بازگشت

ذكر ورود أبي الحسن من المدينة الي العسكر و وفاته بها و سبب ذلك و عدد أولاده و طر


و كان سبب شخوص أبي الحسن عليه السلام الي سر من رأي أن عبدالله بن محمد كان يتولي الحرب و الصلاة في مدينة الرسول عليه السلام، فسعي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و كان يقصده بالأذي، و بلغ أباالحسن سعايته به، فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد و يكذبه فيما سعي به، فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه و دعائه فيه الي حضور العسكر علي جميل من القول و الفعل، فخرجت نسخة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد؛ فان أميرالمؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الامور فيك و في أهل بيتك ما يصلح به حالك و حالهم، و يثبت عزك و عزهم، و يدخل الأمن عليك و عليهم، و يبتغي بذلك رضي به و أداء ما افترض عليه فيك و فيهم، و قد رأي أميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولي من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، اذا كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك، و عندما قرنك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم أميرالمؤمنين براءتك منه، و صدق نيتك في برك و قولك و أنك لم تؤهل نفسك لما قرنت بطلبه، و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، و أمره باكرامك و تبجيلك، و الانتهاء الي أمرك و رأيك و التقرب الي الله و الي أميرالمؤمنين بذلك، و أميرالمؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك و النظر اليك، فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما أحببت شخصت، و من اخترت من أهل بيتك و مواليك و حشمك علي محلة و طمأنية، ترحل اذا شئت و تنزل اذا شئت، و تسير كيف شئت، و ان أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند يرحلون برحليك، و يسيرون بسيرك،



[ صفحه 892]



و الأمر في ذلك اليك، و قد تقدمنا اليك بطاعتك فاستخر الله تعالي حتي توافي أميرالمؤمنين، فما أحد من اخوته و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منزلة، و لا أحمد له أثرة، و لا هو لهم أنظر و عليهم أشفق و بهم أبر و اليهم أسكن منه اليك (و الأمر ذلك اليك) و السلام عليك و رحمة الله و بركاته، و كتب ابراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث و أربعين و ماءتين.

فلما وصل الكتاب الي أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل، و خرج معه يحيي بن هرثمة، حتي وصل الي سر من رأي، فلما وصل اليها تقدم المتوكل أن يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك [1] و أقام فيه بقية يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها.

و عن صالح بن سعيد قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام يوم وروده، فقلت له: جعلت فداك في كل الامور أرادوا اطفاء نورك و التقصير بك، حتي أنزلوك هذا الخان الأشنع: خان الصعاليك، فقال: هاهنا أنت يابن سعيد؟ ثم أومأ بيده فاذا بروضات أنيقات [2] و أنهار جاريات، و جنات فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري و كثر عجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا، يابن سعيد لسنا في خان الصعاليك [3] .

و أقام أبوالحسن عليه السلام مدة مقامه بسر من رأي مكرما في ظاهر الحال يجتهد المتوكل في ايقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك، و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب: فيها آيات له و بينات ان قصدنا لايرادها خرجنا عن الغرض فيما نحوناه، و توفي أبوالحسن في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين، و دفن في داره بسر من رأي، و خلف من الولد أبامحمد الحسن ابنه و هو الامام من بعده، و الحسين و محمد، أو جعفر، و ابنته عائشة، و كان مقامه بسر من رأي الي أن قبض عشر سنين و أشهرا، و توفي و سنه يومئذ علي ما قدمناه احدي و أربعون سنة.

قال الشيخ ابن الخشاب رحمه الله تعالي: ذكر أبي الحسن العسكري علي بن



[ صفحه 893]



محمد المرتضي أبي جعفر القانع بن علي الرضا بن موسي الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.

و باسناده قال: ولد أبوالحسن العسكري علي بن محمد في رجب سنة مائتين و أربع عشرة سنة من الهجرة، و كان مقامه مع أبي محمد بن علي ست سنين و خمسة أشهر، و مضي في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادي الآخر سنة مائتين و أربع و خمسين سنة من الهجرة، و أقام بعد أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة و سبعة أشهر الا أياما، و كان عمره أربعين سنة الا أياما.

