بازگشت

الامام العاشر ابوالحسن علي الهادي


لقد قيل ان الامام المهدي (ع) ولد في ذي الحجة سنة 212 و قيل في رجب سنة 214 و قيل غير ذلك، و كان مولوده في ضاحية من ضواحي المدينة في ضيعة تدعي صربا علي ثلاثة اميال من المدينة اسسها جده الامام موسي بن جعفر (ع) كما جاء في مناقب ابن شهر اشوب من أم مغربية اسمها سمانة، و توفي والده وله من العمر ست سنوات او ثمان و قيل اكثر من ذلك و بقي بعده اكثر من ثلاثين سنة و هي بقية ملك المعتصم و هارون بن محمد بن هارون الملقب بالواثق و كانت خلافته خمس سنين و تسعة اشهر، و جعفر بن محمد بن هارون الملقب بالمتوكل و قد حكم اربعة عشر عاما، و المنتصر محمد بن جعفر، و قد حكم ستة اشهر كما جاء في رواية المسعودي، و أحمد بن محمد بن المعتصم، و قد حكم ثلاث سنين و ثمانية اشهر و اعتزل الخلافة و سلمها الي الزبير بن جعفر الملقب بالمعتز و بعد ان حكم ان حكم نحوا من أربع سنين و أشهر خلع نفسه من الخلافة، و كانت وفاة الامام الهادي (ع) في عهده كما جاء في رواية المسعودي في مروج الذهب خلال حديثه عن أحداث سنة 254، و أيد ذلك اليعقوبي في تاريخه أيضا، و أضاف الي ذلك اليعقوبي أن المعتز بعث اخاه ابااحمد بن المتوكل فصلي عليه بالشارع المعروف بشارع ابي احمد، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم و ضجيجهم فرد النعش الي داره و دفنه بها حيث مشهده الآن.



[ صفحه 452]



و قد نص علي امامته ابوه قبل وفاته كما كان يصنع كل امام بالنسبة الي خليفته بالاضافة الي النصوص العامة عن طريق النبي علي امامة الاثني عشر بأسمائهم.

فقد جاء في الكافي بسنده الي اسماعيل بن مهران انه قال: لما خرج ابوجعفر (ع) من المدينة الي بغداد في المرة الاولي من خرجتيه قلت له عند خروجه: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه فالي من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه الي ضاحكا و قال: ليست الغيبة حيث ظننت في هذه السنة، فلما خرج الثانية الي المعتصم صرت اليه و قلت له: جعلت فداك انت خارج فالي من الأمر بعدك فبكي حتي اخضلت لحيته، ثم التفت الي و قال: عند هذه يخاف علي، الامر من بعدي الي ابني علي.

و روي ايضا عن الحسين بن محمد عن الخيراني عن ابيه و كان ملازما لأبي جعفر يتولي خدمته و قضاء حوائجه، و قد تضمنت الرواية نصا صريحا من أبي جعفر الجواد علي ولده الهادي، رواه عنه الخيراني و أبوجعفر الاشعري احمد بن محمد بن عيسي، و جاء في الرواية ان الخيراني قال: فلما مضي ابوجعفر الجواد، لم يخرج ابي من منزله حتي قطع علي يديه نحو من اربعمائة انسان، واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر، فكتب محمد بن الفرج الي ابي يعلمه باجتماعهم عنده و انه لولا مخالفة الشهرة لصار معهم اليه و يسأله ان يأتيه، فركب ابي و صار اليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟ فقال ابي لمن عنده: الرقاع احضروا الرقاع و كان قد كتب نص الوصية في عشر رقاع و دفعها الي عشرة من وجوه العصابة، فاحضروها فقال لهم: هذا ما امرت به، فقال له بعض من حضر: قد كنا نحب ان يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر، فقال لهم: قد اتاكم الله عزوجل به، هذا ابوجعفر الأشعري يشهد بسماع هذه الرسالة و سأله ان يشهد بما عنده، فأنكر احمد بن محمد الاشعري ان يكون قد سمع فدعاه ابي الي المباهلة فلما حقق عليه قال: قد سمعت ذلك



[ صفحه 453]



من ابي جعفر و هذه مكرمة كنت احب ان تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم و كان الخيراني فارسيا، و مضي الراوي يقول: فلم يبرح القوم حتي قالوا بالحق جميعا و سلموا لأبي الحسن (ع).

و قال المفيد بعد ان هذه اورد هذه الرواية و غيرها والاخبار في هذا الباب كثيرة جدا ان عملنا علي اثباتها طال بها الكتاب، و في اجتماع العصابة علي امامة ابي الحسن (ع) و عدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر يغنينا عن ايراد النصوص و الاخبار علي التفصيل.

لقد تولي الامامة و هو صبي في التاسعة من عمره، او في مطلع شبابه علي ابعد التقادير في وقت قد استأنف فيه حكام العباسيين عداءهم للأئمة من أهل البيت و التنكيل بالعلويين بعد فترات ذاقوا فيها طعم الامن و الراحة، و بقي في المدينة يمارس مهمات الامامة تحت الرقابة الي ان تجاوز العشرين من عمره، و منهلا عذبا لرواد العلم من مختلف البلاد و المناطق حتي اتسعت شهرته و رجع اليه القريب و البعيد في الدين و جميع ما كان يعترضهم من المشاكل.

