بازگشت

في علمه بما يكون من أمر «مليكة بنت يشوعا الملك» و ارساله «بشر بن سليمان النخاس»


(ابن بابويه) بأسناده: و غيره، عن «محمد بن يحيي الشيباني» قال: وردت كربلا سنة ست و ثمانين و مائتين قال:

زرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم انكفأت الي مدينة السلام متوجها الي مقابر قريش، و قد تضرمت الهواجر و توقدت السمائم، و لما وصلت منها الي مشهد الكاظم عليه السلام، استنشقت نسيم تربته المعمورة من الرحمة المخفوقة بحدائق الغفران الي أن أكببت عليها بعبرات متقاطرة، و زفرات متتابعة و قد حجب الله تعالي طرفي عن النظر.

فلما رقت العبرة و انقطع النحيب و فتحت بصري، و اذا أنا بشيخ قد انحني صلبه، و تقوس منكباه، و تقنت جبهته و راحتاه، و هو يقول: لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي قد نال عمك شرفا بما حمله السيد ان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم، الذي لا يحمل مثله الا سلمان، و قد أشرف عمك علي استكمال المدة و انقطاع العمر، و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي اليه.

قلت: يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك ما يعاين الخف و الحافر في طلب العلم و قد رقع سمعي من هذا الشيخ يدل علي علم جسيم و أمر عظيم، فقلت: أيها الشيخ و من السيدان؟

قال: النجمان المغيبان في الثري بسر من رأي.

فقلت: اني أقسم بالمولاة و شرف مجد هذين السيدين من الامامة و الوراثة اني خاطب علمهما، و طالب آثارهما، و باذل من نفسي الايمان المؤكدة علي حفظ أسرارهما.



[ صفحه 182]



قال: ان كنت صادقا فيما تقول فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم فلما فتش الكتب و تصفح الروايات منها، قال: صدقت أنا (بشر بن سليمان النخاس) من ولد أبي أيوب الأنصاري أخدم موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهماالسلام و جارهما بسر من رأي.

قلت: كان مولاي أبوالحسن عليه السلام فقهني في علم الرقيق، فكنت لا أبتاع و لا أبيع الا باذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي أكملت معرفتي فيه، فأصبت الفرق فيما بين الحلال و الحرام.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي و قد قضي شطر من الليل اذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فاذا «بكافور الخادم» رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام يدعوني اليه، فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيت يحدث ابنه أبامحمد عليه السلام و أخته حليمة من وراء الستر فلما جلست قال: يا بشر انك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت، و اني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه و أنفدك في تتبع فكتب كتابا ملصقا بخط رويم و لغة رومية، و طبع عليه خاتمه، و أخرج شنسفة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا.

فقال: خذها و توجه بها الي بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة كذا فاذا اوصلت الي جانب زواريق السبايا، و برزن الجواري منها فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شراذم من فتيان العراق فاذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي «عمر بن يزيد النخاس» عامة نهاوك الي أن يبرزن للمبتاعين جارية صفتها كذا، لابسة حريرتين صفيقتين تمنع من السفور، و ليس يمكن التوصل و الانقياد بها النخاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: و اهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: علي بثلثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة؟ فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان و علي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق علي مالك.



[ صفحه 183]



فيقول النخاس: فما الحيلة و لا بد من بيعك.

فتقول الجارية: و ما العجلة، و لا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي الي أمانته و ديانته.

فعند ذلك قم الي عمرو بن يزيد النخاس فقل له: ان معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية، و خط رومي، و وصف فيه كرمه و وفاه و نبله و سخاءه لتتأمل منه أخلاق صاحبه.

فان مالت اليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

فقال «بشر بن سليمان»: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبوالحسن عليه السلام في أمر الجارية.

فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا و قالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرجة المغلظة أنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه علي ثمنها حتي استقر الأمر علي ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير في الشنسفة الصفراء، فاستوفاه مني و سلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، و انصرفت بها الي حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد، فما آخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاي من جيبها و هي تلثمه و تضعه علي خدها و تطبقه علي جفنها و تمسحه علي بدنها.

فقلت تعجبا منها: أتلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه.

قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بحال أولاد الأنبياء، أوعني سمعك و أفرغ لي قلبك، أنا (مليكة بيت يشوعا بن قيصر) ملك الروم.

و أمي من ولد الحواريين، ننسب الي وصي المسيح شمعون.

أنبئك العجب العجيب: أن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا بنت ثلاث عشر سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين،



[ صفحه 184]



و من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة، و من ذوي الأخطار سبعمائة، و جمع من أمراء الأجناد و من العشائر أربعة آلاف، و برز هو من ملكه عرشا مصنوعا من أنواع الجواهر الي صحن القصر يرفعه فوق أربعمائة مرقاة.

فلما صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكفا و نشرت أسفار الانجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض و تقوضت الأعمدة، فأنهارت الي القرار، و خر الصاعد الي العرش مغشيا عليه.

فتغيرت ألوان الأساقفة، و ارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك اعفنا من ملاقات هذه النحوس الدالة علي زوال هذا المسيحي و المذاهب الملكائي.