قبره بسر من رأي، أمه سمانة و يقال: متفرشة المغربية [4] ، لقبه الناصح، و المرتضي، و النقي، و المتوكل، يكني بأبي الحسن.

قال صاحب كتاب الدلائل: دلائل علي بن محمد العسكري عليه السلام:

عن الحسن بن علي الوشاء قال: حدثتني أم محمد مولاة أبي الحسن الرضا بالخبر و هي مع الحسن بن موسي قالت: جاء أبوالحسن قد رعب حتي جلس في حجر أم أبيها بنت موسي، فقالت له: مالك؟ فقال لها: مات أبي و الله الساعة، فقالت له: لا تقل هذا، قال: هو و الله ما أقول لك، قال: فكتبنا ذلك اليوم فجاءت وفاة أبي جعفر في ذلك اليوم.

و كتب اليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود علي الزجاج؟ قال: فلما نفذ

الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الأرض و أنهم قالوا: لا بأس بالسجود علي ما أنبتت الأرض! قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه و ان حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض فانه من الرمل و الملح و الملح سبخ.

و عن علي بن محمد النوفلي قال: سمعته يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا، و انما كان عند آصف منه حرف واحد تكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتي صيره الي سليمان، ثم بسطت له الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان و سبعون حرفا، و حرف عندالله جل و عز استأثر به في علم الغيب.



[ صفحه 894]



و عن فاطمة ابنة الهيثم قالت: كنت في دار أبي الحسن في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سروا به، فصرت اليه فلم أر به سرورا، فقلت: يا سيدي مالي أراك غير مسرور؟ فقال: هوني عليك و سيضل به خلق كثير.

وحدث محمد بن شرف قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام أمشي بالمدينة فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلي، فأردت أن أسأله عن مسألة فابتدأني من غير أن أسأله فقال: نحن علي قارعة الطريق و ليس هذا موضع مسألة.

محمد بن الفضل البغدادي قال: كتبت الي أبي الحسن ان لنا حانوتين [5] خلفهما لنا والدنا رضي الله عنه و أردنا بيعهما و قد عسر علينا ذلك، فادع الله لنا يا سيدنا أن ييسر الله لنا بيعهما باصلاح الثمن، و يجعل لنا في ذلك الخيرة، فلم يجب فيهما بشي ء، و انصرفنا الي بغداد و الحانوتان قد احترقا.

أيوب بن نوح قال: كتب الي أبي الحسن أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا فكتب الي اذا ولد لك فسمه محمدا.

قال: فولد لي ابن فسميته محمدا قال: و كان ليحيي بن زكريا حمل فكتب اليه أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا، فكتب اليه: رب ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة.

أيوب بن نوح قال: كتبت الي أبي الحسن قد تعرض لي جعفر بن عبدالواحد القاضي و كان يؤذيني بالكوفة أشكو اليه ما ينالني منه من الأذي فكتب الي: تكفي أمره الي شهرين، فعزل عن الكوفة في شهرين و استرحت منه.

قال فتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني و أباالحسن الطريق حين منصرفي من مكة الي خراسان و هو صائر الي العراق، فسمعته و هو يقول: من اتقي الله يتقي، و من أطاع الله يطاع، قال: فتلطفت في الوصول اليه فسلمت عليه، فرد علي السلام و أمرني بالجلوس، و أول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق، و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه، و أني يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه، و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، و في



[ صفحه 895]



قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال كيف، و أين الأين فلا يقال أين، اذ هو منقطع الكيفية و الأينية، هو الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، فجل جلاله.

أم كيف يوصف بكنهه محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في عطائه، و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته اذ يقول: (و ما نقموا الا أن أغناهم الله و رسوله من فضله) [6] و قال: يحكي قول من ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: (يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا) [7] .

أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) [8] و قال: (و لو ردوه الي الله و الي الرسول و الي أولي الأمر منهم) [9] و قال: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها) [10] و قال: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) [11] .

يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول و الخليل و ولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، و كنيتهما أفضل الكني و أجلاها، لو لم يجالسنا الا كفو لم يجالسنا أحد، و لو لم يزوجنا الا كفو لم يزوجنا أحد، أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما، و أنداهم كفا، و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما فاردد اليهم الأمر و سلم اليهم أماتك الله مماتهم، و أحياك حياتهم، اذا شئت رحمك الله.

قال فتح: فخرجت فلما كان من الغد تلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: يابن رسول الله أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟ قال: سل و ان شرحتها فلي و ان أمسكتها فلي، فصحح نظرك و تثبت في مسألتك، واصغ الي جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعينت و اعتن بما تعتني به فان



[ صفحه 896]



العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.

و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك فان شاء العالم أنبأك، ان الله لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول، فكلما كان عند الرسول كان عند العالم، و كلما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته، و جواز عدالته، يا فتح عسي الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك، و شكك في بعض ما أنبأتك حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متي أيقنت أنهم كذا فهم أرباب معاذ الله، انهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله، داخرون راغبون، فاذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له: جعلت فداك فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال: فسجد أبوالحسن و هو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا، قال: فلم يزل كذلك حتي ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك و تهلك، و ما ضر عيسي اذا هلك من هلك، فاذهب اذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما كشف الله عني من اللبس، بأنهم هم، و حمدت الله علي ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متك و بين يديه حنطة مقلوة [12] يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا اذ كان ذلك آفة و الامام غير مأوف!

فقال: اجلس يا فتح، فان لنا بالرسل أسوة كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق، و كل جسم مغذو بهذا الا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام، و هو لم يجسم و لم يجز ابتناه، و لم يتزايد و لم يتناقص، مبري ء من ذاته ما ركب في ذات من جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، منشي ء الأشياء، مجسم الأجسام و هو السميع العليم، اللطيف الخبير الرؤف الرحيم، تبارك و تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا، لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب، و لا الخالق من المخلوق، و لا المنشي ء من المنشأ، ولكنه فرق بينه و بين من جسمه، و شيأ



[ صفحه 897]



الأشياء اذ كان لا يشبهه شي ء يري و لا يشبه شيئا.

محمد بن الريان بن الصلت قال: كتبت الي أبي الحسن أستأذنه في كيد عدو لم يمكن كيده، فنهاني عن ذلك و قال كلاما معناه تكفاه، فكفيته و الله أحسن كفاية، ذل و افتقر و مات في أسوأ الناس حالا في دنياه و دينه.

علي بن محمد الحجال قال: كتبت الي أبي الحسن أنا في خدمتك و أصابني علة في رجلي لا أقدر علي النهوض و القيام بما يجب، فان رأيت أن تدعو الله أن يكشف علتي و يعينني علي القيام بما يجب علي و أداء الأمانة في ذلك، و يجعلني من تقصيري من غير تعمد مني و تضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني في حل، و يوسع علي، و تدعو لي بالثبات علي دينه الذي ارتضاه لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم. فوقع: كشف الله عنك و عن أبيك، قال: و كان بأبي علة و لم أكتب فيها، فدعا له ابتداءا.

و عن داود الضرير قال: أردت الخروج الي مكة فودعت أباالحسن بالعشي و خرجت فامتنع الجمال تلك الليلة و أصبحت، فجئت أودع القبر فاذا رسوله يدعوني فأتيته و استحييت، و قلت: جعلت فداك ان الجمال تخلف أمس فضحك و أمرني بأشياء و حوايج كثيرة، فقال: كيف تقول؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي، فمد الدواة و كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم أذكر ان شاء الله و ألأمر بيدك كله» فتبسمت فقال لي: مالك؟ فقلت له: خير، فقال: أخبرني. فقلت له: ذكرت حديثا حدثني رجل من أصحابنا أن جدك الرضا كان اذا أمر بحاجة كتب: بسم الله الرحمن الرحيم أذكر انشاء الله، فتبسم و قال: يا داود لو قلت لك: ان تارك التقية كتارك الصلاة، لكنت صادقا.

