بازگشت

فيما جري بين أبي الحسن الهادي و بين بعض خلفاء زمانه


أشخص أباالحسن عليه السلام المتوكل من المدينة الي سر من رأي، و كان السبب في ذلك، أن عبدالله بن محمد كان و الي المدينة سعي به عليه السلام اليه، فكتب المتوكل اليه كتابا، يدعو به فيه الي حضور العسكر علي جميل من القول، و بعث يحيي بن هرثمة ثلاثمائة رجل لاشخاصه من طريق البادية، و قد رأي يحيي منه عليه السلام في أيام المصاحبة معه من الدلائل و الآيات ما لا يتحملها المقام [1] .

روي المسعودي عن يحيي بن هرثمة، قال: وجهني المتوكل الي المدينة لاشخاص علي بن محمد بن موسي بن جعفر عليهم السلام لشي ء بلغه عنه، فلما صرت اليها ضج أهلها، و عجوا ضجيجا و عجيجا ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم و أحلف [لهم] [2] أني لم اؤمر فيه بمكروه، و فتشت بيته فلم اصب [3] فيه الا مصحفا [4] و دعاء و ما أشبه ذلك، فأشخصته و توليت خدمته و أحسنت عشرته، فبينا أنا في يوم [5] من الايام، و السماء صاحية، و الشمس طالعة؛ اذ ركب و عليه ممطر [6] ، و قد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتي جاءت سحابة فأرخت عزاليها [7] ، و نالنا من المطر أمر عظيم جدا، فالتفت الي، و قال: أنا أعلم



[ صفحه 289]



أنك أنكرت ما رأيت، و توهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، و ليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما اصبحت هبت ريح لا تخلف، و شممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك.

فلما قدمت مدينة السلام بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاطري - و كان علي بغداد - فقال [لي] [8] : يا يحيي ان هذا الرجل قد ولده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و المتوكل من تعلم، و ان حرضته علي قتله كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خصمك، فقلت: و الله ما وقفت منه [9] الا علي كل أمر جميل.

فصرت الي سامراء، فبدأت بوصيف التركي، و كنت من أصحابه، فقال: و الله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما، و عرفت المتوكل ما وقفت عليه، و ما سمعته من الثناء عليه، فأحسن جائزته و أظهر بره و تكرمته، انتهي [10] .

و قال في اثبات الوصية: حدث أبوعبدالله محمد بن أحمد الحلبي القاضي، قال: حدثني الخضر بن محمد البزاز، و كان شيخا مستورا ثقة يقبله القضاة و الناس، قال: رأيت في المنام كأني علي شاطي ء دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر، و الناس مجتمعون خلقا كثيرا يزحم بعضهم بعضا، و هم يقولون: قد أقبل بيت الله الحرام، فبينا نحن كذلك اذ رأيت البيت بما عليه من الستائر و الديباج و القباطي قد أقبل مارا علي الأرض يسير حتي عبر الجسر من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي، و الناس يطوفون به و بين يديه حتي دخل دار خزيمة [11] الي أن قال: فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتي انتهيت الي الجسر، فرأيت الناس مجتمعين و هم يقولون: قد قدم ابن الرضا عليه السلام من المدينة، فرأيته قد عبر من الجسر علي



[ صفحه 290]



شهري [12] تحته كبير، يسير عليه سيرا رفيقا، و الناس بين يديه و خلفه، و جاء حتي دخل دار خزيمة بن حازم، فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها، ثم خرج الي سر من رأي، انتهي [13] .

و قال الشيخ الطبرسي رضي الله عنه: فلما وصل الي سر من رأي تقدم المتوكل أن يحتجب عنه في منزله، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها [14] .

ثم روي عن صالح بن سعيد، قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام في يوم وروده، فقلت له: جعلت فداك في كل الامور أرادوا اطفاء نورك، و التقصير بك، حتي أنزلوك هذا الخان الأشنع - خان الصعاليك - فقال: ها هنا أنت يا ابن سعيد، ثم أومأ بيده فاذا بروضات أنقات [15] و أنهار جاريات فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، و كثر عجبي، فقال [لي]: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك [16] .

و في اثبات الوصية: روي أنه عليه السلام دخل دار المتوكل فقام يصلي، فأتاه بعض المخالفين فوقف حياله، فقال له: الي كم هذا الرياء؟ فأسرع [في] الصلاة و سلم، ثم التفت اليه، فقال: ان كنت كاذبا سحتك [17] الله، فوقع الرجل ميتا، فصار حديثا في الدار [18] .

