بازگشت

دعاء الامام علي المتوكل


و عندما تمادي المتوكل في ايذاء الامام عليه السلام و التنكيل بشيعته، و بلغ الظلم و التعسف أقصاه، توجه الامام أبوالحسن عليه السلام الي الله تعالي، منقطعا اليه، متضرعا، داعيا بالدعاء التالي، و هو الدعاء المعروف بدعاء المظلوم علي الظالم، و يعتبر من الكنوز المشرقة في تراث أهل بيت العصمة سلام الله عليهم، فهو يكشف عن شدة العنت الذي يقاسيه الامام عليه السلام و احساسه العميق بما تعانيه الامة من الحيرة و الضياع و الحدود المعطلة و الأحكام المهملة فضلا عن الجوع و تردي الأحوال، فاليك الدعاء بألفظاه الجزلة و معانيه الفائقة:

روي السيد ابن طاووس بالاسناد عن أبي الحسن محمد بن محمد بن المحسن ابن يحيي بن الرضا، قال: حدثني أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن



[ صفحه 340]



ابراهيم بن صدقة يوم السبت لثلاث بقين من صفر سنة اثنين و ستين و ثلاثمائة بمشهد مقابر قريش، علي ساكنه السلام، من حفظه، قال: أخبرنا سلامة من محمد الأزدي، قال: حدثني أبوجعفر بن عبدالله العقيلي، و حدثني أبوالحسن محمد بن بريك الرهاوي، قال: أخبرنا أبوالقاسم عبدالواحد الموصلي اجازة، قال: حدثني أبومحمد جعفر بن عقيل بن عبدالله بن عقيل بن محمد بن عبدالله بن عقيل بن أبي طالب، قال: حدثني أبوروح النسائي، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام، أنه دعا علي المتوكل، فقال بعد أن حمد الله و أثني عليه: «اللهم اني و فلانا عبدان عن عبيدك» الي آخر الدعاء الذي يأتي ذكره.

قال: و وجدت هذا الدعاء مذكورا بطريق آخر هذا لفظه: ذكر باسناده عن زرافة حاجب المتوكل و كان شيعيا، أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده، و قربه من دون الناس جميعا، و دون ولده و أهله، أراد أن يبين موضعه عندهم.

فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله و غيرهم، و الوزراء و الامراء و القواد و سائر العساكر، و وجوه الناس، أن يزينوا بأحسن التزيين، و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم، و يخرجوا مشاة بين يديه، و أن لا يركب أحد الا هو و الفتح بن خاقان خاصة بسر من رأي، و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة، و كان يوما قائظا شديد الحر، و أخرجوا في جملة الأشراف أباالحسن علي ابن محمد عليهماالسلام و شق ما لقيه من الحر و الزحمة.

قال زرافة: فأقبلت اليه و قلت له: يا سيدي، يعز و الله علي ما تلقي من هذه الطغاة، و ما قد تكلفته من المشقة، و أخذت بيده فتوكأ علي، و قال: يا زرافة، ما ناقة صالح عندالله بأكرم مني - أو قال: بأعظم قدرا مني - و لم أزل اسائله



[ صفحه 341]



و أستفيد منه، و احادثه الي أن نزل المتوكل من الركوب، و أمر الناس بالانصراف.

فقدمت اليهم دوابهم فركبوا الي منازلهم، و قدمت بغلة له فركبها، و ركبت معه الي داره، فنزل و ودعته و انصرفت الي داري.

و لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم و الفضل، و كانت لي عادة باحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك و تجارينا الحديث، و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح، و مشي الأشراف و ذوي الأقدار بين أيديهما، و ذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام و ما سمعته من قوله: «ما ناقة صالح عندالله بأعظم قدرا مني».

و كان المؤدب يأكل معي، فرفع يده و قال: بالله انك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: و الله اني سمعته يقوله، فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيام و يهلك، فانظر في أمرك، و احرز ما تريد احرازه، و تأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثه تحدث أو سبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح و الناقة و قوله تعالي: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) [1] و لا يجوز أن تبطل قول الامام.

قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتي هجم المنتصر و معه بغا و وصيف و الأتراك علي المتوكل فقتلوه و قطعوه و الفتح بن خاقان جميعا قطعا، حتي لم يعرف أحدهما من الآخر، و أزال الله نعمته و مملكته، فلقيت الامام أباالحسن عليه السلام بعد ذلك، و عرفته ما جري مع المؤدب، و ما قاله، فقال: صدق، انه لما بلغ مني الجهد



[ صفحه 342]



رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا، و هي أعز من الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله.

فقلت: يا سيدي ان رأيت أن تعلمنيه؟ فعلمنيه، و هو:

«اللهم اني و فلانا عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا و مستودعنا، و تعلم منقلبنا و مثوانا، و سرنا و علانيتنا، و تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، و لا ينطوي عليك شي ء من امورنا، و لا يستتر دونك حال من أحوالنا، و لا لنا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا مهرب يفوتك منا.

و لا يمتنع الظالم منك بسلطانه، و لا يجاهدك عنه جنوده، و لا يغالبك مغالب بمنعة، و لا يعازك متعزز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، و قادر عليه أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، و توكل المقهور منا عليك، و رجوعه اليك، و يستغيث بك اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا نفته الأفنية، و يطرق بابك اذا غلقت دونه الأبواب المرتجة، و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل أن يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعا بصيرا لطيفا قديرا.