فتغير جدي من ذلك تغيرا شديدا، و قال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا هذه الصبية فندفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول، و تفرق الناس، و قام جدي «قيصر» مغتما فدخل قصره و أرخيت الستور.

فأريت في تلك الليلة كأن المسيح و شمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي، و نصبوا منبرا يباري علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد صلي الله عليه و آله و سلم مع فتية و عدة من بنيه، فيقوم اليه المسيح فيعتنقه، فيقول له: يا روح الله اني جئتك خاطبا من وصيك شمعون «فتاته مليكة» لابني هذا، و أومي بيده الي أبي محمد عليه السلام صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح الي شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و زوجني من ابنه.

و شهد المسيح عليه السلام و شهد محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الحواريون.

فلما استيقظت من نومي اشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي



[ صفحه 185]



و جدي مخافة القتل، و كنت أسرها في نفسي، و لا أبديها لهم، و ضرب بصدري محبة أبي محمد عليه السلام حتي امتنعت من الطعام و الشراب، و ضعفت نفسي و دق شخصي، و مرضت مرضا شديدا، فما بقي في مدائن الروم طبيب الا أحضره جدي و يسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال:

يا قرة عيني، فهل يخطر ببالك شهوة فأوردكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدي أري أبواب الفرج علي مقفلة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أساري المسلمين، و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و منيتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح و أمه لي عافية و شفاء.

فلما فعل ذلك تجلدت في اظهار الصحة في بدني و تناولت يسيرا من الطعام فسر جدي و أقبل علي اكرام الأساري و اعزازهم.

فأريت أيضا بعد أربع ليال، كأن سيدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم، هذه سيد النساء أم زوجك أبي محمد عليه السلام.

فأتعلق بها و أبكي و أشكو اليها امتناع أبي محمد عليه السلام من زيارتي.

فقالت سيدة النساء: ان ابني أبامحمد لا يزورك و أنت مشركة بالله جل ذكره علي دين مذهب النصاري.

و هذه أختي مريم تبرأ الي الله عزوجل من دينك، فان ملت الي، رضي الله عزوجل، و رضي المسيح و مريم عنك، و زيارة أبي محمد أتاك.

فقولي: أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله.

فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني اليها سيدة النساء، و طيبت لي



[ صفحه 186]



نفسي، و قالت: الآن توفقي زيارة أبي محمد عليه السلام اياك، فاني متقدمة اليك.

فانتبهت و أنا أقول: و اشوقاه الي لقاء أبي محمد.

ثم زارني بعد ذلك، و رأيت كأني أقول له؛ لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟

قال عليه السلام: ما كان تأخيري عنك الا لشركك.

و اذ قد أسلمت فأنا زائرك كل ليلة، الي أن يجمع الله في تسلمنا في العيان. فما قطع عني زيارته بعد ذلك الي هذه الغاية.

(قال بشر): و كيف صرت في الأساري؟

فقالت: أخبرني أبومحمد ليلة من الليالي أن جدي سيسير جيوشا الي قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك باللحاق متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتي كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت، و ما شعر أحد بأنني ابنة ملك الروم الي هذه الغاية الا أنت و ذلك باطلاعي اياك عليه.

و لقد سئلني الشيخ الذي دفعت اليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

فقلت: العجب أنك رومية و لسانك عربي.

قالت: بلغ من ولوع جدي بي و حمله اياي علي تعلم الآداب، أن أوعز الي امرأة ترجمان له في الاختلاف الي، فكانت تقصدني صباحا و مساء، و تغديني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام.

(قال بشر): فلما انكفأت بها الي سر من رأي، دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام، قال لها: كيف أراك الله عز



[ صفحه 187]



الاسلام و ذل النصرانية و شرف أهل بيت نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟

قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله، ما أنت أعلم به مني؟

قال عليه السلام: فاني أحب أن أكرمك، فأيهما أحب اليك:

عشرة ألف درهم، أم بشري لك فيها شرف الأبد؟

قالت: بل البشري.

قال عليه السلام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا، و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

قالت: ممن؟ قال عليه السلام: ممن خطبك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليلة كذا من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.

قالت: من المسيح و وصيه.

قال عليه السلام: ممن زوجك المسيح و وصيه؟

قالت: من ابنك أبي محمد عليه السلام؟ قال عليه السلام: فهل تعرفينه؟

قالت: فهل خلت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة نساء العالمين أمه؟

فقال أبوالحسن عليه السلام: يا كافور أدع لي أختي حكيمة.

فلما دخلت عليه قال لها عليه السلام: ها هي، فاعتنقتها أخته طويلا، و سألتها كثيرا، فقال مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها الي منزلك، و علميها الفرائض و السنن، فانها زوجة أبي محمد و أم القائم عليهماالسلام. [1] .

«و رواه» أبوجعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه قال: حدثنا أبوالمفضل محمد بن عبدالله بن المطلب الشيباني قال: وردت كربلا سنة ست و ثمانين و مائتين، وزرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ساق الخبر الي آخره. [2] .



[ صفحه 188]




پاورقي

[1] مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ص 557 - 555.

[2] مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ص 557 - 555.