و روي عنه عليه السلام، قال: اخرجت الي سر من رأي كرها، و لو اخرجت عنها اخرجت كرها، قال: قلت: و لم يا سيدي؟ فقال: لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلة دائها [19] .



[ صفحه 291]



الشيخ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن محمد عن ابراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج خرج به، فأشرف منه علي الموت، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت امه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام مالا جليلا من مالها، و قال له الفتح بن خاقان: لو بعثت الي هذا الرجل - يعني أباالحسن عليه السلام - فسألته فانه ربما كان عنده صفة شي ء يفرج الله به عنك، فقال: ابعثوا اليه فمضي الرسول و رجع، فقال: خذوا كسب [20] الغنم فديفوه بماء الورد وضعوه علي الخراج، فانه نافع باذن الله، فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: و ما يضر من تجربة ما قال، فوالله اني لأرجو الصلاح به.

فأحضر الكسب وديف بماء الورد، و وضع علي الخراج، فانفتح و خرج ما كان فيه و سرت [21] ام المتوكل بعافيته، فحملت الي أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها [22] و استقل [23] المتوكل من علته، فلما كان بعد أيام سعي البطحائي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و قال: عنده أموال و سلاح.

فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمل اليه، قال ابراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار أبي الحسن عليه السلام بالليل و معي سلم فصعدت منه الي السطح و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة فلم أدر كيف أصل الي الدار، فناداني أبوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها، و سجادته علي حصير بين



[ صفحه 292]



يديه، و هو مقبل علي القبلة، فقال لي: دونك البيوت [24] ، فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا، و وجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل، و كيسا مختوما معها، فقال لي أبوالحسن عليه السلام: دونك المصلي، فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس، فأخذت ذلك، و صرت اليه.

فلما نظر الي خاتم امه علي البدرة بعث اليها، فخرجت اليه فسألها عن البدرة، فأخبرني [25] بعض خدم الخاصة انها، قالت: كنت نذرت في علتك ان عوفيت أن أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها اليه و هذا خاتمي علي الكيس ما حركه، و فتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم الي البدرة بدرة اخري.

و قال لي: احمل ذلك الي أبي الحسن عليه السلام، واردد عليه السيف و الكيس بما فيه، فحملت ذلك اليه و الستحييت منه، فقلت له: يا سيدي عز علي دخولي دارك بغير اذنك، ولكني مأمور، فقال لي: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [26] [27] .


پاورقي

[1] اعلام الوري: ص 347 قطعة منه.

[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[3] في المصدر: «أجد».

[4] في تذكرة السبط: ص 260، و فيه: «فلم أجد فيه الا مصاحف و أدعية، و كتب العلم، فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي... الخ».

[5] في المصدر: «نائم يوما» بدل «أنا في يوم».

[6] الممطر: ما يلبس في المطر يتوقي به (انظر الصحاح: مادة «مطر» ج 2 ص 818).

[7] عزاليها: كثر مطرها (انظر لسان العرب: مادة «عزل» ج 9 ص 192).

[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[9] في المصدر: «له» بدل «منه».

[10] مروج الذهب: ج 4 ص 84.

[11] «و هي التي آخر من ملكها بعد عبيدالله بن عبدالله بن طاهر القمي، و أبوبكر الفتي ابن اخت اسماعيل ابن بلبل بدر الكبير الطولوي المعروف بالحمامي فانه أقطعها».

[12] الشهري: و هي ما بين البرذون و الفرس، و قيل البرذون: نوع من الخيول التركية الضخمة.

[13] اثبات الوصية: ص 200.

[14] اعلام الوري: ص 348.

[15] الانق: حسن المنظر (انظر لسان العرب: مادة «أنق» ج 1 ص 240.

[16] اعلام الوري: ص 348.

[17] في المصدر: «نسخك».

[18] اثبات الوصية: ص 202.

[19] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 417.

[20] الكسب: بالضم، عصارة الدهن.

[21] في خ ل و المصدر «و بشرت».

[22] في خ ل: «خاتمها».

[23] الظاهر تصحيف و الصحيح «استبل»، قولهم: بل الرجل من مرضه، اذا برأ (انظر الصحاح: مادة «بلل» ج 4 ص 1639).

[24] في خ ل: «بالبيوت».

[25] في المصدر: «فأخبر» بدل «فأخبرني».

[26] الشعراء: 227.

[27] الارشاد: ص 329.