بازگشت

و قال طبرسي في ذكر الامام النقي


و قال الطبرسي في كتابه اعلام الوري: الباب التاسع في ذكر الامام النقي أبوالحسن علي بن محمد بن موسي عليهم السلام، و فيه أربعة فصول:

الفصل الأول

في ذكر مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته و موضع قبره عليه السلام

ولد عليه السلام بصريا من المدينة في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين، و في رواية ابن عياش يوم الثلاثاء الخامس من رجب، و قبض بسر من رأي في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين، و له يومئذ أحد و أربعون سنة و أشهر، و كان المتوكل قد أشخصه مع يحيي بن هرثمة بن أعين من المدينة الي سر من رأي فأقام بها حتي مضي لسبيله، و مدة امامته ثلاث و ثلاثون سنة، و أمه أم ولد يقال لها سمانة.

و ألقابه النقي، و العالم، و الفقيه، و الأمين، و الطيب، و يقال له أبوالحسن الثالث، و كانت في أيامه امامته بقية ملك المعتصم، ثم ملك الواثق خمس سنين و سبعة أشهر، و ملك المتوكل أربع عشرة سنة، ثم ملك ابنه المنتصر ستة أشهر، ثم ملك المستعين و هو أحمد بن محمد بن المعتصم سنتين و تسعة أشهر، ثم ملك المعتز و هو الزبير بن المتوكل ثماني سنين و ستة أشهر، و في آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد عليهماالسلام و دفن في داره بسر من رأي.

الفصل الثاني

في طرف من النص الدال علي امامته عليه السلام

و ذكر أخبارا قد تقدمت تتضمن النص من أبيه عليهماالسلام، و قال: و الأخبار في هذا الباب كثيرة و في اجماع العصابة علي امامته و عدم من يدعيها لغيره غني عن ايراد الأخبار في ذلك، و ضرورة أئمتنا عليهم السلام في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم و تقيتهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم علي من بعدهم الي ما ذكرنا من الاستخراج، حتي أن أوكد الوجوه عندهم في ذلك دلائل العقول الموجبة للامامة، و ما اقترن الي ذلك من حصولها لولد الحسن عليه السلام، و فساد أقوال ذوي النحل الباطلة و بالله التوفيق.



[ صفحه 905]



الفصل الثالث

في ذكر طرف من دلائله عليه السلام و معجزاته و بيناته

قد ذكر في هذا الفصل شيئا مما أوردته، و أنا أذكر من قوله ما انفرد بروايته.

فمنها قال أبوهاشم الجعفري: كنت بالمدينة حين مر بها بغاء أيام الواثق (في طلب الأعراب) فقال أبوالحسن عليه السلام: أخرجوا بنا حتي ننظر الي تعبية هذا التركي، فخرجنا فمر بنا تعبيته و مر بنا تركي، فكلمه أبوالحسن بالتركية، فنزل عن فرسه و قبل حافر دابته، قال: فقلت للتركي: ما قال لك؟ قال: أنبي هو؟ قلت: لا، قال: دعاني باسم سميت أمي به في صغري في بلاد الترك، ما علمه أحد الي الساعة.

و عنه قال: دخلت الي أبي الحسن عليه السلام فكلمني بالهندية، فلم أحسن أن أرد عليه، و كان بين يديه حصا فأخذ حصاة و تركها في فمه و مصها ثلاث مصات و دفعها الي فوضعتها في فمي، فوالله ما برحت من عنده حتي تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا، أولها الهندية.

و عنه قال: خرجت معه عليه السلام الي ظاهر سر من رأي يتلقي بعض الطالبيين فأبطأ، فطرحت له غاشية السرج فجلس عليها، و نزلت فجلست بين يديه و هو يحدثني، فشكوت اليه قصور يدي، فأهوي بيده الي رمل كان عليه جالسا، فناولني منه أكفا و قال: اتسع بهذا يا أباهاشم، أكتم ما رأيت، فخبأته معي و رجعنا فأبصرته فاذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر، فدعوت صايغا الي منزلي و قلت له: اسبك لي هذا سبيكة فسبكه، و قال: ما رأيت ذهبا أجود من هذا، و هو كالرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه؟ قلت: هذا لنا من قديم مدخر.

