في احضاره كرها الي مجلس المتوكل
و قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد عليه السلام الي المتوكل و قيل له: ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته، فوجه اليه ليلا من الأتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله، علي غفلة ممن في داره، فوجده في البيت وحده، مغلق عليه، و عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف متوجها الي ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد.
[ صفحه 50]
فأخذ علي ما وجد عليه و حمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس، فلما رآه عظمه و أجلسه الي جنبه، و لم يكن في منزله شي ء مما قيل فيه، و لا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده.
فقال عليه السلام: يا أمير ما خامر [1] لحمي و دمي قط، فأعفني منه.
فعفاه و قال: أنشدني شعرا أستحسنه.
فقال عليه السلام: اني لقليل الرواية للأشعار.
فقال: لا بد أن تنشدني، فأنشده عليه السلام:
أين الملوك و أبناء الملوك و من
قادوا الجيوش ألا يا بئس ما فعلوا
باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما أغناهم القلل
و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم [2] .
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
أين الأسرة [3] و التيجان و الحلل
أبن الوجوه التي كانت منعمة؟
من دونها تضرب الأستار و الكلل [4] .
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا و ما شربوا
و أصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادخروا
فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا
أضحت منازلهم قفرا معطلة
و ساكنوها الي الأجداث [5] قد رحلوا
قال: فأشفق من حضر علي علي عليه السلام و ظنوا أن بادرة تبدر منه اليه.
[ صفحه 51]
قال: والله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته، و بكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له يا أباالحسن أعليك دين؟
قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه ورده الي منزله من ساعته مكرما [6] .
پاورقي
[1] أي خالط و داخل فيه.
[2] جمع معقل و هو الملجأ أو الجبل المرتفع.
[3] جمع سرير و هو التخنت، و يغلب علي تخت الملك.
[4] كلل: جمع كله بكسر الكاف و هي الستر الرقيق.
[5] أجداث: جمع جدث بفتح الأولين و هو القبر.
[6] الأنوار البهية للشيخ عباس القمي ص 245 - 243.