بازگشت

في ذكر ما جري بين علي الهادي و المتوكل و هجوم الاتراك عليه


كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة بعلي بن محمد عليهماالسلام، و يعمل علي الوضع من قدره في عيون الناس، فلا يتمكن من ذلك، و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له عليه السلام و دلالات [1] .



[ صفحه 293]



فلا بأس بذكر بعضها رجاء ان يملأ الله تعالي به صحائفنا من الحسنات.

منها: ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد، قال: حدثنا أبوالعباس فضل بن أحمد بن اسرائيل الكاتب، و نحن في داره بسامراء فجري ذكر أبي الحسن عليه السلام، فقال: يا أباسعيد اني احدثك بشي ء حدثني به أبي، قال: كنا مع المعتز، و كان أبي كاتبه، [قال] [2] فدخلنا الدار، و اذا المتوكل علي سريره قاعد، فسلم المعتز و وقف، و وقفت خلفه، و كان عهدي به اذا دخل رحب به و يأمره بالقعود، فأطال القيام، و جعل يرفع رجلا [3] و يضع اخري، و هو لا يأذن له بالقعود، و نظرت الي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، و يقبل علي الفتح بن خاقان، و يقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول، و يردد عليه القول، و الفتح مقبل عليه يسكنه، و يقول: مكذوب عليه يا أميرالمؤمنين، و هو يتلظي [و يشطط] [4] ، و يقول: و الله لأقتلن هذا المرائي ال زن دي ق، و هو الذي يدعي الكذب، و يطعن في دولتي، ثم قال: جئني بأربعة من الخزر [5] جلاف لا يفقهون [6] ، فجي ء بهم و دفع اليهم أربعة أسياف، و أمرهم أن يرطنوا بالسنتهم اذا دخل أبوالحسن عليه السلام و [أن] [7] يقبلوا عليه باسيافهم فيخبطوه [و يعلقوه] [8] و هو يقول: و الله لأحرقنه بعد القتل، و أنا منتصب قائم خلف المعتز، من وراء الستر.

فما علمت الا بأبي الحسن عليه السلام قد دخل، و قد بادر الناس قدامه، و قالوا: قد جاء، و التفت فاذا أنا به و شفتاه يتحركان، و هو غير مكروب [9] و لا جازع، فلما



[ صفحه 294]



بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير اليه، و سبقه [10] و انكب عليه فقبل ما بين عينيه و يديه و سيفه بيده، و هو يقول: يا سيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله، يا ابن عمي يا مولاي يا أباالحسن، و أبوالحسن عليه السلام يقول: اعيذك يا أميرالمؤمنين بالله، اعفني من هذا، فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك، فقال: المتوكل يدعوك، ثم قال [11] : كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث شئت، يا فتح! يا عبدالله! يا معتز شيعوا سيدكم و سيدي، فلما بصر به الخزر خروا سجدا مذعنين.

فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: شدة هيبته، و رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك عما أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك رعبا، فقال المتوكل: يا فتح هذا صاحبك، - وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه - فقال: الحمدلله الذي بيض وجهه و أنار حجته [12] .

و منها ما رواه المسعودي عن محمد بن عرفة النحوي عن المبرد، قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبدالمطلب؟ قال: و ما يقول ولد أبي يا أميرالمؤمنين في رجل افترض الله طاعة نبيه [13] علي خلقه، و افترض طاعته علي نبيه [14] ، فأمر له بمائة ألف درهم، و انما أراد أبوالحسن عليه السلام طاعة الله علي نبيه فعرض - فظن المتوكل أنه عليه السلام أراد من طاعته علي نبيه طاعة عمه العباس، و انما أراد عليه السلام طاعة الله تعالي لا طاعة عمه -.

و قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام الي المتوكل، و قيل له: ان في



[ صفحه 295]



منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته، فوجه اليه ليلا من الأتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله، علي غفلة ممن في داره، فوجده في البيت وحده، مغلق عليه، و عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف متوجها الي ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد، فأخذ علي ما وجد عليه، و حمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس، فلما رآه أعظمه و أجلسه الي جنبه، و لم يكن في منزله شي ء مما قيل فيه، و لا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أميرالمؤمنين ما خامر لحمي و دمي قط، فأعفني منه، فعافاه، و قال: أنشدني شعرا استحسنه، فقال: اني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لابد أن تنشدني فأنشده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما اغنتهم القلل



و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم

فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة و التيجان و الحلل؟



أين الوجوه التي كانت منعمة؟

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا



و طالما عمروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

فخلفوها علي الاعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا معطلة

و ساكنوها الي الأجداث قد رحلوا



قال: فأشفق [كل] [15] من حضر علي علي [بن محمد] عليه السلام، و ظنوا أن بادرة تبدر منه اليه، قال: و الله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته، و بكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أباالحسن أعليك دين؟ قال:



[ صفحه 296]



نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه، ورده الي منزله من ساعته مكرما [16] .

و منها: ما عن القطب الراوندي عن زرارة [17] حاجب المتوكل، قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام يوم السلام، فقال له وزيره: ان في هذا شناعة عليك و سوء مقالة فلا تفعل، قال: لابد من هذا، قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم حتي لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل و مشي عليه السلام و كان الصيف، فوافي الدهليز و قد عرق، قال: فلقيته و اجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمنديل، و قلت: [ان] [18] ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك، فقال: ايها عنك (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك و عد غير مكذوب) [19] .

قال زرارة: و كان عندي معلم يتشيع و كنت كثيرا ما [20] امازحه بالرافضي، فانصرفت الي منزلي وقت العشاء، و قلت: تعال يا رافضي حتي احدثك بشي ء سمعته اليوم من امامكم، قال لي [21] : و ما سمعت؟ فأخبرته بما قال. فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي، قلت: هاتها، قال: ان كان علي بن محمد عليهماالسلام قال بما قلت فاحترز و اخزن كل ما تملكه، فان المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام، فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي فخرج.

فلما خلوت بنفسي تفكرت، و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فان كان من هذا شي ء كنت قد أخذت بالحزم، و ان لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت الي دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري الي عند أقوام أثق بهم، و لم أترك في داري الا حصيرا أقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة



[ صفحه 297]



قتل المتوكل و سلمت أنا و مالي، و تشيعت عند ذلك، فصرت اليه، و لزمت خدمته، و سألته أن يدعولي، و تواليته حق الولاية [22] .

أقول: وقصته عليه السلام مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل، و نزوله عليه السلام الي بركة السباع، و تذللها له، و رجوع زينب عما أدعته مشهورة، أغنانا شهرتها عن ذكرها [23] .

قال القطب الراوندي: و أما علي بن محمد الهادي عليهماالسلام فقد اجتمعت فيه خصال [24] الامامة، و تكامل فضله و علمه و خصاله الخيرة، و كانت أخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه [و أبنائه عليهم السلام] [25] ، و كان بالليل مقبلا علي القبلة لا يفتر ساعة، و عليه جبة صوف و سجادته علي حصير، و لو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب، انتهي [26] .

و قد تقدم ما نقلناه عن المسعودي مما يشهد لكلامه، و تقدم أيضا أنه لما دخل دار المتوكل قام يصلي، فقال بعض المخالفين: الي كم هذا الرياء فوقع الرجل ميتا.


پاورقي

[1] اعلام الوري: ص 348.

[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[3] في المصدر: «قدما».

[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[5] الخزر بالتحريك: كسر العين بصرها خلقة، و قيل: هو ضيق العين و صغرها، و قيل: هو حول احدي العينين (انظر لسان العرب: مادة «خزر» ج 4 ص 79).

[6] في المصدر: «لا يفهمون».

[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[9] في المصدر: «مكترث».

[10] في المصدر: «و هو يسبقه» بدل «و سبقه».

[11] في المصدر: «فقال» بدل «ثم قال».

[12] الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 417 ح 21.

[13] في المصدر: «بنيه» بدل «نبيه».

[14] في المصدر: «بنيه» بدل «نبيه».

[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[16] مروج الذهب: ج 4 ص 10.

[17] في المصدر: «زرافة»، تقدم أيضا في ص 216.

[18] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[19] هود: 65.

[20] «ما» لم ترد في المصدر.

[21] «لي» لم ترد في المصدر.

[22] الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 401 ح 8، و عنه البحار: ج 50 ص 147 ح 32.

[23] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 416، و مروج الذهب: ج 4 ص 86.

[24] «خصال» لم ترد في المصدر.

[25] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[26] الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 901.