بازگشت

و اما اولاده


و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالي: باب ذكر الامام بعد أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام و تاريخ مولده و دلايل امامته و مبلغ سنه و ذكر وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره.

و كان الامام بعد أبي جعفر ابنه أباالحسن علي بن محمد عليهماالسلام، لاجتماع خصال الامامة فيه و تكامل فضله، و أنه لا وارث لمقام أبيه سواه، و ثبوت النص عليه بالامامة و بالاشارة اليه من أبيه بالخلافة، و كان مولده بصريا من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مأتين، و توفي بسر من رأي في رجب سنة أربع و خمسين و مأتين، و له يومئذ احدي و أربعون سنة و أشهر، و كان المتوكل قد أشخصه مع يحيي بن هرثمة بن أعين من المدينة الي سر من رأي، فأقام بها حتي مضي لسبيله، و كانت مدة امامته ثلاثا و ثلاثين سنة، و أمه أم ولد يقال لها سمانة.

باب طرف من الخبر في النص عليه بالامامة و الاشارة اليه بالخلافة:

عن اسماعيل بن مهران قال: لما خرج أبوجعفر عليه السلام من المدينة الي بغداد في الدفعة الاولي من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك اني أخاف عليك من هذا الوجه، فالي من الأمر بعدك؟ قال: فكر بوجهه الي ضاحكا و قال: ليس حيث ظننت في هذه السنة، فلما استدعي به الي المعتصم صرت اليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فالي من هذا الأمر من بعدك؟ فبكي حتي خضبت لحيته ثم التفت الي فقال: في هذه يخاف علي، الأمر من بعدي الي ابني علي.

و عن الخيراني عن أبيه أنه قال: كنت ألزم باب أبي جعفر عليه السلام للخدمة التي وكلت بها، و كان أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري يجي ء في السحر من آخر كل ليلة لتعرف خبر علة أبي جعفر عليه السلام، و كان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر و بين الخيراني اذا حضر قام أحمد و خلا به، قال الخيراني: فخرج ذات ليلة و قام أحمد بن عيسي عن المجلس و خلا بي الرسول و استدار أحمد، فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول: ان مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك: اني ماض و و الأمر صائر الي ابني علي، و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي، ثم مضي الرسول و رجع أحمد الي موضعه و قال: ما الذي قال لك؟ قال: خيرا، قلت: قد سمعت ما قال و أعاد علي ما سمع، فقلت له: قد حرم الله عليك ما فعلت، لأن الله يقول: (و لا تجسسوا)، فاذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج اليها يوما ما، و اياك أن تظهرها الي وقتها، قال:



[ صفحه 887]



و أصبحت و كتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع و ختمتها و دفعتها الي عشرة من وجوه أصحابنا، و قلت: ان حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها و اعملوا بما فيها.

فلما مضي أبوجعفر عليه السلام لم أخرج من منزلي حتي عرفت أن رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج يتفاوضون في الأمر، فكتب الي محمد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده و يقول: لولا مخافة الشهرة لصرت معهم اليك، فأحب أن تركب الي، فركبت وصرت اليه، فوجدت القوم مجتمعين عنده، فتجارينا في الباب فوجدت أكثرهم قد شكوا، فقلت لمن عندهم الرقاع و هم حضور: أخرجوا تلك الرقاع، فأخرجوها، فقلت: هذا ما أمرت به، فقال بعضهم: كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد القول، فقلت لهم: قد أتاكم الله بما تحبون، هذا أبوجعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة فاسألوه، فسأله القوم فتوقف عن الشهادة، فدعوته الي المباهلة فخاف منها و قال: قد سمعت ذلك و هي [1] مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب فأما مع المباهلة فلا طريق الي كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتي سلموا لأبي الحسن عليه السلام.

و الأخبار في هذا الباب كثيرة ان عملنا علي اثباتها طال بها الكتاب، و في اجماع العصابة علي امامة أبي الحسن عليه السلام و عدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غني عن ايراد الأخبار بالنصوص علي التفصيل.

