بازگشت

في ذكر طرف من دلائل أبي الحسن الهادي و أخباره و براهينه و بيناته


روي الطبرسي عن ابن عياش بسنده عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مربها بغاء [1] أيام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبوالحسن عليه السلام: اخرجوا بنا حتي ننظر الي تعبئة هذا التركي، فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئته، فمر بنا تركي فكلمه أبوالحسن عليه السلام بالتركية، فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته، قال: فحلفت التركي و قلت له: ما قال لك الرجل؟ قال: هذا نبي؟ قلت: ليس هذا بنبي، قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه أحد الي الساعة [2] .

و عنه أيضا عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام فكلمني بالهندية، فلم احسن أن أرد عليه، و كان بين يديه ركوة ملي ء حصا، فتناول حصاة واحدة و وضعها في فيه فمصها مليا، ثم رمي بها الي فوضعتها في فمي،



[ صفحه 275]



فوالله ما برحت من عنده حتي تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا أولها الهندية [3] .

و روي الشيخ عن كافور الخادم، قال: قال لي الامام علي بن محمد عليهماالسلام: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة، و انفذني في حاجة، و قال: اذا عدت فافعل ذلك ليكون معدا اذا تأهبت للصلاة، و استلقي عليه السلام لينام، و نسيت ما قال لي، و كانت ليلة باردة فأحسست به وقد قام الي الصلاة، و ذكرت أنني لم أترك السطل.

فبعدت عن الموضع خوفا من لومه، و تأملت [4] له حيث يشقي [5] بطلب الاناء فناداني نداء مغضب، فقلت: انا لله أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا، و لم أجد بدا من اجابته.

فجئت مرعوبا، فقال [لي] [6] : يا ويلك أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر الا بماء بارد، فسخنت لي ماء و تركته في السطل، قلت: و الله يا سيدي ما تركت السطل و لا الماء، قال: الحمدلله و الله لا تركنا رخصة و لا رددنا منحة، الحمدلله الذي جعلنا من أهل طاعته، و وفقنا للعون علي عبادته، ان النبي صلي الله عليه وآله و سلم يقول: «ان الله يغضب علي من لا يقبل رخصة» [7] .

الشيخ الصدوق عن أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت الي أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام فاذن لي، فلما جلست قال: يا أباهاشم أي نعم الله عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبوهاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له.

فابتدأ عليه السلام، فقال: رزقك الايمان فحرم به بدنك علي النار، و رزقك العافية



[ صفحه 276]



فاعانتك علي الطاعة، و رزقك القنوع فصانك عن التبذل، يا أباهاشم انما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو الي من فعل بك هذا، و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها [8] .

الطبرسي عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي، قال: كنت مع أبي علي باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الي عباسي و جعفري، و نحن وقوف اذ جاء أبوالحسن عليه السلام ترجل الناس كلهم حتي دخل.

فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا و لا بأسننا، و الله لا ترجلنا له، فقال أبوهاشم الجعفري: و الله لتترجلن له صغرة اذا رأيتموه، فما هو الا أن أقبل، و بصروا به حتي ترجل له الناس كلهم.

فقال لهم أبوهاشم [الجعفري]: [9] أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا له: و الله ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا [10] .

و روي أن أباهاشم شكا الي مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام ما يلقي من الشوق اليه اذا انحدر من عنده الي بغداد، و قال له: يا سيدي ادع الله لي [فربما لم أستطع ركوب الماء فسرت اليك علي الظهر] فما لي مركوب سوي برذوني [11] هذا علي ضعفه، فقال: قواك الله يا أباهاشم و قوي برذونك.

قال: فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد، و يسير علي البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سر من رأي، و يعود من يومه الي بغداد اذا شاء علي ذلك البرذون بعينه، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت [12] .

أقول: أبوهاشم الجعفري هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر



[ صفحه 277]



ابن أبي طالب عليه السلام البغدادي، الثقة الجليل الذي أدرك الرضا و الجواد و الهادي و العسكري و صاحب الأمر عليهم السلام.