اللهم انه قد كان في سابق علمك و قضائك، و ماضي حكمك و نافذ مشيتك في خلقك أجمعين، سعيدهم و شقيهم، و فاجرهم و برهم، أن جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها، و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه الذي خولته اياه، و تجبر علي بعلو حاله التي جعلتها له، و غره املاؤك له، و أطغاه حلمك عنه.

فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تعمدني بشر ضعفت عن احتماله، و لم أقدر علي الانتصار لضعفي، و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في



[ صفحه 343]



أمره عليك، و تواعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن اخري، و لا انزجر عن ثانية باولي، ولكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه، جراءة عليك يا سيدي، و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن القوم الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها أنا ذا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعقابه، مغلوب مبغي علي مقصود و جل خائف مروع مقهور، قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي اموري في رفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و أسلمني من تعلقت به من خلقك طرا، و استشرت نصيحتي، فأشار علي بالرغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك.

فرجعت اليك يا مولاي صاغرا راغما، مستكينا، عالما أنه لا فرج لي الا عندك، و لا خلاص لي الا بك، أنتجز وعدك في نصرتي، و اجابه دعائي، فانك قلت و قولك الحق الذي لا يرد و لا يبدل: (و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) [2] ، و قلت جل جلالك و تقدمت أسماؤك: (ادعوني استجب لكم) [3] ، و أنا فاعل ما أمرتني، فاستجب لي كما وعدتني.

و اني لأعلم يا سيدي أن لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و أتيقن أن



[ صفحه 344]



لك وقتا تأخذ فيه من الغاضب للمغضوب، لأنك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ، و لا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي و هلعي لا يبلغان بي الصبر علي أناتك، و انتظار حلمك، فقدر تك يا مولاي فوق كل قدرة، و سلطانك غالب كل سلطان، و معاد كل أحد اليك و ان أمهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان أنظرته، و قد أضرني يا رب حلمك عن فلان بن فلان، و طول أناتك له و امهالك اياه، و كاد القنوط يستولي علي لولا الثقة بك، و اليقين بوعدك.

فان كان في قضائك النافذ، و قدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي أو يكف مكروهه عني، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل علي محمد و آل محمد، و أوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل ازالته نعمتك التي أنعمت بها علي، و تكديره معروفك الذي صنعته عندي.

و ان كان في علمك به غير ذلك، من مقام علي ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه اجابة دعوتي، فصل علي محمد و آل محمد، و خذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، و افجئه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، و اسلبه نعمته و سلطانه، و فل عنه جنوده و أعوانه، و مزق ملكه كل ممزق، و فرق أنصاره كل مفرق، و أعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، و انزع عنه سربال عزه الذي لم يجازه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة، و أهلكه يا مهلك القرون الخالية، و أبره يا مبير الامم الظالمة، و اخذله يا خاذل الفئات الباغية، و ابتره عمره، و ابتزه ملكه، و عف أثره، و اقطع خبره، و أطفي ء ناره، و أطلم نهاره، و كور شمسه، و اهشم شدته، و جذ سنامه، و أرغم أنفه، و لا تدع له جنة الا هتكتها، و لا دعامة الا قصمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها، و لا ركنا الا وهنته، و لا سببا الا قطعته.



[ صفحه 345]



و أره أنصاره و جنده عباديد بعد الالفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الامة، و اشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة و الأفئدة اللهفة، و الامة المتحيرة، و البرية الضائعة، و أدل ببواره الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و السنن الدائرة، و المعالم المغيرة، و الآيات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المساجد المهدومة.

و أشبع به الخماص الساغبة، و ارو به اللهوات اللاغبة، و الأكباد الظامئة، و أرح به الأقدام المتعبة، و اطرقه بليلة لا اخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثرة لا اقالة منها، و أبح حريمه، و نغص نعمته، و أره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق كل قدرة، و سلطانك الذي هو أعز من سلطانه، و اغلبه لي بقوتك القوية، و محالك الشديد، و امنعني بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، و ابتله بفقر لا تجبره، و بسوء لا تستره، و كله الي نفسه في ما يريد، أنك فعال لما تريد.

و أبرئه من حولك و قوتك، و أحوجه الي حوله و قوته، و أذل مكره بمكرك، و ادفع مشيته بمشيتك، و اسقم جسده، و أيتم ولده، و انقص أجله، و خيب أمله، و أدل دولته، و أطل عولته، و اجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه، و صير كيده في ضلال، و أمره الي زوال، و نعمته الي انتقال، و جده في سفال، و سلطانه في اضمحلال، و عاقبة أمره الي شر حال، و أمته بغيظه اذا أمته، و أبقه لحزنه ان أبقيته، وقني شره و همزه و لمزه، و سطوته و عداوته، و المحه لمحة تدمر بها عليه، فانك أشد بأسا و أشد تنكيلا، و الحمد لله رب العالمين. [4] .



[ صفحه 346]



انظر الي عمق الدعاء و فصاحته و جزالته المعبر عما يعانيه الامام الهادي عليه السلام و شيعته و مواليه من استبداد المتوكل و طغيانه و استهتاره.


پاورقي

[1] هود: 65.

[2] الحج: 60.

[3] غافر: 60.

[4] بحارالأنوار 240 - 230 / 234: 95 عن مهج الدعوات: 337 - 330.