بازگشت

مقدمة البحث


قبل أن نخوص في أغوار البحث، لابد من الاشارة الي نقطتين أساسيتين تمثلان منهج البحث و هما: -

النقطة الأولي: - ان الروايات تمثل و تجسد العمود الفقري للبحث.

و هذه النقطة الحساسة لها وجهان، يجب التمييز و التفريق بينهما و هما: -

أ/ الوجه الاعجازي للامام (ع).

ب / الوجه المنطلق من قوة تنظيم الحركة الرسالية بقيادة الامام (ع). و لنمثل مثالا للوجه الأول:



[ صفحه 6]



«عن جعفر الفزاري، عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت علي أبي الحسن (ع) فكلمني بالهندية، فلم أحسن ان أرد عليه، و كان بين يديه ركوة ملأ بالحصي فتناول حصاة واحدة و وضعها في فيه و مصها مليا ثم رمي بها الي فوضعتها في فمي، فو الله ما برحت من عنده حتي تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا أولها الهندية» [1] .

و لنضرب أيضا مثالا عن الوجه الآخر: -

«روي عن خيران الاسباطي قال: قدمت المدينة علي أبي الحسن (ع) فقال لي: ما فعل الواثق؟ فقلت: هو في عافية، قال: و ما يفعل جعفر (المتوكل)؟ قلت تركته أسوء الناس حالا في السجن قال: و ما يفعل ابن الزيات؟ قلت الأمر أمره و أنا منذ عشرة أيام من هناك قال: مات الواثق، و قد قعد المتوكل جعفر، و قتل ابن الزيات قلت: متي؟ قال: بعد خروجك بستة أيام و كان كذلك» [2] .

تصنف هذه الرواية في باب معجزات و مكارم الامام (ع)، و لكننا اذا أمعنا النظر فيها، و تفحصناها جيدا، نري ان الفارق الزمني بين وصول خيران الاسباطي الي الام (ع) في المدينة، و بن علم الامام بالانقلاب العسكري هو أربعة أيام.



[ صفحه 7]



و نظرا، لكون الحدث في غاية الخطورة، و الأهمية القصوي، حيث يقرر مصير الأمة، فلابد أن يصل الي أسماع الامام (ع) بالسرعة الفائقة و المطلوبة، و - هنا - يكون مجال التساؤل و مضمار الغرابة و التعجب.

و الامام (ع) يخبرنا هنا مؤكدا علي عدم استخدامه القوة الغيبة الالهية في هذا الأمر حيث قال «بعد خروج بستة أيام و كان كذلك» -. أي عبد خروجك بستة أيام وصلنا الخبر.

أما ما يقوله بعض المؤرخين عن استخدام الامام (ع) للقوة الغيبية الالهية في هذه الحادثة، و يبررون و يعللون قولهم ذلك باستحالة وصول الخبر في ستة أيام، نظرا لكون المواصلات آنذاك بدائية، و ما يترتب علي السفر حينذاك من مخاطر جمة..

أولئك نقول لهم: ان الهيكل التنظيمي للحركة الرسالية هو كفيل بان يقوم بمهمة ايصال الخبر بهذه السرعة المضاعفة تقريبا.

و في رواية اخري عن خيران الاسباطي تثبت لنا ما نقوله، و توضح لنا - أيضا - تبني المؤرخين تحليلات الرواة الشخصية بغض النظر عن صحتها او خطئها...

تقول الرواية: «ابن قولويه عن الكليني، عن الحسن بن محمد، عن المعلي، عن الوشاء، عن خيران الاسباطي قال، قدمت علي ابي الحسن



[ صفحه 8]



علي بن محمد عليهماالسلام المدينة، فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خلفته في عافية، أنا اقرب الناس عهدا به، عهدي به منذ عشرة أيام، فقال لي: ان اهل المدينة يقولون انه مات [فلما قال ان الناس يقولون انه مات علمت انه يعني نفسه]، ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت تركته أسوأ الناس حالا في السجن.. الخ.» [3] .