و قد أشرنا اليه عند ولادة الصادق عليه السلام، و كان عظيم المنزلة عندهم عليهم السلام، و قد روي عنهم كلهم، و له أخبار و مسائل، و له شعر جيد فيهم، و من شعره في أبي الحسن الهادي عليه السلام و قد اعتل عليه السلام:



مادت الأرض بي وادت فؤادي

و اعترتني موارد العرواء



حين قيل الامام نضو عليل

قلت نفسي فدته كل الفداء



مرض الدين لاعتلالك واعتل

و غارت له نجوم السماء



عجبا أن منيت بالداء و السقم

و أنت الامام حسم الداء



أنت آسي الادواء في الدين

و الدنيا و محيي الأموات و الاحياء [13] .



القطب الراوندي عن جماعة من أهل اصفهان، قالوا: كان باصفهان رجل يقال له عبدالرحمن و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك به القول بامامة علي النقي عليه السلام دون غيره من أهل الزمان؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك علي و هو أني كنت رجلا فقيرا، و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين [فخرجت] [14] مع قوم آخرين الي باب المتوكل متظلمين، فكنا بباب المتوكل يوما اذ خرج الأمر باحضار علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر باحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بامامته، ثم قال [15] : و يقدر أن المتوكل يحضره للقتل: فقلت: لا أبرح من هاهنا حتي أنظر الي هذا الرجل، اي رجل هو؟

قال: فأقبل راكبا علي فرس، و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفين ينظرون اليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله



[ صفحه 278]



عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر الي عرف [16] دابته لا ينظر يمنة و لا يسرة، و أنا اكرر في نفسي [17] الدعاء له، فلما صار بازائي أقبل بوجهه الي [18] ، و قال: قد استجاب الله دعاءك، و طول عمرك، و كثر مالك و ولدك.

قال: فارتعدت من هيبته و وقعت بين أصحابي، فسألوني و هم يقولون: ما شأنك؟ فقلت: خيرا، و لم اخبر بذلك مخلوقا [19] .

فانصرفنا بعد ذلك الي اصفهان، ففتح الله علي بدعائه وجوها من المال حتي أنا اليوم أغلق بابي علي ما قيمته ألف ألف درهم سوي مالي خارج داري، ورزقت عشرة منم الأولاد، و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة، و أنا أقول بامامة الرجل علي الذي علم ما في قلبي [20] و استجاب الله دعاءه في أمري [21] .

و روي عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنه قال: كان بديار ربيعة كاتب نصراني و كان من أهل كفر توثا [22] يسمي يوسف بن يعقوب، و كان بينه و بين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي، فقلت [23] له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: [قد] [24] دعيت الي حضرة المتوكل، و لا أدري ما يراد مني الا أني اشتريت



[ صفحه 279]



نفسي من الله بمائة دينار، و قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا عليهم السلام معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا.

قال: و خرج الي حضرة المتوكل و انصرف الينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له والدي: حدثني حديثك، قال: صرت الي سر من رأي و ما دخلتها قط، فنزلت في دار و قلت احب أن اوصل المائة الدينار الي ابن الرضا عليه السلام قبل مصيري الي باب المتوكل، و قبل أن يعرف أحد قدومي، قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، و أنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا عليه السلام؟ لا آمن أن يبدر [25] بي فيكون ذلك زيادة فيما احاذره.

قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد، و لا أمنعه من حيث يذهب؛ لعلي أقف علي معرفة داره من غير أن أسأل أحدا، قال: فجعلت الدنانير في كاغذة، و جعلتها في كمي و ركبت، فكان الحمار يخترق الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء الي أن صرت الي باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا عليه السلام، فقلت: الله أكبر دلالة [و الله] مقنعة.

قال: و اذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم، قال: انزل، فنزلت فأقعدني في الدهليز و دخل، فقلت في نفسي هذه دلالة اخري، من أين عرف هذا الغلام [26] اسمي؟ و ليس في هذا البلد من يعرفني، و لا دخلته قط؟!

