بازگشت

موقف الامام الهادي من الغلو و الغلاة


لقد اتخذ جميع الأئمة الاثني عشر و شيعتهم موقفا صريحا و صلبا في الوقف ذاته من الغلو و الغلاة فتبرأوا منهم و أعلنوا كفرهم و الحادهم و نفوا بصراحة لا تقبل التأويل ان تكون لهم اية صلة بهم و بجميع المنحرفين عن الخط الرسالي الذي دافع عنه الأئمة بكل ما لديهم من قوة و ذابوا في سبيله، واتخذت مقاومة الأئمة و علماء الشيعة للغلاة اشكالا استهدفت جميعها تفتيت دعوة اولئك الغلاة و القضاء عليهم بكل الوسائل.

فمن ذلك التأكيد علي متناقضة الغلو للاسلام مناقضة ضريحة لا يمكن تغطيتها بانخراطهم في صفوف المسلمين و الموالين لأهل البيت، فقد جاء عن اميرالمؤمنين علي (ع) انه قال: بني الكفر علي اربع دعائم: الفسق و الغلو و الشك و الشبهة.

كما جاء عن الامام الصادق (ع) انه قال: ادني ما يخرج به الرجل عن الايمان ان يجلس الي غال فيستمع الي حديثه و يصدقه في قوله، ان ابي حدثني عن ابيه عن جده ان رسول الله (ص) قال: صنفان من امتي لا نصيب لهما في الاسلام الغلاة و القدرية.

و روي عنه الكشي في رجاله انه قال لاحد اصحابه: قل للغالية توبوا



[ صفحه 462]



الي الله فانكم فساق كفار مشركون. و قال لبشار الشعيري: اخرج عني لعنك الله، و بعد خروجه قال الامام (ع): ويله الا قال بما قالت اليهود الا قال بما قالت النصاري، الا قال بما قالت المجوس، و مضي يقول: والله ما صغر الله تصغير هذا الفاجر احد، و أضاف الي ذلك انه شيطان وابن شيطان خرج ليغوي الشيعة و قد تحدثنا عن موقفه من الغلاة خلال حديثنا عن سيرته.

و من ذلك ان الأئمة كانوا يحرصون علي نفي وجود اي صلة بينهم و بين قادة الغلاة و يعلنون بأن اولئك القادة كانوا يكذبون عليهم، لأن الغلاة قد انتحلوا الاحاديث ودسوها في اقوال الأئمة لأن انتحال الحديث و نسبته الي الأئمة كان يساعدهم علي كسب الانصار و المؤيدين من جهة و يساعدهم علي تهديم الشريعة و تشويهها و كلا الهدفين كانا بارزين في دعوة الغلاة، لذلك كان الأئمة يحرصون علي ابراز هذه الناحية و انتشار رأيهم في الغلاة، و مروياتهم في اوساط المحدثين.

و مهما كان الحال فلقد ظهر الغلاة في عهد الامام العسكري و استعادوا نشاطهم بعد ان خفت صوتهم بسبب موقف الامام الصادق المتصلب منهم يوم ظهروا في عصره، و يبدو انهم وجدوا مهيأ لهم في عهد حفيده الهادي و وجدت دعوتهم منفسا لها من اعداء الأئمة الذين كانوا يعملون للتشويش عليهم و تشويه المعني الصحيح للامامة التي اختصها الله بتلك الصفوة المختارة من ذرية علي و فاطمة (ع).

و من هؤلاء علي بن حسكة و القاسم بن يقطين، فقد جاء في رواية محمد بن مسعود بسنده الي احمد بن محمد بن عيسي انه قال: كتبت الي الهادي (ع) في قوم يتكلمون و يقرأون احاديث ينسبونها اليك و الي آبائك فيها ما تشمئز منها القلوب و ينسبون الأرض الي قوم يذكرون انهم من مواليك منهم علي بن حسكة و القاسم بن يقطين، و يدعون ان قول الله: ان الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر، تعني رجلا يأمر و ينهي، و كذلك الزكاة و يتأولون كثيرا



[ صفحه 463]



من الفرائض و السنن و المعاصي، فان رأيت ان تبين لنا و تمن علي مواليك بما فيه سلامتهم و نجاتهم من تلك المقالات والذين ذهبوا الي هذه المقالات يدعون بأنهم اولياء لكم، فكتب (ع): ليس هذا من ديننا فاعتزلوهم.

و في رواية ثانية عن محمد بن عيسي ان الامام الهادي كتب الي ابتداء: لعن الله القاسم اليقطيني وابن حسكة القمي، ان شيطانا يتراءي للقاسم فيوحي اليه زخرف القول غرورا.

و جاء في رواية سهل بن زياد الآدمي انه قال: كتب بعض اصحابنا الي ابي الحسن العسكري (ع): جعلت فداك يا سيدي ان علي بن حسكة يدعي بأنه من اولئك و انك انت الأول القديم و انه بابك و نبيك امرته ان يدعو اليك و يزعم ان الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج كل ذلك معرفتك و معرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة، فهو مؤمن كامل الايمان سقط عنه الاستعباد بالصلاة و غيرها من العبادات، و قد مال اليه كثير من الناس، فان رأيت ان تمن علي مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة قال: فكتب (ع) كذب ابن حسكة عليه لعنة الله و اني لا اعرفه في موالي، ما له لعنه الله، فوالله ما بعث الله محمدا والانبياء قبله الا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية. و ما دعا محمد الا الي الله وحده لا شريك له و كذلك نحن الأوصياء من ولده عبادالله لا نشرك به شيئا ان اطعناه رحمنا و ان عصيناه عذبنا مالنا علي الله من حجة بل الحجة لله علينا و علي جميع خلقه، ابرأ الي الله ممن يقول ذلك و أنتفي الي الله من هذا القول فاهجروهم لعنهم الله و ألجئوهم الي ضيق الطريق فان وجدتم احدا منهم فاخدشوا رأسه بالحجر.