و حدث أبوطاهر الحسين بن عبدالقاهر الطاهري قال: حدثنا محمد بن الحسين الأشتر العلوي، قال: كنت علي باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الي عباسي الي جندي، و كان اذا جاء أبوالحسن ترجل الناس كلهم حتي يدخل، فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا! و الله لا ترجلنا له، فقال له أبوهاشم الجعفري: و الله لتترجلن له صاغرين اذا رأيتموه، فما هو الا أقبل حتي ترجلوا أجمعين، فقال أبوهاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون؟



[ صفحه 906]



فقالوا: و الله ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا.

قال: و أولم بعض أولاد الخلفاء وليمة، فدعا أباالحسن و دعا الناس، فلما رأوه أنصتوا اجلالا له، و جعل شاب في المجلس لا يوقره و يتحدث و يضحك، فأقبل عليه و قال: يا هذا أتضحك بمل ء فيك و تذهل عن ذكر الله و أنت بعد ثلاث من أهل القبور؟ قال: فقلنا: هذا دليل ننظر ما يكون، فأمسك الفتي و كف و طعمنا و خرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتي و مات في اليوم الثالث و دفن فيه.

و قال سعيد: اجتمعنا في وليمة لبعض أهل سر من رأي و أبوالحسن معنا، فجعل رجل يعبث و يمزح و لا يري له جلالة، فأقبل علي جعفر و قال: أما انه لا يأكل من هذا الطعام و سيرد عليه من خبر أهله ما ينغص عيشه، فلما قدمت المايدة قال جعفر: ليس بعد هذا خبر، فوالله لقد غسل الرجل يده و أهوي الي الطعام فدخل غلامه و هو يبكي و يصرخ و قال: الحق أمك فقد وقعت من السطح و هي في الموت، قال جعفر: فقلت: و الله لا وقفت بعد هذا فيه و قطعت عليه، و الروايات في هذا الباب كثيرة و فيما أوردناه كفاية.

الفصل الرابع

في ذكر طرف من خصايصه عليه السلام و أخباره

ذكر في هذا الفصل حديث اشخاصه من المدينة و حديث خان الصعاليك الذي أنزل فيه عند قدومه سر من رأي، قال: و كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب فيها آيات و دلالات ذكرنا بعضها، و في ايراد جميعها خروج عن الغرض في الايجاز.

و له من الأولاد ابنه أبومحمد الحسن الامام بعده، و الحسين، و محمد، و جعفر الملقب بالكذاب، و ابنته غالية، و كان مقامه بسر من رأي الي أن توفي عليه السلام عشرين سنة و أشهرا.

قال أفقر عباد الله تعالي الي رحمته علي بن عيسي أغاثه الله في الدنيا و الآخرة برحمته: شرف مولانا الهادي عليه السلام قد ضرب علي المجرة قبابه، و مد علي النجوم أطنابه، و وصل بأسباب السماء أسبابه، فما تعد منقبة الا و له نخيلتها و لا تذكر



[ صفحه 907]



كريمة الا و له فضيلتها، و لا تورد حسنة الا و له تفصيلها و جملتها، و لا تستعظم حالة سنية الا و تظهر عليه أدلتها استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرد بخصايصه، و مجد حكم فيه علي طبعه الكريم، فحفظه من الشوب حفظة الراعي لقلايصه [1] فكانت نفسه مهذبة، و أخلاقه مستعذبة، و سيرته عادلة و خلاله فاضلة، و مباره الي العفاة واصلة، و رباع العرف بوجوده وجودة أهله جري من الوقار و السكينة و السكون و الطمأنينة، و العفة و النزاهة و الخمول في النباهة، و الشفقة و الرأفة، و الحزم و الحصافة، و الحنو علي الأقارب و الأباعد، و الحدب علي الولي و الحاسد، علي و تيرة نبوية و شنشنة علوية و نفس قدسية، لا يقاربها أحد من الأنام و لا يدانيها، و طريقة لا يشاركه فيها خلق و لا يطمع فيها.