[قال] [27] : فخرج الخادم، فقال مائة دينار التي في كمك في الكاغذة هاتها!؟ فناولته اياها، فقلت: و هذه ثالثة، ثم رجع الي، فقال: ادخل، فدخلت اليه و هو في مجلسه وحده، فقال: يا يوسف أما آن لك [أن تسلم] [28] ؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفي، فقال: هيهات [أما] [29] انك لا تسلم، ولكن



[ صفحه 280]



سيسلم ولدك فلان، و هو من شيعتنا، يا يوسف ان أقوانا يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم [30] كذبوا، و الله انها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت له، فأنك ستري ما تحب و سيولد لك ولد مبارك [31] قال: فمضيت الي باب المتوكل فنلت [32] كل ما أردت فانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا - يعني بعد موت والده - و هو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات علي النصرانية، و أنه أسلم بعد موت أبيه، و كان يقول: أنا بشارة مولاي عليه السلام [33] .

روي السيد ابن طاووس في أمان الأخطار عن أبي محمد القاسم بن العلاء، قال: حدثنا خادم لعلي بن محمد عليهماالسلام، قال: استأذنته في الزيارة الي طوس، فقال لي: يكون معك خاتم فصه عقيق أصفر عليه: «ما شاءالله، لا قوة الا بالله، استغفر الله»، و علي الجانب الآخر: «محمد و علي»، فانه أمان من القطع، و أتم للسلامة، و أصون لدينك.

قال: فخرجت و أخذت خاتما علي الصفة التي أمرني بها، ثم رجعت اليه [الوداعه، فودعته و انصرفت، فلما بعدت عنه أمر بردي، فرجعت اليه] [34] ، فقال: يا صافي، قلت: لبيك يا سيدي، قال: ليكن معك خاتم آخر فيروزج، فانه يلقاك في طريقك أسد بين طوس و نيسابور، فيمنع القافلة من المسير، فتقدم اليه و أره الخاتم، و قل له: مولاي يقول لك تنح عن الطريق، ثم قال: ليكن نقشه: «الله الملك»، و علي الجانب الآخر: «الملك لله الواحد القهار»، فانه خاتم أميرالمؤمنين علي عليه السلام كان عليه: «الله الملك»، فلما ولي الخلافة نقش علي خاتمه: «الملك لله الواحد القهار»، و كان فصه فيروزج، و هو أمان من السباع - خاصة -، و ظفر في الحروب.



[ صفحه 281]



قال الخادم: فخرجت في سفري [ذلك] [35] فلقيني - و الله - السبع، ففعلت ما امرت، و رجعت وحدثته، فقال عليه السلام لي: بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها، ان شئت حدثتك بها، فقلت: يا سيدي لعلي نسيتها، فقال: نعم، بت ليلة بطوس عند القبر، فصار الي القبر قوم من الجن لزيارته، فنظروا الي الفص في يدك فقرأوا نقشه، فأخذوه من يدك و صاروا به الي عليل لهم، و غسلوا الخاتم بالماء و سقوه ذلك الماء فبرأ، وردوا الخاتم اليك، و كان في يدك اليمني فصيروه في يدك اليسري، فكثر تعجبك من ذلك، و لم تعرف السبب فيه، و وجدت عند رأسك حجرا ياقوتا فأخذته، و هو معك فاحمله الي السوق، فانك ستبيعه بثمانين دينارا - و هي هدية القوم اليك -، فحملته الي السوق و بعته بثمانين دينارا، كما قال سيدي عليه السلام [36] .

و عن زرارة [37] حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الي المتوكل يلعب بالحق [38] لم ير مثله، و كان المتوكل لعابا فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام، فقال لذلك الرجل: ان أنت أخجلته أعطيتك الف دينار ركنية [39] .

قال: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف، و اجعلها علي المائدة، و أقعدني الي جنبه، ففعل و أحضر علي بن محمد عليهماالسلام [للطعام] [40] ، و كانت [41] له مسورة عن [42] يساره كان عليها صورة أسد - و روي أنه كان علي باب من الأبواب ستر و عليه صورة أسد -، و جلس اللاعب الي جانب المسورة و قدم الطعام، فمد علي بن محمد عليهماالسلام



[ صفحه 282]



يده الي رقاقة فطيرها المشعبذ [43] في الهواء، فمد عليه السلام يده الي اخري فطيرها، فتضاحك الناس [44] .

