بازگشت

الامام الصادق في تفسير صحة الخلقة


أما قول الصادق عليه السلام فان معناه كمال الخلق للانسان و كمال الحواس و ثبات العقل و التمييز و اطلاق اللسان بالنطق؛ و ذلك قول الله: (و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا). [1] فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم علي سائر خلقه من البهائم و السباع و دواب البحر و الطير و كل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل و النطق؛ و ذلك قوله: (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم). [2] و قوله: (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك - في أي صورة ما شاء ركبك). [3] و في آيات كثيرة فأول نعمة الله علي الانسان صحة عقله و تفضيله علي كثير من خلقه بكمال العقل و تمييز البيان، و ذلك أن كل ذي حركة علي بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتي صار آمرا ناهيا و غيره مسخر له كما قال الله: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ما هداكم). [4] و قال: (و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها). [5] .



[ صفحه 68]



و قال: (و الانعام خلقها لكم فيها دف ء و منافع و منها تأكلون - و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون - و تحمل أثقالكم الي بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس). [6] فمن أجل ذلك دعا الله الانسان الي اتباع أمره و الي طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق و كمال النطق و المعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا). [7] و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها). [8] و قوله (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها). [9] و في آيات كثيرة. فاذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله: (ليس علي الأعمي حرج و لا علي الأعرج حرج [10] - الآية -) فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد و جميع الأعمال التي لا يقوم بها، و كذلك أوجب علي ذي اليسار الحج و الزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك و لم يوجب علي الفقير الزكاة و الحج؛ قوله: (ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) [11] و قوله في الظهار: (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - الي قوله -: فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا). [12] كل ذلك دليل علي أن الله تبارك و تعالي لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به و نهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.

و أما قوله: تخلية السرب. فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه و يمنعه العمل بما أمره الله به و ذلك قوله فيمن استضعف و حظر عليه



[ صفحه 69]



العمل فلم يجد حيلة و لا يهتدي سبيلا كما قال الله تعالي: (الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا) [13] فأخبر أن المستضعف لم يخل سر به و ليس عليه من القول شي ء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

و اما المهملة في الوقت فهو العمر الذي يمتنع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الي أجل الوقت، و ذلك من وقت تمييزه و بلوغ الحلم الي أن يأتيه أجله. فمن مات علي طلب الحق و لم يدرك كماله فهو علي خير؛ و ذلك قوله: (و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله - الآية -) [14] و ان كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الي استتمام أمره. و قد حظر علي البالغ ما لم يحظر علي الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: (و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن - الآية -) [15] فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل و كذلك لا تجري عليه الأحكام.

و اما قوله: الزاد. فمعناه الجدة و البلغة التي يستعين بها العبد علي ما أمره الله به. و ذلك قوله: (ما علي المحسنين من سبيل - الآية -) [16] ألا تري أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق و ألزم الحجة كل من أمكنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلك. و كذلك قبل عذر الفقراء و اوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله: (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله - الآية -). [17] فأمر باعفائهم و لم يكلفهم الاعداء لما لا يستطيعون و لا يملكون.



[ صفحه 70]



و أما قوله: في السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الانسان الي جميع الأفعال و حاستها القلب فمن فعل فعلا و كان بدين لم يعقد قلبه علي ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية و لذلك أخبر عن المنافقين بقوله: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون). [18] ثم انزل علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم توبيخا للمؤمنين. (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون - الآية -) [19] فاذا قال الرجل قولا و اعتقد في قوله دعته النية الي تصديق القول باظهار الفعل. و اذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته. و قد أجاز الله صدق النية و ان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله: (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) [20] و قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) [21] فدل القرآن و اخبار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها و لا يبطل ما يصحح القلب شي ء.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام انها تجمع المنزلة بين المنزلتين و هما الجبر و التفويض. فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملا لما امر الله عزوجل به و رسوله، و اذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك.

فاما شواهد القرآن علي الاختبار و البلوي بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة. و من ذلك قوله: (و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو اخباركم). [22] و قال:



[ صفحه 71]



(سنستدرجهم من حيث لا يعلمون). [23] و قال: (الم - أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون). [24] و قال في الفتن التي معناها الاختيار (و لقد فتنا سليمان - الآية -) [25] و قال في قصة موسي عليه السلام: (فانا قد فتنا قومك من بعدك و اضلهم السامري) [26] و قول موسي: (ان هي الا فتنتك). [27] أي اختبارك فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض و يشهد بعضها لبعض.

