفتيش دار الامام


لقد كانت العصابة المحيطة بالمتوكل تدين بالنصب لأهل البيت عليهم السلام أمثال علي بن الجهم و محمد بن داود الهاشمي و أبي السمط و البطحاني و غيرهم ممن نذروا أنفسهم لخدمة أغراض السلطان و باعوا أنفسهم للشيطان، هؤلاء كانوا يحاولون بين الحين و الآخر أن يوغروا صدر المتوكل الملي ء بالحقد علي الامام عليه السلام مصورين له خطره علي عرشه، و في كل مرة يأمر المتوكل بمهاجمة دار الامام عليه السلام، فيواجههم الفشل الذريع، لأنهم يجدونه عليه السلام تاليا للقرآن أو مقيما للصلاة.

1 - عن ابراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج [1] خرج به، فأشرف منه علي الموت، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت امه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من مالها.

و قال له الفتح بن خاقان: لو بعثت الي هذا الرجل - يعني أباالحسن عليه السلام -



[ صفحه 328]



فسألته، فانه ربما كان عنده صفة شي ء يفرج الله به عنك؟ فقال: ابعثوا اليه. فمضي الرسول و رجع فقال: خذوا كسب [2] الغنم، فديفوه بماء الورد، وضعوه علي الخراج، فانه نافع باذن الله. فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: و ما يضر من تجربة ما قال؟ فوالله اني لأرجو الصلاح به، فاحضر الكسب، وديف بماء الورد، و وضع علي الخراج، فانفتح و خرج ما كان فيه. فبشرت ام المتوكل بعافيته، فحملت الي أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها، و استقل المتوكل من علته.

فلما كان بعد أيام سعي البطحاني بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و قال: عنده سلاح و أموال، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه، و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمله اليه.

قال ابراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار أبي الحسن عليه السلام بالليل، و معي سلم، فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل الي الدار، فناداني أبوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد، مكانك حتي يأتوك بشمعة. فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادته علي حصير بين يديه و هو مقبل علي القبلة. فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا، و وجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل و كيسا مختوما معها، فقال لي أبوالحسن عليه السلام: دونك المصلي، فرفعته، فوجدت سيفا في جفن ملبوس.

فأخذت ذلك و صرت اليه، فلما نظر الي خاتم امه علي البدرة بعث اليها



[ صفحه 329]



فخرجت اليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت: كنت نذرت في علتك ان عوفيت أن أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها اليه، و هذا خاتمي علي الكيس ما حركه، و فتح الكيس الآخر، فاذا فيه أربعمائة دينار، فامر أن يضم الي البدرة بدرة اخري، و قال لي: احمل ذلك الي أبي الحسن، واردد عليه السيف و الكيس بما فيه.

فحملت اليه واستحييت منه، فقلت له: يا سيدي، عز علي بدخول دارك بغير اذنك ولكني مأمور، فقال لي: (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). [3] .

فعلي الرغم من أن الامام يصف الدواء للمتوكل، لكن الطاغية أبت نفسه المريضة الا أن تقابل الاحسان بالاساءة، فأخذ بوشاية البطحاني و فتش دار الامام عليه السلام و هو يعلم علم اليقين بخلو بيته عليه السلام من أي أموال أو سلاح، بل من كل متاع الدنيا و زخرفها، لكنه الحقد و البغض و العداء السافر لأهل بيت الرسول صلي الله عليه و آله الذي اشتمل علي كيانه و أحاط بجوانبه.

2 - نقل سبط ابن الجوزي عن المسعودي في كتاب (مروج الذهب) قال: نمي الي المتوكل بعلي بن محمد عليه السلام أن في منزله كتبا و سلاحا من شيعته من أهل قم، و أنه عازم علي الوثوب بالدولة، فبعث اليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا،



[ صفحه 330]



فلم يجدوا فيها شيئا، و وجدوه في بيت مغلق عليه، و عليه مدرعة من صوف، و هو جالس علي الرمل و الحصي، و هو متوجه الي الله تعالي يتلو آيا من القرآن. و علي هذه الحال حمل الي المتوكل العباسي، و ادخل عليه، و كان المتوكل في مجلس شراب، و بيده كأس الخمر، فناول الامام الهادي عليه السلام، فرد الامام عليه السلام: و الله ما خامر لحمي و لا دمي قط فاعفني، فأعفاه. فقال له: أنشدني شعرا، فقال الامام عليه السلام: أنا قليل الرواية للشعر. فقال: لا بد. فأنشده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



و استنزلوا بعد عز من معاقلهم

و اسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد دفنهم

أين الأساور و التيجان و الحلل



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و قد شربوا

فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد اكلوا



و طالما عمروا دورا لتسكنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

ففرقوها علي الأعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا معطلة

و ساكنوها الي الاجداث قد نزلوا



فبكي المتوكل حتي بلت لحيته دموعه، و بكي الحاضرون. [4] .

فعندما لم ير المتوكل مجالا لتنفيذ رغبات السعاة و الوشاة و رغبات نفسه المريضة، أراد أن يهين الامام عليه السلام بحضور ندمائه السكاري، فناوله كأسا كان



[ صفحه 331]



قد أعدها لنفسه، و هو يعلم أن الامام عليه السلام يري أن شارب الخمر كعابد وثن، و بعد أن يئس منه حاول ثانية أن يهينه بطريقة اخري، فطلب منه شعرا في وصف الخمر و الجواري ليتلذذ بسماعه، و لم يكن يتوقع أن الامام عليه السلام يجرؤ علي أن يصفعه بتلك العظات الخالدة، و التي تصور ما سيكون من أمره و أمر غيره من الجبابرة و الطغاة عبيد الأهواء و الشهوات، فكانت أشد من الصاعقة علي المتوكل.



و كم أساء المتوكل الأدب

أحضره عند الشراب و الطرب



و هو من السنة و الكتاب

منزلة اللب من اللباب



أهذه القبائح الشنيعة

بمحضر من صاحب الشريعة



أيطلب الشرب من الامام

و هو ولي عصمة الأحكام



أيطلب الغناء بالأشعار

من معدن الحكمة و الأنوار؟! [5] .




پاورقي

[1] الخراج: ما يخرج في البدن من القروح.

[2] الكسب: عصارة الدهن.

[3] الارشاد 302: 2، الكافي 4 / 417: 1، اعلام الوري: 361، دعوات الراوندي: 555 / 202، الخرائج و الجرائح 8 / 676: 1، بحارالأنوار 10 / 198: 50، الفصول المهمة: 277، مناقب ابن شهرآشوب 415: 4، الدعوات: 555 / 204، و الآية من سورة الشعراء: 227.

[4] تذكرة الخواص: 361، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون: 107، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 179: 4 عن تأريخ المسعودي، البداية و النهاية 15: 11، و فيات الأعيان 272: 3.

[5] الأنوار القدسية: 100.