فضرب علي بن محمد عليه السلام يده علي [45] تلك الصورة التي علي المسورة، و قال: خذ عدوالله [46] ، فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل اللاعب [47] ، و عادت في المسورة كما كانت، فتحير الجميع، و نهض علي بن محمد عليهماالسلام ليمضي [48] ، فقال [له] [49] المتوكل: سألتك الا جلست ورددته، فقال: و الله لا يري بعدها، أتسلط أعداء الله علي أولياء الله! و خرج من عنده فلم ير الرجل بعد ذلك [50] [51] .

وروي أن المتوكل أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأي أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعل [52] بعضه علي بعض في وسط برية واسعة هناك، فلما فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم و اسمه تل المخالي [53] صعد فوقه، و استدعي أباالحسن عليه السلام و استصعده، و قال: استحضرتك لنظارة خيولي، و قد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف [54] ، و يحملوا الأسلحة، و قد عرضوا بأحسن زينة، و أتم عدة و أعظم هيبة، و كان غرضه أن يكسر



[ صفحه 283]



قلب كل من يخرج عليه، و كان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج علي الخليفة.

فقال له أبوالحسن صلوات الله عليه: و هل تريد أن [55] أعرض عليك عسكري؟ قال: نعم. فدعا الله سبحانه، فاذا بين السماء و الأرض من المشرق و المغرب ملائكة مدججون فغشي علي الخليفة، فلما أفاق قال له أبوالحسن عليه السلام: نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك مني [56] مما تظن بأس [57] [58] .

الدر النظيم، قال محمد بن يحيي: قال يحيي بن أكثم: في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته، من حلق رأس آدم عليه السلام حين حج؟ فتعايا القوم عن الجواب، فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث الي علي بن محمد الهادي عليهماالسلام فأحضره، فقال له: يا أباالحسن من حلق رأس آدم حين حج؟

فقال: سألتك [بالله] يا أميرالمؤمنين الا أعفيتني، قال: أقسمت لتقولن، قال: أما اذا أبيت فأن أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم «أمر جبرائيل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها، فمسح بها رأس آدم عليه السلام فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما» [59] .

روي الاربلي أن أباالحسن عليه السلام خرج يوما من سر من رأي الي قرية، لمهم عرض له، فجاء رجل من الاعراب بطلبه [60] ، فقيل له: قد ذهب الي الموضع الفلاني،



[ صفحه 284]



فقصده، فلما وصل اليه قال عليه السلام له: ما حاجتك؟ فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدك علي بن أبي طالب عليه السلام و قد ركبني دين فادح أثقلني حمله، و لم أر من أقصده لقضائه سواك، فقال له أبوالحسن عليه السلام: طب نفسا و قر عينا، ثم أنزله.

فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبوالحسن عليه السلام: اريد منك حاجة [61] ، الله الله أن تخالفني فيها، فقال الأعرابي: لا اخالفك، فكتب أبوالحسن عليه السلام ورقة بخطه معترفا فيها ان عليه للأعرابي مالا عينه فيها يرجح علي دينه، و قال: خذ هذا الخط فاذا وصلت الي سر من رأي أحضر الي و عندي جماعة فطالبني به، و أغلظ القول علي في ترك ابقائك [62] اياه، الله الله في مخالفتي، فقال: افعل، و أخذ الخط.

فلما وصل أبوالحسن عليه السلام الي سر من رأي وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم، حضر ذلك الرجل و أخرج الخط و طالبه، و قال: كما أوصاه، فألان أبوالحسن عليه السلام له القول و رفقه و جعل يعتذر اليه و وعده بوفائه و طيبة نفسه، فنقل ذلك الي الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل الي أبي الحسن عليه السلام ثلاثون ألف درهم.