و اما آيات البلوي بمعني الاختبار قوله: (ليبلوكم فيما أتاكم). [28] و قوله: (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم). [29] و قوله: (انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة). [30] و قوله: (خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). [31] و قوله: (و اذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات). [32] و قوله: (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) [33] و كلما في القرآن من بلوي في هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار و امثالها في القرآن كثيرة. فهي اثبات الاختبار و البلوي: ان الله جل و عز لم يخلق الخلق عبثا و لا اهملهم سدي و لا اظهر حكمته لعبا و بذلك أخبر في قوله: (افحسبتم انما خلقناكم عبثا). [34] فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتي



[ صفحه 72]



اختبرهم؟ قلنا: بلي، قد علم ما يكون منهم قبل كونه و ذلك قوله: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) [35] و انما اختبرهم ليعلمهم عدله و لا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل. و قد اخبر بقوله: (ولو انا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا). [36] و قوله: (و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا). [37] و قوله: (رسلا مبشرين و منذرين). [38] فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده و هو القول بين الجبر و التفويض. و بهذا نطق القرآن و جرت الاخبار عن الأئمة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

فان قالوا: ما الحجة في قول الله: (يهدي من يشاء و يضل من يشاء) و ما اشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها علي معنيين: اما احدهما فاخبار عن قدرته اي أنه قادر علي هداية من يشاء و ضلال من يشاء و اذا اجبرهم بقدرته علي احدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب علي نحو ما شرحنا في الكتاب. و المعني الآخر ان الهداية منه تعريفه كقوله: (و أما ثمود فهديناهم) اي عرفناهم (فاستحبوا العمي علي الهدي) [39] فلو أجبرهم علي الهدي لم يقدروا أن يضلوا. و ليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة علي محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: (منه آيات محكمات هن ام الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم - الآية -) [40] و قال: (فبشر عبادي الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الالباب). [41] .



[ صفحه 73]



وفقنا الله و اياكم الي القول و العمل لما يحب و يرضي و جنبنا و اياكم معاصيه بمنه و فضله و الحمدلله كثيرا كما هو أهله و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و حسبنا الله و نعم الوكيل.


پاورقي

[1] سورة الاسراء؛ آية: 72.

[2] سورة التين؛ آية: 4.

[3] سورة الانفطار؛ آيات: 6 و 7 و 8.

[4] سورة الحج؛ آية: 38.

[5] سورة النحل؛ آية: 14.

[6] سورة النحل؛ آية: 8. و الدف ء: السخانة و هي ما يستدفي ء به من اللباس المعمول من الصوف و الوبر.

[7] سورة التغابن؛ آية: 16.

[8] سورة البقره؛ آية: 286.

[9] سورة الطلاق؛ آية 7.

[10] سورة النور؛ آية: 60.

[11] سورة آل عمران؛ آية: 91.

[12] سورة المجادلة؛ الآيتان: 4 و 5.

[13] سورة النساء؛ آية 100.

[14] سورة النساء؛ آية: 100.

[15] سورة النور؛ آية: 31.

[16] سورة التوبة؛ آية: 91.

[17] سورة البقرة؛ آية: 273.

[18] سورة آل عمران؛ آية: 166.

[19] سورة الصف؛ آية: 2.

[20] سورة النحل؛ آية: 106.

[21] سورة البقرة؛ آية: 225.

[22] سورة محمد؛ آية: 31 أي لنعاملكم معاملة المختبر.

[23] سورة الاعراف؛ آية: 181.

[24] سورة العنكبوت؛ آية: 1.

[25] سورة ص؛ آية: 33.

[26] سورة طه؛ آية: 87.

[27] سورة الأعراف؛ آية: 154.

[28] سورة المائدة؛ آية: 48.

[29] سورة آل عمران؛ آية: 152.

[30] سورة القلم؛ آية: 17.

[31] سورة الملك؛ آية: 2.

[32] سورة البقرة؛ آية: 123.

[33] سورة محمد؛ آية: 5.

[34] سورة المؤمنون؛ آية: 110.

[35] سورة الانعام؛ آية: 28.

[36] سورة طه؛ آية: 134.

[37] سورة الاسراء؛ آية: 16.

[38] سورة النساء؛ آية: 163.

[39] سورة فصلت؛ آية: 17.

[40] سورة آل عمران؛ آية: 7.

[41] سورة الزمر؛ آية: 19.