و من هؤلاء الحسن بن محمد المعروف بابن باب و محمد بن نصير النميري و فارس بن حاتم القزويني، و قد لعنهم الامام علي بن محمد العسكري و حذر اصحابه و المسلمين من دسائسهم و مغرياتهم، و كان محمد بن نصير كما جاء عن



[ صفحه 464]



كتب الفرق و التراجم يتصل بأبي الحسن العسكري (ع) في اول امره، ثم ادعي انه رسول من قبله و قال بالتناسخ والغلو فيه، و بصفته نبيا مرسلا من قبله اباح المحارم و نكاح الرجال بعضهم لبعض، و ان الله لم يحرم شيئا من ذلك و نحو ذلك من المقالات، و كتب الامام الهادي الي اصحابه كتابا يحذر المسلمين منه و يقول فيه: لعنهم الله يستأكلون بنا الناس فتانين مؤذين آذاهم الله و أرسلهم في اللعنة و أركسهم في الفتنة ركسا سخر منهم الشيطان فأغواهم، و هكذا كان الامام لايدع مناسبة تمر بدون ان يحذر المسلمين و أصحابه منهم و من دسائسهم ثم يلعنهم و يأمر بلعنهم و قتالهم كما فعل الامام الصادق (ع) مع الذين اظهروا البدع و الغلو في عصره.

و كان من بين اولئك المشعوذين فارس بن حاتم و يبدو انه كان اخطر من رفاقه و أبرع في الدس و التضليل، فأمر الامام بقتله و حرض جماعة من اصحابه علي ذلك كما نص علي ذلك ابوعمر الكشي في رجاله.

فقد جاء فيه عن سعد بن عبدالله بن ابي خلف القمي انه قال: حدثني محمد بن عيسي بن عبيد ان اباالحسن العسكري (ع) امر بقتل فارس ابن حاتم و ضمن لمن قتله الجنة و كان فتانا يفتن الناس و يدعوهم الي البدعة فخرج من أبي الحسن (ع) علي حد تعبير الراوي هذا فارس لعنة الله يعمل من قبلي فتانا يفتن الناس و يدعوهم الي البدعة و دمه هدر لكل من قتله، فمن يريحني منه و يقتله و أنا ضامن له علي الله الجنة.

و في رواية ثانية رواها الكشي في رجاله ان الامام (ع) استدعي شخصا يدعي جنيدا و أعطاه مقدارا من الدراهم ليشتري بها سلاحا، و أمره ان يعرض السلاح عليه بعد شرائه، و مضي الراوي يقول: ان جنيدا قد اشتري سيفا فأمره برده و أخذ مكانه ساطورا و عرضه عليه فارتضاه، فمضي جنيد واعترض فارس بن حاتم و هو مخارج من المسجد بين المغرب و العشاء فضربه علي رأسه ضربة وقع منها ميتا، وعد منهم الكشي في رجاله، هاشم بن ابي



[ صفحه 465]



هاشم و أباالسمهري، و ابن ابي الرزقاء، و جعفر بن واقد و أباالغمر، و روي عن علي بن مهزيار و اسحاق الانياري ان اباجعفر الثاني عدهم من زمرة ابي الخطاب و لعنهم و أمر بلعنهم و البراءة منهم، و قال: ان رسول الله قال: من تأثم ان يلعن من لعنة الله فقد لعنه الله.

و سواء صحت هذه المرويات ام لم تصح فمها لا شك فيه ان الأئمة (ع) كانوا يحرصون بكل ما يملكون من قوة و بيان علي ان يجعلوا من اصحابهم و شيعتهم و من يتصل بهم دعاة حق و خير يمثلون الاسلام و يجسدون تعاليمه بأفعالهم قبل اقوالهم، كما كانوا يحرصون علي تنزيه تعاليم الاسلام من التشويه و التحريف و الافتراء و علي انهم عبيدالله لا يستطيعون ان يدفعوا عن انفسهم ضرا و لا ان يجلبوا لها خيرا الا بمشيئة الله و قد تعرضوا في حياتهم لظلم الحكام واضطهادهم، و لما يمكن ان يتعرض له كل انسان من البلاء و أنواع التقلبات، و عاشوا مع الناس كغيرهم من الناس، و لعنوا من قال فيهم ما لم يقولوه في انفسهم و من نسب اليهم علم الغيب و الخلق والرزق و كل ما هو من خصائص الخالق و صفاته، و مع ذلك فقد اضاف اليهم بعض المحبين و المبغضين ما ليس بهم، و أظهر الغلو فيهم اناس عن سوء نية كما اعتقد ولكنهم وقفوا للجميع بالمرصاد فلعنوا المغالين و تبرأوا منهم و أعلنوا للناس ضلالهم و جحودهم، و أمروا محبيهم بالاعتدال و مبغضيهم بالرجوع الي وصايا نبيهم في أهل بيته و خرجوا من هذه الدنيا و هم من أنصح خلق الله لخلقه و أحرصهم علي دينه و شريعته و أصبرهم علي بلائه و أخوفهم من سخطه و عقابه.



[ صفحه 466]