فلما حملت اليه تركها الي أن جاء الرجل، فقال: خذ هذا المال فأقض منه دينك، و أنفق الباقي علي عيالك و أهلك و أعذرنا، فقال له الأعرابي: يا ابن رسول الله و الله أن أملي كان يقصر عن ثلث هذا؛ ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته، و أخذ المال و انصرف، و هذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الأخلاق [63] .

قلت: و يشبه هذا ما روي عن الديلمي في كتاب أعلام الدين [64] عن أبي امامة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال ذات يوم لأصحابه: ألا احدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلي يا



[ صفحه 285]



رسول الله، قال: بينا هو يمشي في سوق من أسواق بني اسرائيل، اذ بصر به مسكين، فقال: تصدق علي بارك الله فيك، قال الخضر: آمنت بالله، ما يقضي الله يكون، ما عندي من شي ء اعطيكه، قال المسكين: بوجه الله، لما تصدقت علي، اني رأيت الخير في وجهك، و رجوت الخير عندك.

قال الخضر عليه السلام: آمنت بالله، انك سألتني بأمر عظيم، ما عندي من شي ء اعطيكه الا أن تأخذني فتبيعني، قال المسكين: و هل يستقيم هذا؟ قال: الحق أقول لك، انك سألتني بأمر عظيم، سألتني بوجه ربي عزوجل، اما أني لا أخيبك في مسألتي بوجه ربي، فبعني.

فقدمه الي السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شي ء، فقال الخضر عليه السلام: انما ابتعتني التماس خدمتي، فمرني بعمل، قال: اني أكره أن أشق عليك، انك شيخ كبير، قال: لست تشق علي، قال: فقم فانقل هذه الحجارة، قال: و كان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم.

فقام فنقل الحجارة في ساعته، فقال له: أحسنت و أجملت، و أطقت ما لم يطقه أحد، قال: ثم عرض للرجل سفر، فقال: اني أحسبك أمينا، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، و اني أكره أن أشق عليك، قال: لست تشق علي، قال: فاضرب من اللبن شيئا حتي أرجع اليك.

قال: فخرج الرجل لسفره و رجع و قد شيد بناءه، فقال له الرجل: أسألك بوجه الله، ما حسبك و ما أمرك؟ قال: انك سألتني بأمر عظيم، بوجه الله عزوجل، و وجه الله أوقعني في العبودية، و سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، و لم يكن عندي شي ء أعطيه، فسألني بوجه الله عزوجل، فامكنته من رقبتي فباعني، فأخبرك: أنه من سأل بوجه الله عزوجل فرد سائله و هو قادر علي ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم الا عظم يتقعقع.

قال الرجل: شققت عليك و لم أعرفك، قال: لابأس أبقيت و أحسنت، قال:



[ صفحه 286]



بأبي أنت و امي، احكم في أهلي و مالي بما أراك الله عزوجل، أم اخيرك فاخلي سبيلك، فقال: أحب الي أن تخلي سبيلي فأعبدالله علي سبيله، قال الخضر: الحمدلله الذي أوقعني في العبودية فأنجاني منها [65] .


پاورقي

[1] بغاء: من الاسماء التركية، كان اسم رجل من قواد المتوكل.

[2] اعلام الوري: ص 343، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 408، و عنهما البحار: ج 50 ص 124 ح 1.

[3] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 673، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 408، و اعلام الوري: 343، و عنهما البحار: ج 50 ص 136 ح 17.

[4] في البحار: «و تألمت».

[5] في المصدر: «يسعي».

[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[7] الأمالي للطوسي: ص 304، و عنه البحار: ج 50 ص 126 ح 4.

[8] الأمالي للصدوق: ص 336 ح 11، و عنه البحار: ج 50 ص 129 ح 7.

[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[10] اعلام الوري: ص 343، و عنه البحار: ج 50 ص 137 ح 20.

[11] البرذون: الدابة (انظر لسان العرب: مادة «برذن» ج 1 ص 370.

[12] اعلام الوري: ص 344، و عنه البحار: ج 50 ص 138 ح 21، بزيادة العبارة التي بين المعقوفتين.

[13] اعلام الوري: ص 348.