لا حظوا، ان خيران الاسباطي - و من خلال الرواية، كان يمثل دور رجل المخابرات، و لا ادل علي ذلك اسئلة الامام (ع) الموجهة اليه، و قول خيران - «ان اقرب الناس عهدا به» - اي انا اقرب الناس عهدا بمراقبته و اخباره... هذا أولا.

ثانيا: - اراد الامام (ع) ان يعطي خيران درسا من دون ان يتهمه بالتقصير، حينما نسب طريقة وصول الخبر الي الناس من أهل المدينة، فما بالك من الجماهير التي تقطن خارج المدينة، و اقرب الي مكان الحدث بما يقارب نصف المسافة المقطوعة تقريبا، ناهيك عن مرور خيران بالمدن و القري... التي يسكنها تلك الجماهير.. و خبر كهذا ينتشر كما تنتشر النيران في الهشيم... فكيف لا يعرفه خيران و هو رجل المخابرات و القريب من الحدث؟!

النقطة الثانية: - ان المعطيات التاريخية عن حقبة الامام الهادي (ع)،



[ صفحه 9]



كانت مقتصرة في العصر العباسي علي حكم المتوكل.

و لعل السبب في ذلك - كما يقول العلامة السيد محمدتقي المدرسي: -

[ابان ظروف الارهاب و القتل و الملاحقة لانصار الحركة الرسالية و لنشاطاتهم لكثير من وقائع التاريخ، كما منعت المؤرخين من قول حقائق معاناتهم الا ان الذي دون و وصل الينا فعلا، كان مقدارا لا بأس به، بالرغم من ان قسما منه صادرته السلطات الحاكمة و احرقته.

و هناك جانب آخر و هو: ان المؤرخين كانت تمنعهم ظروف السلطات الارهابية من تبيان الحقائق حول الاحداث التاريخية، و هذه مشكلة يواجهها تاريخنا الاسلامي دائما حيث تلعب السياسة بالحقائق التاريخية... هذا ان لم تمنعهم اسباب اخري أيضا] [4] .

من جهة اخري ان الامام (ع) عاصر حكم المتوكل الذي دام 15 سنة، و هذا يعني ان ما يقارب 46 درصد من امامته البالغة 33 سنة كانت في حكم نظام المتوكل، الذي شهد احداثا كثيرة...

و من المعروف، ان الامام الهادي (ع) عاصر اكثر من 20 ثورة و انتفاضة في مختلف ارجاء البلاد الاسلامية آنذاك، و البالغة اليوم 79 دولة - أي نصف المعمورة آنئذ -.



[ صفحه 10]



و كان جميع او معظم قواد تلك الثورات و الانتفاضات ممن ينتسبون الي الامام علي بن ابي طالب (ع) فعلي سبيل المثال، ثار محمد بن صالح ابن عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع)، و قد ثار في «سويقة» - كما ثار - أيضا - الحسن بن زيد مع محمد بن اسماعيل بن زيد في طبرستان و نواحي الديلم فغلب السلطات العباسية المتواجدة هناك. و ربما هو الوحيد الذي انتصر في تلك الفترة... [5] .

كما ان المتوكل كان من اشد الحكام العباسيين ارهابا، و اكثرهم حقدا علي آل أبي طالب، لذا فانه يحتل الصدارة في التنكيل و البطش... و يكون النموذج الارهابي لاولئك الحكام الطغاة.

يقول أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: -

(و كان المتوكل شديد الوطأة علي أل ابي طالب، غليظا علي جماعتهم، مهتما بامورهم، شديد الغيظ و الحقد عليهم، و سوء الظن و التهمة لهم، و اتفق له ان عبيدالله بن يحيي بن خاقان وزيره يسي ء الرأي فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه احد من خلفاء بني العباس قبله، و كان من ذلك ان كرب قبر الحسين و عفي آثاره، و وضع علي سائر الطرق مسالح له «جند مسلحين» لا يجدون احدا زاره الا اتوه به فقتله أو انهكه عقوبة» [6] .