باب طرف من دلايل أبي الحسن علي بن محمد و أخباره و براهينه و بيناته:

عن الوشا عن خيران الأسباطي قال: قدمت علي أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام بالمدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خلفته في عافية أنا من أقرب الناس عهدا به و عهدي به منذ عشرة أيام، قال: فقال لي: ان أهل المدينة يقولون انه مات، فقلت: أنا أقرب الناس به عهدا، قال: فقال لي: ان الناس يقولون انه مات، فلما قال لي: ان الناس يقولون، علمت أنه يعني نفسه، ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت له: تركته أسوأ الناس حالا في السجن، قال: فقال: أما انه صاحب الأمر، ثم قال لي: ما فعل ابن الزيات؟ قلت: الناس معه و الأمر أمره، فقال: أما انه شؤم



[ صفحه 888]



عليه، قال: ثم سكت، و قال لي: لابد أن يجري مقادير الله و أحكامه، يا خيران مات الواثق و قد قعد جعفر المتوكل، و قد قتل ابن الزيات، قلت: متي جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام.

و عن علي بن ابراهيم بن محمد الطائفي قال: مرض المتوكل من خزاج خرج به، فأشرف منه علي الموت فلم يجسر أحد أن يمسه بحديد، فنذرت أمه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من مالها، و قال له الفتح بن خاقان: لو بعث الي هذا الرجل يعني أباالحسن فسألته فانه ربما كان عنده صفة شي ء يفرج الله به عنك، فقال: ابعثوا اليه، فمضي الرسول و رجع فقال: خذوا كسب الغنم و ديفوه [2] بماء الورد وضعوه علي الخراج فانه نافع باذن الله ان شاء الله، فجعل من يحضره المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: و ما يضر من تجربة ما قال، فوالله اني لأرجو الصلاح به، فأحضر الكسب و ديف بماء الورد، و وضع علي الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه، و بشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت الي أبي الحسن عشرة آلاف دينار تحت ختمها، و استبل المتوكل [3] من علته.

فلما كان بعد أيام سعي البطحاني بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل و قال: عنده أموال و سلاح، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا و يأخذ ما يجده عنده الأموال و السلاح، و يحمله اليه، قال ابراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار أبي الحسن عليه السلام بالليل و معي سلم، فصعدت منه الي السطح و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم ادر كيف أصل الي الدار، فناداني أبوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادته علي حصير بين يديه، و هو مقبل علي القبلة، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيسا مختوما معها، فقال لي أبوالحسن عليه السلام: دونك المصلي، فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس، فأخذته ذلك و صرت اليه.



[ صفحه 889]



فلما رأي خاتم أمه علي البدرة بعث اليها فخرجت، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض الخادم الخاصة أنها قالت: كنت نذرت في علتك ان عوفيت أن أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها اليه، و هذا خاتمك علي الكيس ما حركها، و قتح الكيس الآخر فاذا فيه أربع مائة دينار، فأمر أن يضم الي البدرة بدرة أخري و قال لي: احمل ذلك الي أبي الحسن واردد السيف و الكيس عليه بما فيه، فحملت ذلك اليه و استحييت منه، فقلت: يا سيدي عز علي دخولي دارك بغير اذنك ولكني مأمور! فقال لي: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

قال لي محمد بن الفرج الرخجي: ان أباالحسن عليه السلام كتب الي: يا محمد أجمع أمرك و خذ حذرك، فقال: أنا في جمع أمري لست أدري ما أراد بما كتب به الي حتي ورد علي رسول حملني من مصر مصفدا بالحديد، و ضرب علي كلما أملك، فمكثت في السجن ثماني سنين، ثم ورد علي كتاب منه و أنا في السجن: يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي، فقرأت الكتاب و قلت في نفسي: يكتب أبوالحسن بهذا الي و أنا في السجن ان هذا لعجب! فما مكثت الا أياما يسيرة حتي أفرج عني و حلت قيودي، و خلي سبيلي، قال: فكتبت اليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يرد ضياعي علي، قال: فكتب الي: سوف ترد عليك و ما يضرك أن لا ترد عليك. قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج الرخجي الي العسكر كتب له برد ضياعه عليه فلم يصل الكتاب حتي مات.

