بازگشت

اثبات علي للرجل المنزلة بين المنزلتين و نفيه الجبر و التفويض


و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرنا عن خروجنا الي الشام بقضاء و قدر؟ قال عليه السلام: نعم يا شيخ؛ ما علوتم تلعة [1] و لا هبطتم واديا الا



[ صفحه 65]



بقضاء و قدر من الله، فقال الشيخ؛ عندالله أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين؟ فقال عليه السلام: مه يا شيخ، فان الله قد عظم أجركم في مسيركم و أنتم سائرون، و في مقامكم و أنتم مقيمون، و في انصرافكم و أنتم منصرفون و لم تكونوا في شي ء من أموركم مكرهين و لا اليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم و قدر لازم، لو كان ذلك كذلكك لبطل الثواب و العقاب و لسقط الوعد و الوعيد و لما ألزمت الأشياء أهلها علي الحقائق؛ ذلك مقالة عبدة الأوثان و أولياء الشيطان، ان الله جل و عز أمر تخييرا و نهي تحذيرا و لم يطع مكرها و لم يعص مغلوبا و لم يخلق السموات و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقام الشيخ فقبل رأس أميرالمؤمنين عليه السلام و أنشأ يقول:



أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا



أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه رضوانا



فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها ظلما و عصيانا



فقد دل أميرالمؤمنين عليه السلام علي موافقة الكتاب و نفي الجبر و التفويض اللذين يلزمان من دان بهما و تقلدهما الباطل و الكفر و تكذيب الكتاب و نعوذ بالله من الضلالة و الكفر، و لسنا ندين بجبر و لا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين و هو الامتحان و الاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله و تعبدنا بها علي ما شهد به الكتاب و دان به الأئمة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.

و مثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا و ملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده علي علم منه بما يؤل اليه، فملكه من ماله بعض ما أحب و وقفه علي أمور عرفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها و نهاه عن أسباب لم يحبها و تقدم اليه أن يجتنبها و لا ينفق من ماله فيها، و المال يتصرف في أي الوجهين، فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولي و رضاه، و الآخر صرفه في اتباع نهيه و سخطه. و أسكنه دار



[ صفحه 66]



اختيار أعلمه أنه غير دائم له السكني في الدار و أن له دارا غيرها و هو مخرجه اليها فيها ثواب و عقاب دائمان، فان أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه اليها، و ان أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن انفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود. و قد حد المولي في ذلك حدا معروفا و هو المسكن الذي أسكنه في الدار الاولي، فاذا بلغ الحد استبدل المولي بالمال و بالعبد علي أنه لم يزل مالكا للمال و العبد في الأوقات كلها الا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولي الي أن يستتم سكناه فيها فوفي له لأن من صفات المولي العدل و الوفاء و النصفة و الحكمة، او ليس يجب ان كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأجور به أن يفي له بما وعده من الثواب و تفضل عليه بأن استعمله في دار فانية و أثابه علي طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة. و ان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الاولي في الوجه المنهي عنه و خالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها، غير ظالم له لما تقدم اليه و أعلمه و عرفه و أوجب له الوفاء بوعده و وعيده، بذلك يوصف القادر القاهر. و اما المولي فهو الله جل و عز، و اما العبد فهو ابن آدم المخلوق، و المال قدرة الله الواسعة، و محنته اظهار [ه] الحكمة و القدرة. و الدار الفانية هي الدنيا و بعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم. و الامور التي أمر الله بصرف المال اليها هو الاستطاعة لاتباع الانبياء و الاقرار بما أوردوه عن الله جل و عز و اجتناب الأسباب التي نهي عنها هي طرق ابليس. و اما وعده فالنعيم الدائم و هي الجنة. و اما الدار الفانية فهي الدنيا. و اما الدار الاخري فهي الدار الباقية و هي الآخرة. و القول بين الجبر و التفويض هو الاختبار و الامتحان و البلوي بالاستطاعة التي ملك العبد.



[ صفحه 67]



و شرحها في الخمسة الامثال التي ذكرها الصادق عليه السلام [2] انها جمعت جوامع الفضل و أنا مفسرها بشواهد من القرآن و البيان ان شاء الله.


پاورقي

[1] التلعة: ما علا من الأرض.

[2] أي صحة الخلقة، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد و السبب المهيج.