[14] ما بين المعقوفتين في خ ل.

[15] في المصدر: «قيل».

[16] العرف: الشعر النابت في محدب رقبة الفرس.

[17] في المصدر: «دائم» بدل «اكرر في نفسي».

[18] في خ ل: «علي».

[19] في المصدر: «و لم أخبرهم بذلك» بدل «و لم أخبر بذلك مخلوقا».

[20] في خ ل: «ذلك الرجل الذي علم ما كان في نفسي».

[21] الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 392 ح 1، و عنه البحار: ج 50 ص 141 ح 26، و فيه «ولي» بدل «أمري».

[22] كفر توثا: بضم التاء المثناة من فوق: و سكون الواو، و ثاء مثلثة، قرية كبيرة من أعمال الجزيرة بينها و بين دارا خمسة فراسخ، و هي بين دارا و رأس عين ينسب اليها قوم من أهل العلم، و هي أيضا من قري فلسطين، و كان حصنا قديما فاتخذها ولد أبي رمثة منزلا فمدنوها و حصنوها. (انظر معجم البلدان: ج 4 ص 287).

[23] في خ ل و البحار: «فقال».

[24] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر، و لم تر و في البحار.

[25] في المصدر: «ينذر».

[26] في المصدر: «الخادم».

[27] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[28] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[29] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[30] في المصدر: «أمثالك».

[31] «سيولد لك ولد مبارك» لم ترد في البحار.

[32] في البحار: «فقلت».

[33] الخرائج و الجرائج: ج 1 ص 396 ح 3، و عنه البحار: ج 5 ص 144 ح 28.

[34] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[35] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[36] الأمان من أخطار الأسفار و الازمان: ص 48، و ان هذه الرواية لم ترد في النسخة الخطية.

[37] في خ ل و المصدر «زرافة»، راجع الكامل في التاريخ: 7 / 97.

[38] الحق: - بالضم - وعاء من الخشب، يجعل فيها المشعبذين شيئا بعيان الناس ثم يفتحونها و ليس فيها شي ء.

[39] في المصدر: «زكية».

[40] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[41] في المصدر: «و جعلت» بدل «و كانت».

[42] في خ ل:«علي».

[43] في المصدر: «ذلك الرجل» بدل «المشعبذ».

[44] في المصدر: «الجميع» بدل «الناس».

[45] في المصدر: «الي».

[46] في المصدر: «خذه» بدل «خذ عدوالله».

[47] «اللاعب» لم ترد في المصدر.

[48] «ليمضي» لم ترد في المصدر.

[49] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[50] «ذلك» لم ترد في المصدر.

[51] الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 400 ح 6، و عنه البحار: ج 50 ص 146 ح 30.

[52] في خ ل و البحار «و يجعلوا».

[53] «و اسمه تل المخالي» لم ترد في الخرائج والجرائح و اثبات الهداة، و انما وردت في البحار.

[54] التجفاف: آلة للحرب يلبسه الفرس و الانسان ليقيه في الحرب (انظر لسان العرب: مادة «جفف»: ج 2 ص 308).

[55] «تريد أن» وردت في اثبات الهداة.

[56] «شي ء» في الخرائج والجرائح و البحار.

[57] «بأس» لم ترد في الخرائج و الجرائح و البحار.

[58] اثبات الهداة: ج 3 ص 377 ح 46، الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 414 ح 19، و عنه البحار، ج 50 ص 155 ح 44.

[59] الدر النظيم: الباب الثاني عشر فصل في ذكر شي ء من مناقب الهادي عليه السلام «مخطوطة»، و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه: ج 12 ص 56 رقم 6440.

[60] في المصدر: «يطلبه».

[61] في خ ل: «حاله».

[62] في المصدر: «ايفائك».

[63] كشف الغمة: ج 2 ص 374، و عنه البحار: ج 50 ص 175 ح 55.

[64] في الخطية «اعلام الوري» و الصحيح ما أثبتناه.

[65] أعلام الدين: باب عدد أسماء الله تعالي ص 350 ح 5، و عنه البحار: ج 13 ص 321 ح 55.