بازگشت

وفاة الامام الهادي


لقد ذكرنا سابقا ان الامام علي بن محمد اقام في المدينة مع ابيه و بعد وفاته اكثر من عشرين سنة و في السنة الثانية من استيلاء جعفر بن محمد بن هارون المعروف بالمتوكل و هي سنة 233 سعي به زبانية المتوكل بأنه يجمع الرجال والسلاح فأرسل اليه يستدعيه الي سامراء و لم يجد بدا من تلبية طلبه و بقي في سامراء طيلة حكم المتوكل و المنتصر الذي حكم نحوا من ستة اشهر، و أحمد بن المعتصم الملقب بالمستعين بالله، والذي حكم نحوا من ثلاث سنين و تسعة اشهر، و الزبير بن جعفر المتوكل المعروف بالمعتز، و في سنة 254 اي بعد مضي سنتين علي ملك المعتز كانت وفاة الامام ابي الحسن لأربع بقين من جمادي الآخرة و له من العمر اثنان و أربعون عاما منها في المدينة واحد و عشرون عاما، و أربعة عشر عاما مع المتوكل و سبعة اعوام مع المنتصر والمستعين و المعتز في سامراء.

و يبدو من تاريخ حياته ان السنين السبعة التي قضاها في عهد المنتصر و المستعين بالله و المعتز لم يشهد فيها ما شهده في عهد المتوكل من التحديات و الوشايات بين الحين و الآخر، و قد اكتفي الحكام الثلاثة بفرض الاقامة الجبرية عليه في سامراء، ولولا ذلك لا يمكن ان يختار علي مدينة جده بلدا غيرها.



[ صفحه 477]



و لعل مرد ذلك الي ان سلطة الحكام في تلك الفترة من تاريخ خلافة بني العباس قد تلاشت تقريبا و لم يعد يملك الخليفة منها غير الاسم، و أصبح الحكم للقواد من الاتراك و غيرهم، فكانوا يأمرون و ينهون و يعزلون الخليفة او يقتلونه اذا غضبوا عليه و يولون غيره كما حدث للمستعين بالله بعد ثلاث سنين و تسعة اشهر من ولايته حيث اضطروه لاعتزال الخلافة و بايعوا المعتز سنة احدي و خمسين و مائتين بعد ان كان معتقلا مع اخيه المؤيد الي كثير من الاحداث التي تؤكد ضعف الخلفاء في تلك الفترة من التاريخ و قد وصف بعض شعراء عصرهم الحالة التي انتهت اليها الخلافة بقوله:



خليفة في قفص

بين وصيف و بغا



يقول ما قالا له

كما تقول الببغا



و قال شاعر آخر قيل انه البحتري كما جاء في مروج الذهب:



لله در عصابة تركية

ردوا نوائب دهرهم بالسيف



قتلوا الخليفة احمد بن محمد

و كسوا جميع الناس ثوب الخوف



و طغوا فأصبح ملكنا متقسما

و امامنا فيه شبيه الضيف



و قال المسعودي في تاريخه ان وفاة الامام الهادي كانت في عهد المعتز بالله و ذلك يوم الاثنين لأربع بقين من جمادي الآخرة سنة 254، و سمع الناس جارية تقول: ماذا لقينا من يوم الاثنين قديما و حديثا.

و جاء في اعيان الشيعة عن المسعودي في اثبات الوصية انه قال: لما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبين و العباسيين واجتمع خلق كثير من الشيعة، ثم فتح من صدر الرواق باب و خرج خادم اسود، و خرج بعده ابومحمد الحسن العسكري حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب و كأن وجهه وجه ابيه لا يخطي ء منه شيئا، و كان في الدار اولاد المتوكل و غيرهم فلم يبق احد الا قام علي رجليه و وثب اليه ابواحمد الموفق فقصده ابومحمد الحسن العسكري (ع) و عانقه، ثم قال له مرحبا بابن العم و جلس بين بابي الرواق



[ صفحه 478]



والناس كلهم بين يديه، و كانت الدار كالسوق بالاحاديث فلما خرج و جلس امسك الناس، ثم خرج خادم فوقف بحذاء ابي محمد، و أخرجت الجنازة و خرج يمشي حتي خرج بها الي الشارع، و صلي عليه قبل ان يخرج الي الناس ثم صل عليه لما اخرج المعتمد و دفن في دار من دوره و صاحت سامراء يوم موته صيحة واحدة.

و جاء في الاعيان عن ابن بابويه انه مات مسموما وسمه المعتمد العباسي.

و اذا صح انه مات مسموما فلابد و أن يكون الذي سمه المعتز بالله لأنه مات في عهده سنة 254 كما ذكرنا و المعتمد العباسي بويع بالخلافة سنة 256 في النصف من رجب بعد قتل المهتدي محمد بن هارون الواثق كما جاء في تاريخ اليعقوبي و غيره.

و ترك من الاولاد ابامحمد الحسن العسكري و الحسين و محمدا و جعفرا و ابنته عائشة كما جاء في الارشاد للمفيد و غيره.