و عن علي بن مهزيار قال: أرسلت غلاما لي الي أبي الحسن في حاجة و كان سقلابيا [13] ، قال: فرجع الغلام الي متعجبا، فقلت: مالك يا بني؟ فقال لي: و كيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالسقلابية كأنه واحد منا.

قال قطب الدين الراوندي رحمه الله تعالي: الباب الحادي عشر في معجزات علي النقي عليه السلام.

حدث جماعة من أهل اصفهان منهم أبوالعباس أحمد بن النصر، و أبوجعفر محمد بن علوية، قالوا: كان باصفهان رجل يقال له عبدالرحمن و كان شيعيا، فقيل له:



[ صفحه 898]



ما السبب الذي أوجب عليك القول بامامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان؟ فقال: شاهدت ما يوجب علي ذلك، و ذلك أني كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين (فجئنا - ظ) الي باب المتوكل متظلمين، و كنا بباب المتوكل يوما اذ خرج الأمر باحضار علي بن محمد بن الرضا، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر باحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بامامته. ثم قيل: و نقدر أن المتوكل يحضره للقتل. فقلت: لا أبرح من هاهنا حتي أنظر الي هذا الرجل أي رجل هو؟

قال: فأقبل راكبا علي فرس و قد قام الناس صفين يمنة الطريق و يسرتها ينظرون اليه، فلما رأيته وقفت فأبصرته فوقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر الي عرف دابته لا يلتفت، و أنا دائم الدعاء له، فلما صار الي أقبل علي بوجهه و قال: استجاب الله دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك، قال: فارتعدت و وقعت بين أصحابي، فسألوني ما شأنك؟ فقلت: خير و لم أخبرهم، فانصرفنا بعد ذلك الي اصفهان، ففتح الله علي وجوها من المال حتي أني أغلق بابي علي ما قيمته ألف ألف درهم سوي مالي خارج داري، و رزقت عشرة من الأولاد و قد بلغت من عمري نيفا و سبعين سنة، و أنا أقول بامامة هذا الذي علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه لي.

و منها ما روي عن يحيي بن هرثمة [14] قال: دعاني المتوكل و قال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريده، و أخرجوا الي الكوفة فخلفوا أثقالكم فيها، و أخرجوا علي طريق البادية الي المدينة فأحضروا علي بن محمد الرضا الي عندي مكرما معظما مبجلا، قال: ففعلت و خرجنا، و كان في أصحابي قائد من الشراة [15] و كان لي كاتب متشيع، و أنا علي مذهب الحشوية، فكان الشاري يناظر الكاتب و كنت أستريح الي مناظرتهما لقطع الطريق، فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب عليه السلام: ليس من الأرض بقعة الا و هي قبر أو ستكون قبرا؟ فانظر الي هذه



[ صفحه 899]



البرية العظيمة أين من يموت فيها حتي يملأها الله قبورا كما تزعمون؟ قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم، فقلت: أين من يموت في هذه البرية حتي تمتلي ء قبورا، و تضاحكنا ساعة اذ انخذل الكاتب في أيدينا، و سرنا حتي دخلنا المدينة.

فقصدت باب أبي الحسن فدخلت اليه وقرأ كتاب المتوكل و قال: أنزلوا فليس من جهتي خلاف، فلما صرت اليه من الغد و كنا في تموز [16] أشد ما يكون من الحر فاذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاض خفاتين [17] له و لغلمانه و قال للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمل من الفراغ منها يومك هذا، و بكر بها الي في هذا الوقت، و نظر الي و قال: يا يحيي اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم و اعمل علي الرحيل غدا في هذا الوقت، فخرجت من عنده و أنا أتعجب منه من الخفاتين و أقول في نفسي: نحن في تموز و حر الحجاز و بيننا و بين العراق عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب؟ و قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج الي هذه الثياب و أتعجب من الروافض حيث يقولون بامامة هذا مع فهمه هذا.

فعدت اليه في الغد في ذلك الوقت فاذا الثياب قد أحضرت و قال لغلمانه: ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس [18] ، ثم قال: ارحل يا يحيي، فقلت في نفسي: و هذا أعجب من الأول يخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتي أخذ معه اللبابيد و البرانس!