و قد اثارت هذه المشاهد غضب الحكام عليه و أقضت مضاجعهم فاستدعوه الي عاصمتهم و فرضوا عليه الاقامة الجبرية فيها اكثر من عشرين عاما ليحولوا بينه و بين شيعة آبائه الذين اجتمعوا علي امامته و كانوا في تلك الفترة من التاريخ اكثر من أي وقت مضي.

هذا بالاضافة الي الحقد الشخصي و العداء السافر الذي تميز به المتوكل عمن سبقه من حكام تلك الاسرة، فقد بلغ به التعصب والحقد علي علي و آله (ع) كما جاء في تاريخي ابن الأثير و الطبري و هما يتحدثان عن احداث سنة 236 و ما احدثه المتوكل فيها، جاء فيهما: انه في تلك السنة هدم قبر الحسين بن علي (ع) و سواه بالتراب، ثم امر بحرث الأرض وزرعها لتضيع معالمه، و قتل عددا كبيرا من زواره، و بالتالي فرض عليهم الضرائب و شتي



[ صفحه 454]



انواع العقوبات ليمتنعوا عن زيارته، و الي ذلك يشير ابن السكيت او البسامي في الابيات المنسوبة اليهما:



تالله ان كانت امية قد اتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد اتته بنوابيه بمثله

فغدا لعمرك قبره مهدوما



اسفوا علي الا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما



و مما يؤكد ما كان للامام الهادي (ع) من المكانة العالية في نفوس المسلمين و تعلقهم به ما جاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي و هو يصف ما اصاب الناس من الخوف و القلق حينما بلغهم ان المتوكل العباسي قد ارسل في طلبه يستدعيه الي عاصمة ملكه في العراق.

فقد قال لما بلغه مقام علي بالمدينة و ميل الناس اليه خاف منه فدعا يحيي بن هرثمة و قال: اذهب الي المدينة وانظر في حاله و أشخصه الينا، قال يحيي: فذهبت الي المدينة فلما دخلتها ضج اهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا علي الهادي و قامت الدنيا علي ساق لأنه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد لا يميل الي الدنيا و مظاهرها، و مضي يحيي بن هرثمة يقول:

فجعلت اسكنهم و أحلف لهم بأني لم أؤمر فيه بمكروه و انه لا بأس عليه حتي هدأت حالتهم و سكن ضجيجهم، و بامكان الباحث ان يجد بالاضافة الي هذه الرواية اكثر من شاهد علي ان الامام الهادي كان يتمتع بمكانة عالية في جميع الأوساط الاسلامية مما دعا الحكام الي مراقبته و فرض الاقامة الجبرية عليه في عاصمة ملكهم كما ذكرنا. و مع كل ذلك فقد ظلت شهرته تتسع و لم يستطيعوا ان يحولوا بينه و بين الناس فحاولوا التشويش عليه عن طريق اخيه موسي و اغرائه بحضور مجالس اللهو و المنكرات علي امل أن يؤثر ذلك علي مكانة الامام (ع).

فقد جاء في رواية المفيد في الارشاد عن الحسين بن الحسن الحسني انه قال: حدثني ابوالطيب يعقوب بن ياسر ان المتوكل كان يقول لحاشيته



[ صفحه 455]



و خواصه: و يحكم لقد اعياني امر ابن الرضا وجهدت ان يشرب معي و ينادمني فامتنع وجهدت ان اجد فرصة في هذا المعني فلم اجدها.

فقال له بعض من حضر: ان لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحال فهذا اخوه موسي قصاف عزاف يأكل و يشرب و يعشق و يتخالع فاحضره واشهره فان الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه و بين اخيه و من عرفه بشخصه قد يتهم اخاه بمثل فعاله.

فقال المتوكل: اكتبوا باشخاصه مكرما، و عزم ان يتلقاه المتوكل و جميع بني هاشم و القواد و سائر الناس، و اذا وافاه أقطعه قطيعة و بني له فيها و حول اليها الخمارين و القيان و تقدم بصلته و بره، و أفرد له منزلا سريا يصلح ان يزوره فيه، فلما وافي موسي بن الجواد (ع) تلقاه اخو ابوالحسن الهادي في قنطرة وصيف فسلم عليه و قال له: ان هذا الرجل قد احضرك ليهتكك و يضع منك، فلا تقر له انك شربت نبيذا قط، واتق الله يا اخي ان ترتكب محظورا، فقال له موسي: و انما دعاني لهذا فما حيلتي، فكرر عليه ابوالحسن مقالته الاولي ولكن موسي لم يستجب لطلبه، فلما رأي منه الخلاف، قال له: ان المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه انت و اياه ابدا، و يدعي الراوي ان موسي اقام ثلاث سنين يبكر فيها كل يوم الي باب المتوكل فيقال له مرة هو في شغل هذا اليوم، و مرة يقال له قد سكر، و أخري قد شرب دواء و هكذا حتي المتوكل و لم يجتمع معه علي شراب في يوم من الأيام التي كان قد اعدها لذلك.



[ صفحه 456]