بازگشت

التنظيم في العمل


لقد قلنا سابقا.. ان الامام الهادي (ع) كان يعمل و يتحرك ضد النظام الحاكم، و كان يثور الجماهير في وجه السلطة، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان الامام (ع) كان يعمل بعفوية و ارتجال أم بتخطيط و تنظيم؟؟

و الحقيقة... ان الامام (ع) كان يعمل بتنظيم دقيق جدا، استطاع ان يشغلغل داخل الجهاز الحاكم، و ان يجمع المعلومات عن النظام الحاكم بشكل كبير، و ان يقوض النظام من داخله.

و قد كان المتوكل من اقوي الخلفاء العباسيين، و كان النظام آنئذ قويا جدا، بحيث كان من العبث مواجهة نظام قوي كهذا بشكل عفوي و فوضوي،



[ صفحه 52]



الا ان الحركة الرسالية المنظمة بقيادة الامام الهادي (ع) قد استطاعت ان تهز اركان النظام بالانتفاضات و الثورات و الاضطرابات التي كانت تفجرها الحركة الرسالية هنا و هناك في طول البلاد الاسلامية و عرضها.

«فالسلطات المظللة عادة ما تأتي عبر القوة المنظمة، فلا يكفي وجود القوة لديها حتي تستطيع السيطرة بل لابد من تنظيم لهذه القوية يوجهها حيث تكون الحاجة، و كثير ما لاحظنا ان عددا قليلا من ناحية القوة ولكنها جيدة من حيث التنظيم و الروحية قد تغلبت علي عدد اكبر باضعاف ولكنه لا يملك التنظيم الجيد.

و هل كنا نتوقع ان يواجه الائمة (ع) و هم في دور المعارضة دولة كالدولة الاموية التي قامت علي تاريخ كبير من المكر و الخداع و العمل السري منذ ايام رسول الله (ص) و اعتمادا علي مجموعة تحالفات سياسية و فيما بعد تقوت حتي قامت بعد استشهاد الامام علي (ع).

هل كنا نتوقع ان يواجه الائمة (ع) هذه الدولة و احلال (الدولة الكريمة) مكانها، ببعض الخطب و الكتابات و التوجيهات و النصائح التربوية فقط؟

الامام علي (ع) يقول: ان القيام لاسقاط الطاغوت لابد ان يتم بنفس الخطة و بنفس التنظيم و الاستراتيجية التي قام الطاغوت علي اساسها مع الاختلاف في التفاصيل، لان عوامل النجاح هي واحدة، و اسباب النصر لا تختلف لدي المؤمنين عنها لدي الكافرين في شي ء الا في بعض التفاصيل.



[ صفحه 53]



و كما يقول السيد عبدالحسين شري الدين - رحمه الله -: «لا ينتشر الهدي الا من حيث انتشر الضلال».

و كان من اللازم و الائمة يواجهون حكما كالحكم العباسي قائما علي حركة عريقة في التقاليد و الفكر التنظيمي السري و يعرفون الكثير من الوسائل و الاساليب و الوسائل في هذا المجال، و لهذه الحركة انتشار واسع في صفوف الجماهير، علي الاقل في بدايتها و قبل ان يكشر الحكام العباسيون عن انيابهم.

لا شك ان الائمة و هم يفكرون في تغير الوضع و الحكم القائم ان يكونوا حركة اكثر تنظيما و اشد ترابطا و اعمق كتمانا و سرية من الحركة العباسية لكي يستطيعوا التغلب عليها» [1] .

و حينما كان الامام الهادي (ع) يقود الحركة الرسالية في عهده، لم تخرج الحركة الرسالية عن خطوطها العريضة في العمل الثوري، بل ازدادت الحركة في عهد الامام الهادي (ع) قوة في العمل و دقة في التنظيم.

«اننا اذا نظرنا للتاريخ نلاحظ ان بداية عهد الحديث عن الائمة و ارتباطاتهم لم تكن بالتوكيل كما قد عرفنا عن ا لامام الهادي (ع) حيث كان يوكل نوابا له في كل المناطق الاسلامية، فقد كان في عهد الائمة الاوائل، ان الامام يوثق رجلا فيأخذ الرساليين منه الاحاديث والاموال و تعطي لاي رجل ذاهب للامام، بينما في عهد الامام الهادي (ع) أصبح الامر اكثر دقة



[ صفحه 54]



و تنظيما» [2] .

فما هي ملامح التنظيم في عمل الامام الهادي (ع)؟؟؟

هذا ما سنجيب عنه من خلال الروايات... و لنبدأ...


پاورقي

[1] عن الجهاد و الثورة في حياة أهل البيت - ص 36.

[2] التأريخ الاسلامي - ص 313.