سياسات التهم الملفقة عبر التجسس الاعمي
أخذ الضعف يدب في هيكل النظام العباسي، و بدأت ملامحه و مظاهره
[ صفحه 51]
تظهر جليا عبر الهزائم السياسية المتكررة التي مني بها النظام علي يد الامام (ع) و نتيجة للفشل الذريع الذي تمخض عن مؤامراته و دسائسه، و ما افرزته - تلك - من انعكاسات و تأثيرات سلبية علي نظام حكم المتوكل.
لذلك، سعي نحو سياسات التهم الملفقة و المزورة عبر عيونه التي لا تبصر و لا تري، و خصوصا انها لا تتطلب اكثر من لقلقة لسان..
الرواية التالية تحدثنا عن اتهام الامام (ع) بحيازة الكتب و الاسلحة و تدبير محاولة انقلابية ضد النظام القائم..
و السؤال: انهم بعد مداهمتهم الليلية للبيت، و اقتحامه علي حين غره هل وجدوا مستمسكات تدين الامام (ع) و تثبت صحة التهمة المنسوبة اليه؟ ام لا؟
بالطبع، انهم لم يعثروا علي شي ء مما ارادوه.. اذن ما هو تفسير ذلك؟
الجواب: انها سياسة التهم الملفقة اي سياسة الضعف و العجز التي ينتهجها حاليا احفاد المتوكل من الانظمة الرجعية المتسلطة علي رقاب الشعوب الاسلامية...
تقول الرواية: «قال المسعودي في مروج الذهب: سعي الي المتوكل بعلي بن محمد الجواد (ع) ان في منزله كتبا و سلاحا [1] من شيعته من اهل
[ صفحه 52]
قم، و انه عازم علي الوثوق بالدولة، فبعث اليه جماعة من الاتراك، فهجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا، و وجدوه في بيت مغلق عليه، و عليه مدرعة من صوف، و هو جالس علي الرمل و الحصي و هو متوجه الي الله تعالي يتلوا آيات من القرآن.
(لا حظوا ان الامام (ع) يبدي مظلوميته، و عدالة قضيته لكسب الاعداء... حتي انه في بعض المداهمات يدل الاعداء و يعاونهم علي التفتيش) [2] .
نتابع الرواية: فحمل علي حالة تلك الي المتوكل و قالوا له: لم نجد في بيته شيئا و وجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، و كان المتوكل جالسا في مجلس الشرب فدخل عليه و الكأس في يد المتوكل.
فلما رآه هابه و عظمه و اجلسه الي جانبه، و ناوله الكأس التي كانت في يده..
ملاحظة: -
«نحن هنا نري مواجهة بين النقيضين، الامام (ع) المتوكل، الحق و الباطل، و كلاهما يسعي لان يحتوي الآخر و يكسبه...»
و تمضي الرواية قائلة:
[ صفحه 53]
فقال (ع): و الله ما يخامر لحمي و دمي قط، فاعفني فاعفاه، فقال انشدني شعرا فقال (ع): اني قليل الرواية للعشر فقال: لابد، فانشده (ع) و هو جالس عنده:
(لا حظوا ان المتوكل هنا اراد ان يخرج الامام (ع) بأصراره و الحاحه عليه، و ذلك لكون الامام (ع) قليل الرواية، و لكنه - اي المتوكل - غفل عن ما يهدف اليه الامام (ع)... لان الشعر الذي سيأتي به ليس مدحا او ثناءا له، و انما لا ثارة عقله، و غسل ضميره من اوحال الكفر... الامر الذي يخالف شهوات المتوكل و مزاجه.. لكن الامام (ع) بهذا الاسلوب استطاع ان ينشد قصيدته، و يبكي المتوكل و الحاضرين معه في مجلسه من دون ان يقاطع او يشار اليه بالسكوت نظرا لرفضه من قبل و اصرار المتوكل عليه...)
فانشده الامام (ع):
باتوا علي قلل الاجبال تحرسهم
غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
و استنزلوا بعد عز من معاقلهم
و اسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم
اين الاساور و التيجان و الحلل
اين الوجوه التي كان منعمة
من دونها تضرب الاستار و الكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكوا دهرا و قد شربوا
فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا
و طالما عمروا دارا لتحضنهم
ففارقوا الدور و الاهلين و انتقلوا
و طالما كنزوا الاموال و ادخروا
فخلوفوها علي الاعداء و ارتحلوا
[ صفحه 54]
اضحت منازلهم قفرا معطلة
و ساكنوها علي الاجداث قد رحلوا
قال: فبكي المتوكل حتي بلت لحيته دموع عينه و بكي الحاضرون، و دفع الي علي (ع) اربعة آلاف دينار، ثم رده الي منزله مكرما» [3] .
و هنا لابد ان نقول: -
1 / ان لم يهتدي المتوكل، فقد اهتدي بعض الحاضرين، فان لم يهتدوا، فقد مهد لهدايتهم... و بلغهم الحجة الواضحة..
2 / الاستفادة من اموال السلطة.
بعد ان فرغ الامام (ع) من القصيدة قال له المتوكل: «أباالحسن، اعليك دين؟ قال: اربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه» [4] .
3 / نفي التهم المنسوبة اليه عبر ابيات القصيدة.. و انه رجل آخره..
پاورقي
[1] في مروج الذهب ج 4 [سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته] ص 93.
[2] بحارالأنوار ج 50 [سعاية البطحائي] ص 199.
[3] بحارالأنوار ج 50 ص 211.
[4] مروج الذهب ج 4 ص 94.