بازگشت

في ذكر شي ء من مناقب الهادي


قال محمد بن يحيي، قال يحيي بن أكثم في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته: من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعا يا القوم [1] عن الجواب، فقال الواثق: أنا احضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث إلي علي بن محمد الهادي فأحضره، فقال، يا أباالحسن من حلق رأس آدم حين حج؟ فقال: سألتك يا أميرالمومنين إلا أعفيتني. قال: أقسمت لتقولن. قال: أما إذ أبيت فإن أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: امر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم عليه السلام، فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما. [2] .

و قال محمد بن يحيي النديم، حدثنا الحسن بن يحيي، قال: اعتل المتوكل في أول خلافته فقال: لئن برأت لأتصدقن بدنانير كثيرة. فلما برأ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلي علي بن محمد الهادي فسأله، فقال: تصدق بثلاثة و ثمانين دينارا، فعجب قوم من ذلك و تعصب قوم عليه و قالوا: تسأله يا أميرالمؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول إليه، فقال: قل لأميرالمؤمنين في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالي قال: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) [3] فروي أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع و السرايا و الغزوات كانت ثلاثة و ثمانين موطنا، و أن يوم حنين كان الرابع و الثمانين، و كلما زاد أميرالمؤمنين في فعل الخير أنفع له و أجدي عليه في الدنيا و الآخرة. [4] .

و قيل: إن أباالحسن الهادي عليه السلام كان يوما قد خرج من سر من رأي إلي قرية لمهم عرض له، فجاء ظرجل من الأعراب يطلبه، فقيل له قد ذهب إلي الموضع



[ صفحه 723]



الفلاني، فقصده فلما وصل إليه قال له: ما حاجتك؟ فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن أبي طالب، و قد ركبني دين فادح أثقلني حمله، و لم أر من أقصده لقضائه سواك. فقال له أبوالحسن: طب نفسا و قر عينا، ثم أنزله، فلما أصبح ذلك اليوم قال أبوالحسن: اريد منك حالة الله الله أن تخالفني فيها. فقال له الأعرابي: لا اخالفك. فكتب أبوالحسن ورقه بخطه معترفا فيها أن عليه للأعرابي مالا عينه فيها يرجح علي دينه، فقال: خذ هذا الخط فإذا وصلت إلي سر من رأي أحضر إلي و عندي جماعة فطالبني به و أغلظ القول علي في ترك إيفائك إياه، الله الله في مخالفتي. فقال: أفعل. و أخذ الخط فلما وصل أبوالحسن إلي سر من رأي و حضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر ذلك الرجل و أخرج الخط و طالبه و قال كما أوصاه. فألان أبوالحسن له القول و رققه له و جعل يعتذر إليه و وعده بوفائه و طيبه نفسه، فنقل ذلك إلي الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلي أبي الحسن ثلاثون ألف درهم، فلما حملت إليه تركها الي أن جاء الأعرابي فقال له: خذ هذا المال فاقض منه دينك و أنفق الباقي علي عيالك و أهلك و اعذرنا. فقال له الأعرابي: يابن رسول الله و الله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا المال، و لكن الله أعلم حيث يجعل رسالته. و أخذ المال و انصرف. [5] .

و كان السبب في شخوص أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام من المدينة الي سر من رأي أن عبدالله بن محمد كان يتولي الحرب و الصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله، فسعي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و كان يقصده بالأذي، و بلغ أباالحسن سعايته فيه، فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه و يذكر تكذيبه فيما سعي به، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه و دعاه فيه إلي حضور العسكري علي جميل من الفعل و القول.

فلما وصل الكتاب الي أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل، و خرج معه يحيي بن هرثمة حتي وصل إلي سر من رأي، فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه



[ صفحه 724]



في يومه، فنزل خان الصعاليك فأقام فيه يوما، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار انتقل إليها. [6] .

و روي عن صالح بن سعيد قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام يوم وروده فقلت له: جعلت فداك في كل الامور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك حتي أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك فقال: هاهنا أنت يابن سعيد؟ ثم أومأ بيده فإذا أنا بروضات انفات، و أنهار جاريات، و جنان فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري و كثر تعجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك. [7] .

و أقام أبوالحسن عليه السلام مدة مقامه سر من رأي مكرما في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل بإيقاع حيلة فما تمكن من ذلك.

و قال مسلمة الكاتب: كان المتوكل يركب الي الجامع و معه عدد ممن يصلح للخطابة، و كان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد يلقب ب «هريسة»، و كان المتوكل يحقره، فتقدم إليه أن خطب يوما فأحسن. فتقدم المتوكل يصلي فسابقه و نزل من المنبر عاجلا و جذب منطقته من ورائه و قال: يا أميرالمؤمنين من خطب يصلي. فقال المتوكل: أردنا أن نخجله فأخجلنا.

و كان أحد الأشرار فقال يوما للمتوكل: ما يعمل أحد بنفسه ما تعمله بنفسك في علي بن محمد ما يبقي في الدار إلا من يخدمه و تعينه بشيل الستر و فتح الأبواب، و هذا شي ء إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه الأمر ما فعل هذا به، دعه إذا دخل يشيل الستر لنفسه و يمشي كما يمشي غيره فتمسه بعض الحفوة. فتقدم المتوكل أن لا يخدم و لا يشال بين يديه ستر، فكتب صاحب الخبر إليه أن علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم و لم يرفع له ستر فهب هواء فرفع الستر و دخل. فقال: اعرفوا خبر خروجه، فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء فشال ذلك الستر فخرج. [8] .



[ صفحه 725]



و قال: و دخل يوما الي المتوكل و عنده علي بن الجهم، فقال له: من أشعر الناس يابن الجهم؟ فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام. و التفت الي الإمام أبي الحسن عليه السلام فسأله، فقال: فلان بن فلان العلوي. قال ابن الفحام: و أحسبه الحماني حيث يقول:



لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمط خدود و امتداد أصابع



فلما تنازعنا القضاء قضي لنا

عليهم بما نهوي نداء الصوامع



قال: و ما نداء الصوامع يا أباالحسن؟ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله جدي أم جدك؟ فضحك المتوكل و قال: بل جدك لا ندفعك عنه. [9] .


پاورقي

[1] تعايا القوم: أعياهم بيان الحكم فبان عجزهم فلم يمكنهم الاهتداء لوجه الصواب في الجواب.

[2] تاريخ بغداد: ج 12 ص 56.

[3] التوبة: 25.

[4] المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 402.

[5] الفصول المهمة: ص 278 - 279.

[6] الفصول المهمة: ص 279 - 281.

[7] الكافي: ج 1 ص 498 ح 2.

[8] الأمالي للطوسي: ج 1 ص 292 - 293 المجلس الحادي عشر ح 3.

[9] الأمالي للطوسي: ج 1 ص 293 المجلس الحادي عشر ذيل ح 3.