بازگشت

تقديم العلامة القرشي


بسم الله الرحمن الرحيم

في سيرة أئمة الهدي، و مصابيح الاسلام، و منابع الحكمة في دنيا الاسلام ملتقي أصيل للمثل العليا، و القيم الرفيعة التي يعتز بها كل كائن حي من بني الانسان، فقد تجسدت في سيرتهم و سلوكهم سيرة و سلوك جدهم الرسول صلي الله عليه و آله الذي فجر ينابيع العلم و الحكمة في الأرض.

و من شموع العترة الطاهرة، و كواكبها المشرقة الامام الأعظم الهادي عليه السلام فقد شابه جده الامام أميرالمؤمنين عليه السلام في مواهبه و عبقرياته و في محنه و بلواه، فقد ابتلي كأعظم ما يكون الابتلاء بطاغية زمانه، و فرعون هذه الأمة المتوكل العباسي الذي اقترف كل ما حرم الله تعالي من اثم، فقد قضي معظم حياته الآثمة بالظلم و الجور و الاستبداد، و كان من أعظم جرائمه أنه صب جام غضبه علي عترة رسول الله صلي الله عليه و آله فحرم عليهم بلغة العيش، و قد ذكر المؤرخون و الرواة صورا قاسية من ظلمه لذرية رسول الله صلي الله عليه و آله، كان منها أن السادة في المدينة المنورة عز عليهم الثوب الذي يلبسونه و الطعام الذي يأكلون، و كانوا في غلس الليل البهيم يجوبون في الشوارع لعلهم يعثرون علي ما ألقي من فضلات الطعام فيقتاتون به الحدائق الوردية مخطوط في مكتبة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام. و اذا بلغه أن مسلما أوصلهم و لو بقليل من المال نكل به أفظع التنكيل و أقساه.

و من عظيم ما اقترف هذا الطاغية من الموبقات و المنكرات، هدمه لقبر



[ صفحه 8]



المظلوم الغريب سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليه السلام و انزاله العقاب الصارم علي من تشرف بزيارته، فقد فرض عليهم الضرائب الثقيلة، و لم يكتف بذلك، و انما أمر بقطع أيديهم و تصفية أجسادهم، و لم تهتم شيعة أهل البيت عليهم السلام بهذه الاجراءات القاسية الظالمة، فكانوا يهرعون بلهفة و شوق الي زيارة المرقد العظيم الذي صار منارا للكرامة الانسانية و كعبة للوافدين، فما أظلت قبة السماء مكانا قط أشرف و لا أزكي و لا أنور من مرقد سيدالشهداء، فالسعيد السعيد الذي يحضي بزيارته، و لثم ضريحه يقول الجواهري:



تعاليت من مفزع للحتوف

و بورك قبرك من مفزع



تلوذ الدهور به فمن

سجد علي جانبيه و من ركع



لقد انطوت أيام المتوكل العباسي، فقد انتقم الله تعالي منه شر انتقام، فقد هجم عبيه الأتراك بايعاز من ولده الشريف الجليل، و كان الطاغية سكرانا ثملا قد ملأ جوفه بالخمر، فقطعه الأتراك بسيوفهم اربا اربا، و معه رئيس وزرائه قد احتضنه و هو الفتح بن خاقان، فلم يعرف لحم أحدهما من الآخر، و قد ملئت كؤوس الخمر من لحمهما، فكانت مقبرة لتلك الجيف التي عادت الله و رسوله، و هذا مصير كل من عادي الامام عليه السلام.

و من الجدير بالذكر أن البحتري قد رثاه بقصيدة كان منها:



هكذا فلتكن منايا الكرام

بين ناي و مزهر و مدام



بين كأسين أورثاه جميعا

كأس لذاته و كأس الحمام



لقد رثاه البحتري بقصيدته التي حكت مجونه و خلاعته، و تمرده علي القيم الاسلامية، فقد وافته المنية، و هو بين كؤوس الخمر و آلات الطرب، و كانت الشعراء ترثي الملوك بعد وفاتهم بالأسي و الحزن، و تذكر ما منيت به الأمة بعد فقدهم من البر و الرعاية و الاحسان و الخير العميم.



[ صفحه 9]



و علي أي حال فقد كان الامام الهادي عليه السلام في طليعة الناقمين علي هذا الطاغية الفاجر، و قد عاني منه صورا قاسية من الظلم و الاعتداء فكان يزجه في ظلمات السجون في مكان رأيته في سجونه في سامراء كما كان يعتقله في الليل، و يبالغ في ظلمه و الاعتداء عليه و هو صابر محتسب.

و قد عرض بصورة مفصلة و دقيقة و شاملة لحياة هذا الامام العظيم شيخنا المفدي حجة الاسلام و المسلمين الشيخ محمد جواد الطبسي أيده الله و أعزه و حماه من كل مكروه، فقد رفع لي ولدي العلامة الفاضل الشيخ مهدي فصول هذا الكتاب فوجدته حافلا بجميع المقومات العلمية، فلم يترك بادرة من حياة الامام عليه السلام الا عرض لها و قد دل ذلك علي مدي تتبعه و جهوده شكر الله مساعيه، و أجزل له المزيد من الأجر، و أعزه و رعاه و حفظه ذخرا للاسلام.

15 / محرم الحرام / 1426 ه. ق

النجف الأشرف

مكتبة الامام الحسن عليه السلام العامة

باقر شريف القرشي



[ صفحه 10]