و كتب علي بن الخضيب الي محمد بن الفرج بالخروج الي العسكر، فكتب الي أبي الحسن يشاوره في ذلك، فكتب اليه أبوالحسن عليه السلام: أخرج فان فيه فرجك ان شاء الله، فخرج فلم يلبث الا يسيرا حتي مات.

أبويعقوب قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا و قد استقبل أباالحسن عليه السلام، فنظر اليه نظرا شافيا فاعتل محمد بن الفرج من الغد، فدخلت عليه عايدا بعد أيام من علته، فحدثني أن أباالحسن قد أنفذ اليه بثوب و أرانيه مدرجا تحت رأسه، قال: فكفن فيه و الله.

قال أبويعقوب: رأيت أباالحسن عليه السلام مع أحمد بن الخضيب يتسايران و قد قصر أبوالحسن عليه السلام عنه، فقال له ابن الخضيب: سر جعلت فداك، فقال أبوالحسن:



[ صفحه 890]



أنت المقدم، فما لبثنا الا أربعة أيام حتي وضع الدهق [4] علي ساق ابن الخضيب و قتل.

قال: و ألح عليه ابن الخضيب في الدار التي كان نزلها، و طالبه بالانتقال منها اليه، فبعث اليه أبوالحسن عليه السلام: لأقعدن بك و الله مقعدا لا تبقي لك معه باقية، فأخذه الله في تلك الأيام.

و قال أبوالطيب يعقوب بن ياسر: كان يقول المتوكل: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي أو ينادمني فامتنع و جهدت أن أجد فرصة في هذا المعني فلم أجدها، فقال له بعض من حضر: ان لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذا الحال، فهذا أخوه موسي قصاف عزاف [5] يأكل و يشرب و يعشق و يتخالع، فأحضره و أشهره فان الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك، فلا يفرق الناس بينه و بين أخيه، و من عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله. فقال: اكتبوا باشخاصه مكرما، فأشخص مكرما و تقدم المتوكل أن يلقاه جميع بني هاشم و القواد و ساير الناس، و عمل علي أنه اذا رآه أقطعه قطيعة و بني له فيها، و حول اليها الخمارين و القيان [6] و تقدم بصلته و بره و أفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره هو فيه.

فلما وافي موسي تلقاه أبوالحسن في قنطرة وصيف و هو موضع يتلقي فيه القادمون، فسلم عليه و وفاه حقه، ثم قال له: ان هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، و اتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا، فقال له موسي: انما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك و لا تعص ربك و لا تفعل ما يشينك، فما غرضه الا هتكك، فأبي عليه موسي، فكرر عليه أبوالحسن عليه السلام القول و الوعظ و هو مقيم علي خلافه، فلما رأي أنه لا يجيب، قال له: أما ان المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت و هو أبدا، فأقام موسي ثلاث سنين يبكر كل يوم الي باب المتوكل فيقال له: قد تشاغل اليوم فيروح، ثم يعود فيقال له: قد سكر، و يبكر فيقال له: انه قد شرب دواء، فما زال علي هذا ثلاث سنين حتي قتل المتوكل و لم يجتمع معه علي شراب.



[ صفحه 891]



و روي زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل الطبيب علي ليلا و وصف لي دواء آخذه في السحر كذا و كذا يوما، فلم يمكنني تحصيله من الليل، و خرج الطبيب من الباب و ورد صاحب أبي الحسن عليه السلام في الحال، و معه صرة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال: أبوالحسن يقرئك السلام و يقول: خذ هذا الدواء كذا و كذا يوما، فأخذته و شربته فبرئت، فقال محمد بن علي: فقال لي زيد بن علي: يا محمد أين الغلاة عن هذا الحديث.


پاورقي

[1] أي الامامة.

[2] الكسب: عصارة الدهن. قال في البحار: و لعل المراد هنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت رجل الشاة و داف الشي ء بالشي ء: خلطه.

[3] أي بري.

[4] الدهق - محركة -: خشبتان يغمز بهما ساق المجرمين.

[5] القصف: اللهو و اللعب و القصاف مبالغة منه. و العزاف مبالغة في العازف اللاعب بالمعازف و هي الملاهي كالعود و الطنبور.

[6] جمع القينة: المغنية.