بازگشت

امتثال الشجرتين لأمره


1 - الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن محمّد(عليها السلام): وأمّا الشجرتان اللتان تلاصقتا، فإنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) كان ذات يوم في طريق له [ما] بين مكّة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة، وكافرون من مكّة، ومنافقون منها، وكانوا يتحدّثون فيما بينهم بمحمد(صلي الله عليه وآله) وآله الطيّبين وأصحابه الخيّرين.

فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل، وينفض [1] كرشه [2] من الغائط والبول كماننفض، ويدّعي أنّه رسول الله(صلي الله عليه وآله)!

فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء [3] لأتعمّدنّ النظر إلي إسته إذا قعد لحاجته، حتّي أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منّا أم لا؟

فقال آخر: لكنّك إن ذهبت تنظر منعه حياؤه من أن يقعد، فإنّه أشدّ حياء من الجارية العذراء الممتنعة المحرمة.

قال: فعرّف الله عزّ وجلّ ذلك نبيّه محمّد(صلي الله عليه وآله).

فقال لزيد بن ثابت: اذهب إلي تينك الشجرتين المتباعدتين - يؤمي إلي شجرتين بعيدتين قد أوغلتا [4] في المفازة [5] وبعدتا عن الطريق قدر ميل -



[ صفحه 69]



فقف بينهما، وناد إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) يأمركما أن تلتصقا وتنضمّا ليقضي رسول الله(صلي الله عليه وآله) خلفكما حاجته؛ ففعل ذلك زيد.

فقال: فوالذي بعث محمّداً(صلي الله عليه وآله) بالحقّ نبيّاً، إنّ الشجرتين انقلعتا بأُصولهما من مواضعهما، وسعت كلّ واحدة منهما إلي الأُخري سعي المتحابّين، كلّ واحد منهما إلي الآخر [و]التقيا بعد طول غيبة وشدّة اشتياق، ثمّ تلاصقتا وانضمّتا انضمام متحابّين في فراش في صميم [6] .

الشتاء؛ فقعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) خلفهما.

فقال أولئك المنافقون: قد استتر عنّا.

فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لننظر إليه؛ فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلمّا داروا فمنعتاهم من النظر إلي عورته.

فقالوا: تعالوا نتحلّق حوله لتراه طائفة منّا.

فلمّا ذهبوا يتحلّقون، تحلّقت الشجرتان، فأحاطتا به كالأنبوبة، حتّي فرغ وتوضّأ وخرج من هناك، وعاد إلي العسكر.

وقال لزيد بن ثابت: عد إلي الشجرتين، وقل لهما: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) يأمركما أن تعودا إلي أماكنكما.

فقال لهما، فسعت كلّ واحدة منهما إلي موضعها - والذي بعثه بالحقّ نبيّاً- سعي الهارب الناجي بنفسه، من راكض شاهر سيفه خلفه، حتّي عادت كلّ شجرة إلي موضعها.

فقال المنافقون: قد امتنع محمّد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلي إسته، فتعالوا ننظر إلي ما خرج منه، لنعلم أنّه ونحن سيّان؛ فجاؤا إلي



[ صفحه 70]



الموضع، فلم يروا شيئاً ألبتّة لا عيناً ولا أثراً.

قال: وعجب أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) من ذلك، فنودوا من السماء: أو عجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلي الأُخري، إنّ سعي الملائكة بكرامات الله عزّ وجلّ إلي [محبّي] محمّد ومحبّي عليّ، أشدّ من سعي هاتين الشجرتين إحداهما إلي الأُخري، وإنّ تنكّب نفحات النار يوم القيامة،عن محبّي عليّ والمتبرّئين من أعدائه، أشدّ من تنكّب هاتين الشجرتين إحداهما عن الأُخري. قد كان نظير هذا لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، لمّا رجع من صفّين، وسقي القوم من الماء الذي تحت الصخرة التي قلّبها، ذهب ليقعد إلي حاجته.

