بازگشت

اجابته في الرد علي أهل الجبر و التفويض


1 - من علي بن محمد؛ سلام عليكم و علي من اتبع الهدي و رحمة الله و بركاته؛ فانه ورد علي كتابكم و فهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم و خوضكم في القدر و مقالة من يقول منكم بالجبر و من يقول بالتفويض و تفرقكم في ذلك و تقاطعكم و ما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه و بيانه لكم و فهمت ذلك كله.

اعلموا رحمكم الله انا نظرنا في الآثار و كثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله جل و عز لا تخلو من معنيين: اما حق فيتبع و اما باطل فيجتنب. و قد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق و في حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب و تحقيقه، مصيبون، مهتدون، و ذلك بقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «لا تجتمع أمتي علي ضلالة» فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق، هذا اذا لم يخالف بعضها بعضا. و القرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله و تصديقه: اذا شهد القرآن بتصديق خبر و تحقيقه و أنكر الخبر طائفة من الامة لزمهم



[ صفحه 56]



الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل علي تصديق الكتاب، فان [هي] جحدت و أنكرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب و تصديقه و التماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وجد بموافقة الكتاب و تصديقه بحيت لا تخالفه أقاويلهم؛ حيث قال: «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي - أهل بيتي - لن تضلوا ما تمسكتم بهما و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض». فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل وعز: (انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون - و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون). [1] وروت العامة في ذلك أخبارا لأميرالمؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه و هو راكع فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه. فوجدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أتي بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» و بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي» و وجدناه يقول: «علي يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي عليكم من بعدي».

فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، و هو أيضا موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر و هذه الشواهد الاخر لزم علي الأمة الاقرار بها ضرورة اذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة و وافقت القرآن و القرآن وافقها. ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن الصادقين عليهم السلام و نقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا علي كل مؤمن و مؤمنة لا يتعداه الا أهل العناد. و ذلك أن أقاويل آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متصلة بقول الله و ذلك مثل قوله في محكم كتابه: (ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد



[ صفحه 57]



لهم عذابا مهينا) [2] و وجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «من آذي عليا فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله و من آذي الله يوشك أن ينتقم منه» و كذلك قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «من أحب عليا فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله». و مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم في بني وليعة: «لأبعثن اليهم رجلا كنفسي يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قم يا علي فسر اليهم» [3] و قوله صلي الله عليه و آله و سلم يوم خيبر: «لأبعثن اليهم غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله عليه». فقضي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما كان من الغد دعا عليا عليه السلام فبعثه اليهم فاصطفاه بهذه المنقبة و سماه كرارا غير فرار، فسماه الله محبا لله و لرسوله، فأخبر أن الله و رسوله يحبانه.

و انما قدمنا هذا الشرح و البيان دليلا علي ما أردنا و قوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين و بالله العون و القوة و عليه نتوكل في جميع أمورنا. فانا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام: «لا جبر و لا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين و هي صحة الخلفة و تخلية للسرب [4] و المهلة في الوقت و الزاد مثل الراحلة و السبب المهيج للفاعل علي فعله»، فهذه خمسة أشياء جمع به الصادق عليه السلام جوامع الفضل، فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه، فأخبر الصادق عليه السلام بأصل ما يجب علي الناس من طلب معرفته و نطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لأن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و آله عليهم السلام لا يعدو شي ء من قوله و أقاويلهم حدود القرآن، فاذا وردت



[ صفحه 58]



حقائق الأخبار و التمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا و عليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه الا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب. و لما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليه السلام من المنزلة بين المنزلتين و انكاره الجبر و التفويض وجدنا الكتاب قد شهد و صدق مقالته في هذا و خبر عنه أيضا موافق لهذا، أن الصادق عليه السلام سئل هل أجبر الله العباد علي المعاصي؟ فقال الصادق عليه السلام: هو أعدل من ذلك. فقيل له: فهل فوض اليهم؟ فقال عليه السلام: هو أعز و أقهر لهم من ذلك. و روي عنه أنه قال: الناس في القدر علي ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الأمر مفوض اليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك. و رجل يزعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و كلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله حكمه فهو هالك. و رجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون و لم يكلفهم ما لا يطيقون، فاذا أحسن حمدالله و اذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فأخبر عليه السلام أن من تقلد الجبر و التفويض و دان بهما فهو علي خلاف الحق فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، و أن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.