ان السري اذا سري بنفسه

و ابن السري اذا سري أسراهما



اذا قال بذ الفصحاء، و حير البلغاء، و أسكت العلماء، ان جاد بخل الغيث، و ان صال جبن الليث، و ان فخر أذعن كل مساجل، و سلم اليه كل مناضل، و أقر لشرفه كل شريف، و ان طاول الأفلاك و نافر الأملاك، و اعترف أنه ليس هناك، و ان ذكرت العلوم فهو عليه السلام موضح أشكالها و فارس جلادها و جدالها و ابن نجدتها و صاحب أقوالها، و اطلاع نجادها، و ناصب أعلام أعقالها.

هذه صفاته التي تتعلق بذاته، و علاماته الدالة علي معجز آياته، فان أتي الناس بآبائهم أتي بقوم أخبر بشرفهم هل أتي، و دلت علي مناصبهم آية المباهلة، و ان عتا عن قبولها من عتا، و نطق القرآن الكريم بفضلهم، و نبه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي نبلهم، و لم يسأل علي التبليغ أجرا الا ودهم، و بالغ في العهد بأحسنوا خلافتي في أهلي، فما حفظوا عهده و لا عهدهم، فهم عليهم السلام أمناء الله و خيرته، و خلفاؤه علي بريته و صفوته، المشار اليهم بآداب القرآن المجيد، المخاطبون ب (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد) الذين هم علي أولياء الله أرق من الماء، و علي أعدائه أقسي من الحديد، و أجواد و السحاب باخل، أيقاظ في اللقاء و الليث ذاهل، قلوبهم حاضرة، و وجوههم ناضرة، و ألسنتهم ذاكرة، و اذا كان لغيرهم دنيا فلهم دنيا و آخرة، صلي الله عليهم صلاة يقتضيها كرم الله، و استحقاقهم الكامل، و هذان سببان يوجبان الحصول



[ صفحه 908]



لوجود الفاعل و القابل، و قد مدحت مولانا أباالحسن عليه السلام بما أرجو ثوابه في العاجل و الآجل، و أنا معترف بالتقصير و الله عند لسان كل قائل، و هو:



يا أيهذا الرايح الغادي

عرج علي سيدنا الهادي



و اخلع اذا شارفت ذاك الثري

فعل كليم الله في الوادي



و قبل الأرض وسف تربة

فيها العلي و الشرف العادي



و قل سلام الله وقف علي

مستخرج من صلب أجواد



مؤيد الأفعال ذو نائل

في المحل يروي غلة الصادي



يفوق في المعروف صوب الحيا

الساري بابراق و ارعاد



في البأس يردي شافه المعتدي

بصولة كالأسد العادي



وفي الندي يجري الي غاية

بنفس مولي العرف معتاد



يعفو عن الجاني و يعطي المني

في حالتي وعد و ايعاد



كأن ما يحويه من ماله

دراهم في كف نقاد



مبارك الطلعة ميمونها

و ماجد من نسل أمجاد



من معشر شادوا بناء العلي

كبيرهم و الناشي الشادي



كأنما جودهم واقف

لمبتغي الجود بمرصاد



عمت عطاياهم و احسانهم

طلاع أغوار و أنجاد



في السلم أقمار و ان حاربوا

كانت لهم نجدة آساد



ولاؤهم من خير ما نلته

و خير ما قدمت من زاد



اليهم سعيي و في حبهم

و مدحهم نصي و اسنادي



يا آل طه أنتم عدتي

و وصفكم بين الوري عادي



و شكركم دأبي و ذكري لكم

همي و تسبيحي و أورادي



و يعجب الشيعة ما قلته

فيكم و يستحلون ايرادي



بدأتم بالفضل و ارتحتم

الي العلي و الفضل للبادي



ولي أمان فيكم جمة

تقضي باقبالي و اسعادي



و واجب في شرع احسانكم

أنالني الخير و امدادي



لا زال قلبي لكم مسكنا

في حالتي قرب و ابعادي


پاورقي

[1] جمع القلوص: الشابة من الابل.