[ صفحه 11]



و يقول الشيخ محمدجواد مغنية عن ممارسات المتوكل الأرهابية:

(و لم يكتف المتوكل بتنكيل الأحياء، حتي عتدي علي قبور الاموات فهدم قبر الحسين (ع) و ما حوله من المنازل و الدور و منع الناس من زيارته، و نادي مناديه من وجدناه عند قبر الحسين حبسناه في المطبق - سجن تحت الأرض - فقال الشاعر:



تالله ان كانت امية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد اتاه بنو ابيه مثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما [7] .

و يذكر لنا التاريخ هذه الرواية التي توضح لنا مدي بغض و حقد السلطة العباسية، و بطشها لمن ابدي محبة و ولاء لآل البيت تقول الرواية: «انه اتي رجل خائف الي الامام (ع) و هو يرتعد و يقول، ان ابني اخذ بمحبتكم و الليلة يرمونه من موضع كذا و يدفنونه تحته...» [8] .

و لقد بلغ المتوكل ذروة سياساته الارهابية، و اوج اعماله التعسفية تجاه آل ابي طالب، و ذلك عن طريق تضييق الخناق عليهم، و بفرضه حصارا اقتصاديا و مقاطعة اجتماعية..



[ صفحه 12]



يقول أبوالفرج في مقاتل الطالبيين:

(و استعمل علي المدينة و مكة عمر بن الفرج الرخجي، فمنع آل ابي طالب من التعرض لمسألة الناس، و منع الناس من البر بهم، و كان لا يبلغه ان احدا أبر احدا منهم بشي ء و ان قل الا انهكه عقوبة، و اثقله غرما، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه و يجلسن علي مغازلهن عواري حواسر) [9] .

و هكذا، كانت الحركة الرسالية تعيش في عصر المتوكل صراعا داميا بغض النظر عما يقوله بغض الكتاب بان الامام مارس السلبية السياسية، و نسوا ان الامام (ع) شخصية مبدئية، بكل ما تعني المبدئية؟!

ان هذه الاحداث المستعرضة و غيرها، طفقت بالشعراء، لان يجسدوا لنا الوضع السياسي القائم انذاك، فيقول احدهم:



تالله ما فعلت أمية فيهم

معشار ما فعلت بنو العباسي



و المتوكل في ذلك الوقت نموذج ارهابي، فهل يسكت عنه الامام (ع)؟ و هو الذي يقول في زيارة الجامعة مخاطبا الائمة (ع):

«قادة الامم... وساسة العباد،



[ صفحه 13]



و اركان البلاد... مبغض لاعدائكم و معاد لهم سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم... و برئت الي الله عزوجل من اعدائكم و من الجبت و الطاغوت و الشياطين و حزبهم الظالمين لكم و الجاحدين لحقكم؟ و المارقين من ولايتكم و الغاصبين لارثكم... الخ» [10] .

و عن كتاب أعيان الشيعة ان الامام قال للمتوكل في محادثة دارت بينهما:

«لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه و لا الوفاء ممن غدرت به و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له» [11] .

و كما هو واضح، فان هذ العبارات تمثل تهديدا عنيفا و حادا لشخص المتوكل و نظامه، و هذا الشخص لا يجرؤ عليه الا من هو اقوي منه.

اذن، كان لزاما ان تكون المعطيات التأريخية بهذا الحجم و المقدار،



[ صفحه 14]



فالمدة الزمنية لحكم المتوكل الطويلة نسبيا - قياسا - مع الحكام الآخرين، و الاحداث العاصفة و الخطيرة آنذاك، جعلت من الصعب علي المؤرخين و السلطات طمسها و منعها من الظهور و الوصول الينا و ان قلت مادتها.


پاورقي

[1] بحارالأنوار، ج 5 ص 136.

[2] بحارالأنوار ج 5 ص 151.

[3] بحارالأنوار ج 5 ص 158.

[4] التأريخ الاسلامي ص 389.

[5] للمزيد يراجع كتاب مقاتل الطالبيين ص 397 الي ص 418.

[6] مقاتل الطالبيين ص 395.

[7] مناقب آل أبي طالب ص 416.

[8] مناقب آل أبي طالب ص 416.

[9] مقاتل الطالبيين ص 396.

[10] ضياء الصالحين ص 389.

[11] أعيان الشيعة ج 1 ق 2 ص 180.