ثم قال عليه السلام: و اضرب لكل باب من هذه الأبواب مثل يقرب المعني للطالب و يسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب و تحقق تصديقه عند ذوي الالباب و بالله التوفيق و العصمة.

فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل وعز أجبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها و من قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه و كذبه ورد عليه قوله: (و لا يظلم ربك أحدا) [5] و قوله: (ذلك بما قدمت يداك و ان الله ليس بظلام للعبيد) [6] و قوله: (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم



[ صفحه 59]



يظلمون) [7] مع آي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم أنه مجبر علي المعاصي فقد أحال بذنبه علي الله و قد ظلمه في عقوبته. و من ظلم الله فقد كذب كتابه. و من كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجماع الامة. و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه و لا يملك عرضا من عرض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه فأمره علي علم منه بالمصير الي السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته و علم المالك أن علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضي به من الثمن و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة و نفي الجور و أوعد عبده ان لم يأته بحاجته أن يعاقبه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة و نفي الجور و أوعد عبده ان لم يأته بحاجته أن يعاقبه علي علم منه بالرقيب الذي علي حاجته أنه سيمنعه و علم أن المملوك لا يملك ثمنها و لم يملكه ذلك، فلما صار العبد الي السوق و جاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولي لها وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء و ليس يملك العبد ثمنها، فانصرف الي مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك و عاقبه عليه. أليس يجب في عدله و حكمه أن لا يعاقبه و هو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا و لم يملكه ثمن حاجته، فان عاقبه، عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته و ان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين أوعده بالكذب و الظلم اللذين ينفيان العدل و الحكمة. تعالي عما يقولون علوا كبيرا، فمن دان بالجبر أو بما يدعو الي الجبر فقد ظلم الله و نسبه الي الجور و العدوان، اذ أوجب علي من أجير [ه] العقوبة. و من زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب علي قياس قوله ان الله يدفع عنهم العقوبة. و من زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: (بلي من سكب سيئة و أحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب



[ صفحه 60]



النار هم فيها خالدون). [8] و قوله: (ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا). [9] و قوله: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما) [10] ، مع آي كثيرة في هذه الفن ممن كذب وعيد الله و يلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر و هو ممن قال الله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل ما يعملون) [11] بل نقول: ان الله جل و عز يجازي العباد علي أعمالهم و يعاقبهم علي أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها، فأمرهم و نهاهم بذلك و نطق كتابه: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها و هم لا يظلمون). [12] و قال جل ذكره: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا أو ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه). [13] و قال: (اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم). [14] فهذا آيات محكمات تنفي الجبر و من دان به. و مثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب و بالله التوفيق.

و أما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و أخطأ من دان به و تقلده فهو قول القائل: ان الله جل ذكره فوض الي العباد اختيارا أمره و نهيه و أهملهم. و في هذا كلام دقيق لمن يذهب الي تحريره و دقته. و الي هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فانهم قالوا: لو



[ صفحه 61]



فوض اليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضي ما اختاروه و استوجبوا منه الثواب و لم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعا. و تنصرف هذه المقالة علي معنيين: اما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن، أو يكون جل و عز عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي ارادته كرهوا أو أحبوا ففوض أمره و نهيه اليهم و أجراهما علي محبتهم اذ عجز عن تعبدهم، بارادته فجعل الاختيار اليهم في الكفر و الايمان و مثل ذلك رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته و يقف عند أمره و نهيه، و ادعي مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب و أوعده علي معصيته أليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه و لم يقف عند أمره و نهيه فأي أمر أمره أو أي نهي نهاه عنه لم يأته علي ارادة المولي بل كان العبد يتبع ارادة نفسه و اتباع هواه و لا يطيق المولي أن يرده الي اتباع أمره و نهيه و الوقوف علي ارادته، ففوض اختيار أمره و نهيه اليه و رضي منه بكل ما فعله علي ارادة العبد لا ارادة المالك و بعثه في بعض حوائجه و سمي له الحاجة فخالف علي مولاه و قصد لارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الي مولاه نظر الي ما أتاه به فاذا هو خلاف ما أمره به، فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: اتكلت علي تفويضك الامر الي فاتبعت هواي و ارادتي، لان المفوض اليه غير محظور عليه فاستحال التفويض.

