بازگشت

شهادة الامام الهادي


و انتهت قصة الصراع المرير بين امامنا الهادي عليه السلام و رموز السلطة العباسية بدس السم اليه من قبل المعتز [1] ، و صلي عليه ابنه الامام بعده أبومحمد الحسن العسكري عليه السلام [2] ، و ذلك في يوم الاثنين المصادف الثالث من رجب سنة 254 ه، و اكتظ الناس في موكب توديع و تشييع الامام عليه السلام، و خرج الامام أبومحمد الحسن العسكري في جنازته مشقوق القميص [3] ، و كان أبوأحمد بن هارون الرشيد،



[ صفحه 366]



المبعوث من قبل المعتز العباسي للصلاة علي جثمان الامام عليه السلام لما رأي اجتماع الناس و ضجتهم أمر برد النعش الي دار الامام عليه السلام فدفن هناك [4] ، و كان المعتز قد أرسل مبعوثه للتغطية علي جريمته النكراء، كما هو ديدن أسلافه العباسيين مع الأئمة الهداة من عترة المصطفي عليهم السلام.

قال الشاعر:



ثم نال المعتز ما شاء منه

اذ سقاه السم النقيع جهارا



فاستشاطت له البلاد و صارت

صيحة طبقت بها الأقطارا [5] .



و قيل في يوم وفاته: انه يوم الاثنين الخامس و العشرون من جمادي الآخرة سنة 254 ه [6] ، و التأريخ الأول أشهر و عليه عامة أعلام الطائفة محدثيهم و مؤرخيهم. [7] .

و روي عن ابن بابويه أنه عليه السلام مات مسموما، و أن الذي سمه هو المعتمد العباسي [8] ، و اذا صح ذلك فانه لا بد أن يكون قد سمه المعتز، كما نقله الشيخ ابراهيم الكفعمي، ذلك لأنه استشهد في عهده سنة 254 ه، و بويع المعتمد العباسي بالخلافة سنة 256 ه في النصف من رجب بعد قتل المهتدي بن محمد بن هارون الواثق.



[ صفحه 367]



أقول:

لقد صرح كثير من المحدثين و المؤرخين بأن الامام عليه السلام قد مات مسموما، منهم: الشبلنجي و ابن الصباغ المالكي و الشيخ أبوجعفر الطبري الامامي و الشيخ ابراهيم الكفعمي و غيرهم [9] ، و بعض هؤلاء اكتفي بنقل القول في ذلك، و مما لا شك فيه أن الامام عليه السلام قد استشهد في زمان المعتز، و هو المعروف عند المؤرخين بأنه كان شابا نزقا سفاكا للدماء، لم يتحرج عن القتل.

ففي أول جلوسه علي سرير الحكم بعث الي أخويه المؤيد و أبي أحمد ابني المتوكل، فأخذهما و حبسهما، و قيد المؤيد و ضربه أربعين مقرعة، و خلعه من ولاية العهد، و أخذ خطه بخلع نفسه، ثم قتله في السجن، و جعل أخاه أباأحمد في محبسه، و خشي أن يتحدث عنه الناس أنه قتل أخاه أو احتال عليه، فأحضر القضاة حتي شاهدوه و ليس به أثر. [10] .

و أبعد ابن عمه المهتدي الي بغداد خوفا من أن ينصبه الأتراك خليفة من بعده [11] ، و هو الأمر الذي حدث فعلا.

و كتب أمانا لابن عمه المستعين بعد أن خلع الأخير نفسه عن الخلافة و بايع للمعتز، و سكن واسط، لكنه بعث اليه سعيد بن صالح، فأدخله سعيد منزله و ضربه حتي مات، و قيل: جعل في رجله حجرا، و ألقاه في دجلة و و حمل رأسه الي المعتز



[ صفحه 368]



و هو يلعب بالشطرنج، فقيل له: هذا رأس المخلوع. فقال: ضعوه حتي أفرغ من الدست. فلما نظر اليه و أمر بدفنه، أعطي سعيد خمسين ألف درهم و ولاه معونة البصرة. [12] .

فهذا فعله مع اخوته و أبناء عمه، أما مع الطالبيين فان أفعاله أشد قسوة و أكثر مرارة، و هي تتوزع بين الابعاد و التشريد و الحبس و القتل، و في ما يلي نقدم صورا من ذلك.

فقد روي المؤرخون أنه حمل جماعة من الطالبيين من المدينة الي سامراء ظلما و عدوانا أن يبدو منهم شي ء من المعارضة أو المخالفة، منهم أبوأحمد محمد ابن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثني، و أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري. [13] .

و قال أبوالفرج الأصفهاني: و في أيام المعتز قتل عبدالرحمن خليفة أبي الساج أحمد بن عبدالله بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي.

و توفي في الحبس عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، و امه فاطمة بنت سليمان، كان أبوالساج حمله، فحبس بالكوفة، فمات هناك.

و قتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن



[ صفحه 369]



الحسين عليه السلام و بين عبدالله بن عزيز، عامل محمد بن طاهر بالري.

و قتل ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن عبيدالله بن الحسن بن عبدالله بن العباس بن علي، و امه ام ولد، قتله طاهر بن عبدالله في وقعة كانت بينه و بين الكوكبي بقزوين.

و حبس أحمد بن محمد بن يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام في دار مروان، حبسه الحارث بن أسد عامل أبي الساج في المدينة، فمات في محبسه. [14] .

أخيرا ان مثل هذا الرجل لا يبعد منه أن يقتل الامام الهادي عليه السلام و يقترف مثل هذه الجريمة النكراء، سيما و هو يري التفاف الناس علي الامام عليه السلام و حبهم له، و تفوقه علي جميع بني العباس في العلم و مكارم الأخلاق و الصفات الحميدة، و لا يبعد أن يكون هو الذي دس اليه السم كما صرخ بذلك الشيخ الكفعمي، أو أن يكون المعتمد العباسي هو الذي دس اليه السم بايعاز من المعتز، و بذلك نكون قد جمعنا بين الروايتين الواردتين في قتله عليه السلام.



بنفسي مسجونا غريبا مشاهدا

ضريحا له شقته أيدي الغواشم



بنفسي موتورا عن الوتر مغضيا

يسالم أعداء له لم تسالم



بنفسي مسموما قضي و هو نازح

عن الأهل و الأوطان جم المهاضم [15] .


پاورقي

[1] بحارالأنوار 117: 50، عن مصباح الكفعمي.

[2] الارشاد 315: 2، الكافي 3 / 262: 1، اعلام الوري: 368، المناقب 422: 4.

[3] الأنوار البهية: 247.

[4] تأريخ اليعقوبي 240: 3.

[5] الذخائر: 64.

[6] الفصول المهمة: 279، كشف الغمة 165: 3 و 174.

[7] راجع الكافي 416: 1، دلائل الامامة: 409، تاج المواليد: 132، المناقب 401: 4.

[8] نقل ذلك عنه ابن شهرآشوب في المناقب 401: 4.

[9] راجع نورالأبصار: 83، الفصول المهمة: 279، دلائل الامامة: 409، بحارالأنوار 117: 50.

[10] تأريخ الخلفاء للسيوطي: 287، الكامل في التأريخ 172: 7.

[11] تأريخ الخلفاء للسيوطي: 288.

[12] الكامل في التأريخ 173 - 172: 7.

[13] راجع الكامل في التأريخ 175: 7.

[14] مقاتل الطالبيين: 434 - 433.

[15] المجالس السنية 656: 5.