فخرجت و أنا أستصغر فهمه، فسرنا حتي اذا وصلنا الي موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت حتي اذا صارت علي رؤوسنا أرسلت علي رؤوسنا بردا مثل الصخور، و قد شد علي نفسه عليه السلام و علي غلمانه الخفاتين، و لبسوا اللبابيد و البرانس، و قال لغلمانه: ادفعوا الي يحيي لبادة و الي الكاتب برنسا، و تجمعنا و البرد يأخذنا حتي قتل من أصحابي ثمانين رجلا، و زالت و عاد الحر كما كان، فقال لي: يا يحيي أنزل من بقي من أصحابك فادفن من مات منهم، فهكذا



[ صفحه 900]



يملأ الله هذه البرية قبورا.

قال: فرميت بنفسي عن دابتي و غدوت اليه فقبلت رجله و ركابه، و قلت: أنا أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبده و رسوله، و أنكم خلفاء الله في أرضه، فقد كنت كافرا و قد أسلمت الآن علي يديك يا مولاي.

قال يحيي: و تشيعت و لزمت خدمته الي أن مضي.

و منها أن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال: كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني يسمي يوسف بن يعقوب، و كان بينه و بين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي: فيم قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت الي حضرة المتوكل و لا أدري ما يراد مني الا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، و قد حملتها لعلي بن محمد الرضا عليهم السلام معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا، و خرج الي حضرة المتوكل و جاءنا بعد أيام قلائل فرحا مسرورا مستبشرا، فقال له والدي: حدثني حديثك.

قال: صرت الي سر من رأي و ما دخلتها قط، فنزلت في دار و قلت: يجب أن أوصل هذه المائة دينار الي ابن الرضا قبل مصيري الي دار المتوكل، و قبل أن يعرف أحد قدومي، و عرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب و أنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره، قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج من البلد، فلا أمنعه حيث يذهب لعلي أقف علي معرفة داره من غير أن أسأل أحدا، فجعلت الدنانير في كاغذ و جعلتها في كمي و ركبت، و كان الحمار يتخرق في الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء، الي أن صرت الي باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فسأل، فقيل: دار ابن الرضا، فقلت: الله أكبر دلالة و الله مقنعة، قال: فاذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم، قال: فانزل، فأقعدني في الدهليز و دخل، فقلت: هذه دلالة أخري؛ من أين عرف اسمي و اسم أبي و ليس في البلد من يعرفني و لا دخلته قط؟

فخرج الخادم فقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها، فناولته اياها و قلت: هذه ثالثة، وجاء فقال: ادخل، فدخلت و هو وحده، فقال: يا يوسف ما آن



[ صفحه 901]



لك؟ [19] فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفي، فقال: هيهات انك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا، يا يوسف ان أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا و الله انها لتنفع، امض فيهما وافيت له فانك ستري ما تحب، فمضيت الي باب المتوكل فنلت كلما أردت و انصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا و هو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات علي النصرانية، و أنه أسلم بعد موت أبيه، و كان يقول: أنا مؤمن ببشارة مولاي عليه السلام.

و منها ما قال أبوهاشم الجعفري أنه ظهر برجل من أهل سر من رأي برص فتنغص عيشه، فأشار اليه أبوعلي الفهري بالتعرض لأبي الحسن، و أن يسأله الدعاء، فجلس له يوما فرآه فقام اليه فقال: تنح عافاك الله - و أشار اليه بيده - تنح عافاك الله - ثلاث مرات - فانخذل و لم يجسر أن يدنو منه، فانصرف و لقي الفهري و عرفه ما قال له، قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فاذهب فانك ستعافي، فذهب و أصبح و قد برأ.