أو ليس يجب علي هذا السبب اما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره و نهيه علي ارادته لا علي ارادة العبد و يملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به و ينهاه عنه، فاذا أمره بأمر و نهاه عن نهي عرفه الثواب و العقاب عليهما. و حذره و رغبه بصفة ثوابه و عقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لامره و نهيه و ترغيبه و ترهيبه، فيكون عدله و انصافه شاملا له و حجته واضحة عليه للاعذار و الانذار. فاذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه و اذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمره اليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصي، عاجز عن عقوبته



[ صفحه 62]



ورده الي اتباع أمره. و في اثبات العجز نفي القدرة و التأله و ابطال الامر و النهي و الثواب و العقاب و مخالفة الكتاب اذ يقول: (و لا يرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم) [15] و قوله عزوجل: (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم مسلمون) [16] و قوله: (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون - ما اريد منهم من رزق و ما اريد أن يطعمون) [17] و قوله: (اعبدوا الله و لا تشركون به شيئا) [18] و قوله: (و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون).

فمن زعم أن الله تعالي فوض أمره و نهيه الي عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير و شر و أبطل أمر الله و نهيه و وعده و وعيده، لعلة ما زعم ان الله فوضها اليه لان المفوض اليه يعمل بمشيئته، فان شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه و لا محظور، فمن دان بالتفويض علي هذا المعني فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده و وعيده و أمره و نهيه و هو من أهل هذه الآية (افتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي اشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون) [19] تعالي عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.

لكن نقول: ان الله جل و عز خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم و نهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره و رضي بذلك لهم. و نهاه عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها و لله الخيرة في الأمر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به و ينهي عما يكره و يعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عبادة لاتباع أمره و اجتناب معاصيه، لأنه ظاهر



[ صفحه 63]



العدل و النصفة و الحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار و الانذار و اليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته و احتجاجه علي عباده، اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و بعثه برسالاته الي خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسدا و استكبارا: (لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) [20] يعني بذلك امية بن أبي الصلت و أبامسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم و لم يجز لهم آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا و رحمة ربك خير مما يجمعون). [21] و لذلك اختاروا من الامور ما أحب و نهي عما كره، فمن أطاعه اثابه. و من عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره الي عباده لاجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت و أبي معسود الثقفي، اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

فلما أدب الله المؤمنينن بقوله: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [22] ، فلم يجزلهم الاختيار باهوائهم و لم يقبل منهم الا اتباع أمره و اجتناب نهيه علي يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد و من عصاه ضل و غوي و لزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره و اجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه و أنزل به عقابه.

و هذا القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض و بذلك أخبر أميرالمؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم و يقعد و يفعل، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية، فقال



[ صفحه 64]



له أميرالمؤمنين عليه السلام: قل يا عباية، قال و ما أقول،؟ قال عليه السلام: ان قلت: انك تملكها مع الله قتلتك. و ان قلت: تملكها دون الله قتلتك قال عباية: فما أقول يا أميرالمؤمنين؟ قال عليه السلام: تقول انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فان يملكها اياك كان ذلك من عطائه، و ان يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك و القادر علي ما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حين يقولون لا حول و لا قوة الا بالله. قال عباية: و ما تأويلها يا أميرالمؤمنين؟ قال عليه السلام: لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله و لا قوة لنا علي طاعة الله الا بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه و رجليه.


پاورقي

[1] سورة المائدة؛ الآيتان: 56 - 55.

[2] سورة الأحزاب؛ آية: 57.

[3] بنو وليعة - كسفينة -: حي من كندة. و قد مضي هذه القضية أيضا في احتجاجات الامام.

[4] السرب - بالفتح -: الطريق و الصدر. - و بالكسر - الطريق و القلب - و بالتحريك - الماء السائل.

[5] سورة الكهف؛ آية: 47.

[6] سورة الحج؛ آية: 10.

[7] سورة يونس؛ آية: 44.

[8] سورة البقرة؛ آية: 76.

[9] سورة النساء؛ آية: 11.

[10] سورة النساء؛ آية: 59.

[11] سورة البقرة؛ آية: 79.

[12] سورة الأنفال؛ آية: 161.

[13] سورة آل عمران؛ آية: 28.

[14] سورة المؤمن؛ آية: 17.

[15] سورة الزمر؛ آية: 9.

[16] سورة آل عمران؛ آية: 97.

[17] سورة الذاريات؛ الآيتان: 57 ، 56.

[18] سورة النساء؛ آية: 40.

[19] سورة البقرة؛ آية: 79.

[20] سورة الزخرف؛ آية: 30.

[21] سورة الزخرف؛ آية: 31.

[22] سورة الأحزاب؛ آية: 36.