و عن زرافة [20] حاجب المتوكل قال: وقع مشعبذ هندي يلعب بالحقة لم ير مثله، و كان المتوكل لعابا، فأراد أن يخجل عليا عليه السلام، فقال المتوكل: ان أخجلته فلك ألف دينار، قال: فتقدم أن يخبز رقاق خفاف تجعل علي المائدة و أنا الي جنبه، ففعل و حضر علي عليه السلام للطعام و جعل له مسورة عليها صورة أسد، و جلس اللاعب الي جنب المسورة، فمد علي عليه السلام يده الي رقاقة فطيرها اللاعب، كذا ثلاث مرات، فتضاحكوا، فضرب علي عليه السلام يده علي تلك الصورة و قال: خذه، فوثبت الصورة من المسورة و ابتلعت الرجل و عادت الي المسورة فتحيروا و نهض علي بن محمد، فقال له المتوكل: سألتك بالله الا جلست ورددته فقال: و الله لا يري بعدها، أتسلط أعداء الله علي أوليائه؟ و خرج من عنده و لم ير الرجل بعدها.

و أتاه رجل من أهل بيته اسمه معروف، و قال: جئتك و ما أذنت لي، قال: ما علمت بك و أخبرت بعد انصرافك، و ذكرتني بما لا ينبغي، فحلف ما فعلت، و علم أبوالحسن أنه كاذب، فقال: اللهم انه حلف كاذبا فانتقم منه فمات من الغد.



[ صفحه 902]



و منها قال أبوهاشم الجعفري: كان للمتوكل بيت فيه شباك و فيه طيور مصوتة فاذا دخل اليه أحد لم يسمع و لم يسمع، فاذا دخل علي عليه السلام سكتت جميعا، فاذا خرج عادت الي حالها.

و روي حديث زينب الكذابة التي ذكرناها في أخبار الرضا عليه السلام عن الهادي عليه السلام و الله أعلم.

و منها ما روي ابن أرومة قال: خرجت الي سر من رأي أيام المتوكل فدخلت الي سعيد الحاجب و دفع المتوكل أباالحسن عليه السلام اليه ليقتله، فقال لي: أتحب أن تنظر الي الهك؟ فقلت: سبحان الله الهي لا تدركه الأبصار! فقال: الذي تزعمون أنه امامكم؟ قلت: ما أكره ذلك، قال: قد أمرت بقتله و أنا فاعله غدا، فاذا خرج صاحب البريد فادخل عليه، فخرج و دخلت و هو جالس و هناك قبر يحفر، فسلمت عليه و بكيت بكاءا شديدا، فقال: ما يبكيك؟ قلت: ما أري؟ قال: لا تبك انه لا يتم لهم ذلك، و انه لا يلبث أكثر من يومين حتي يسفك الله دمه و دم صاحبه، فوالله ما مضي غير يومين حتي قتل.

و منها أن أبامحمد الطبري قال: تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده عليه السلام، فجاءني نصر الخادم بدرهمين فصنعتهما خاتما، و دخلت علي قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي فشربت قدحا و قدحين و كان ضيقا في اصبعي لا يمكنني ادارته للوضوء، فأصحبت و قد افتقدته، فتبت الي الله تعالي.

و منها أن المتوكل عرض عسكره و أمر أن كل فارس يملأ مخلاة فرسه طينا و يطرحوه في موضع واحد، فصار كالجبل و اسمه تل المخالي، و صعد هو و أبوالحسن عليه السلام و قال: انما طلبتك لتشاهد خيولي، و كانوا لبسوا التجافيف [21] و حملوا السلاح، و قد عرضوا بأحسن زينة و أتم عدة و أعظم هيئة، و كان غرضه كسر قلب من يخرج عليه، فقال له أبوالحسن: فهل أعرض عليك عسكري؟ قال: نعم، فدعا الله سبحانه فاذا بين السماء و الأرض من المشرق الي المغرب ملائكة مدججون [22] .



[ صفحه 903]



فغشي علي المتوكل، فلما أفاق قال له أبوالحسن: نحن لا ننافسكم في الدنيا فانا مشغولون بالآخرة فلا عليك شي ء مما تظن.

و منها روي عن محمد بن الفرج قال: قال لي علي بن محمد: اذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها، وضع الكتاب تحت مصلاك، ودعه ساعة ثم أخرجه و انظر فيه، قال: ففعلت فوجدت جواب المسألة موقعا فيه.

و منها ما رواه أبوسعيد سهل بن زياد قال: حدثنا أبوالعباس فضل بن أحمد بن اسرائيل الكاتب و نحن بداره بسر من رأي، فجري ذكر أبي الحسن عليه السلام، فقال: يا أباسعيد أحدثك بشي ء حدثني به أبي، قال: كنا مع المنتصر و أبي كاتبه، فدخلنا و المتوكل علي سريره، فسلم المنتصر و وقف و وقفت خلفه، و كان اذا دخل رحب به و أجلسه، فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع أخري، و هو لا يأذن له في القعود، و رأيت وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، و يقول للفتح بن خاقان: هذا الذي يقول فيه ما تقول، و يرد عليه القول و الفتح يسكنه و يقول: هو مكذوب عليه و هو يتلظي و يستشيط و يقول: و الله لأقتلن هذا المرائي الزنديق، و هو الذي يدعي الكذب و يطعن في دولتي، ثم طلب أربعة من الخزر أجلافا، و دفع اليهم أسيافا، و أمرهم أن يقتلوا أباالحسن اذا دخل و قال: و الله لأحرقنه بعد قتله، و أنا قائم خلف المنتصر من وراء الستر.

فدخل أبوالحسن و شفتاه يتحركان و هو غير مكترث و لا جازع، فلما رآه المتوكل رمي بنفسه عن السرير اليه و انكب عليه يقبل بين عينيه و يديه و احتمل شقه بيده و هو يقول: يا سيدي يابن رسول الله يا خير خلق الله يابن عمي يا مولاي يا أباالحسن، و أبوالحسن عليه السلام يقول: اعيذك يا أميرالمؤمنين بالله من هذا، فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك، قال: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي، يا فتح يا عبيدالله يا منتصر شيعوا سيدكم و سيدي، فلما بصر به الخزر خروا سجدا، فدعاهم المتوكل و قال: لم لم تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: شدة هيبته و رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، و امتلأت قلوبنا من ذلك، فقال: يا فتح هذا صاحبك وضحك في وجهه و قال: الحمدلله الذي بيض وجهه و أنار حجته (انتهي ما أردت نقله من كتابه رحمه الله تعالي).



[ صفحه 904]




پاورقي

[1] الصعاليك جمع الصعلوك: الفقير.

[2] جمع الأنيق: الحسن المعجب.

[3] و للمحدث العلامة المولي محمد باقر المجلسي رحمه الله في هذا الخبر بيان طويل في وجه ارائته عليه السلام اياه هذه المنازل و كيفيته في وجوه أربعة فراجع البحار ج 12 ص 130 فانه لا يخلو عن فائدة.

[4] و في بعض النسخ «منفرشة» بالنون، و في نسخة «شقراء».

[5] الحانوت: دكان الخمار.

[6] التوبة: 47.

[7] الأحزاب: 66.

[8] النساء: 59.

[9] النساء: 83.

[10] النساء: 58.

[11] الأنبياء: 7.

[12] قلا اللحم و غيره: أنضجه في المقلي.

[13] السقلب: جيل من الناس كما في اللسان و النسبة اليه سقلابي.

[14] هذا هو الظاهر الموافق لنسخة البحار و المحكي عن المصدر لكن في جملة من النسخ «يحيي بن هبيرة».

[15] الشراة: طائفة من الخوارج سموا بذلك لزعمهم أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوها أو شروا أنفسهم بالجنة لأنهم فارقوا أئمة الجور قاله الطريحي في المجمع.

[16] شهر من السنة المسيحية.

[17] الخفاتين جمع الخفتان: نوع من الثياب.

[18] اللبد: اللباس المتلبد من الصوف. و البرنس: كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلا به.

[19] كأن المراد: ما آن لك أن تسلم و تخرج من الضلالة في الدين.

[20] و في نسخة «زراقة» بالقاف و في أخري «زرارة» و لم أقف علي ترجمته في كتب الرجال علي اختلاف النسخ.

[21] قال الفيومي: التجفاف - تفعال بالكسر -: شي ء تلبسه الفرس عند الحرب كأنه درع، قيل سمي بذلك لما فيه من الصلابة و اليبوسة، و قال الجواليني معرب و معناه ثوب البدن.

[22] المدجج: اللابس السلاح لأنه يتغطي به. من دججت السماء اذا تغيمت.