فقال بعض منافقي عسكره: سوف أنظر إلي سوأته، وإلي ما يخرج منه، فإنّه يدّعي مرتبة النبيّ لأخبر أصحابه بكذبه.

فقال عليّ(عليه السلام) لقنبر: يا قنبر! اذهب إلي تلك الشجرة، وإلي التي تقابلها -وقدكان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما: إنّ وصيّ محمّد(صلي الله عليه وآله) يأمركما أن تتلاصقا.

فقال قنبر: يا أمير المؤمنين! أو يبلغهما صوتي؟

فقال عليّ(عليه السلام): إنّ الذي يبلغ بصر عينك إلي السماء، وبينك وبينها [مسير] خمسمائة عام، سيبلغهما صوتك.

فذهب فنادي، فسعت إحداهما إلي الأُخري سعي المتحابّين، طالت غيبة أحدهما عن الآخر، واشتدّ إليه شوقه وانضمّتا.

فقال قوم من منافقي عسكره: إنّ علياً يضاهي [7] في سحره رسول الله ابن عمّه! ما ذاك رسول الله، ولا هذا إمام، وإنّما هما ساحران! لكنّا سندور



[ صفحه 71]



من خلفه لننظر إلي عورته وما يخرج منه؛

فأوصل الله عزّ وجلّ ذلك إلي أُذن عليّ(عليه السلام) من قبلهم.

فقال - جهراً -: يا قنبر! إنّ المنافقين أرادوا مكايدة وصيّ رسول الله 2علي وصيّ رسول الله، 4(صلي الله عليه وآله)، وظنّوا أنّه لا يمتنع منهم إلّا بالشجرتين، فارجع إلي الشجرتين، وقل لهما: إنّ وصيّ رسول الله 2علي وصيّ رسول الله، 4(صلي الله عليه وآله) يأمركما أن تعودا إلي مكانيكما.

ففعل ما أمره به، فانقلعتا وعدت كلّ واحدة منهما تفارق الأخري، كهزيمة الجبان من الشجاع البطل.

ثمّ ذهب عليّ(عليه السلام) ورفع ثوبه ليقعد وقد مضي جماعة من المنافقين لينظروا إليه، فلمّا رفع ثوبه أعمي الله تعالي أبصارهم، فلم يبصروا شيئاً، فولّوا عنه وجوههم، فأبصروا كما كانوا يبصرون؛ ثمّ نظروا إلي جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلي جهته ويعمون، ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون، إلي أن فرغ عليّ(عليه السلام) وقام ورجع، وذلك ثمانون مرّة من كلّ واحد منهم.

ثمّ ذهبوا ينظرون ما خرج منه، فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرّة، حتّي نودي فيهم بالرحيل [فرحلوا]، وما وصلوا إلي ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلّا عتوّاً وطغياناً، وتمادياً في كفرهم وعنادهم.

فقال بعضهم لبعض: أنظروا إلي هذا العجب! من هذه آياته ومعجزاته، يعجز عن معاوية وعمرو ويزيد! فأوصل الله عزّ وجلّ ذلك من قبلهم إلي أُذنه.

فقال عليّ(عليه السلام): يا ملائكة ربّي! ائتوني بمعاوية وعمرو ويزيد.

فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنّهم الشرط السودان، [و]قد علّق كلّ



[ صفحه 72]



واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلي حضرته، فإذا أحدهم معاوية، والآخر عمرو، والآخر يزيد.

[ف] قال عليّ(عليه السلام): تعالوا فانظروا إليهم، أما لو شئت لقتلتهم، ولكنّي أنظرهم كما أنظر الله عزّ وجلّ إبليس إلي يوم الوقت المعلوم، إنّ الذي ترونه بصاحبكم ليس بعجز ولا ذلّ، ولكنّه محنة من الله عزّ وجلّ لكم، لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم علي عليّ(عليه السلام) فقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم علي رسول ربّ العالمين.

فقالوا: إنّ من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة ورجع، كيف يحتاج إلي أن يهرب ويدخل الغار، ويأتي [إلي] المدينة من مكّة في أحد عشر يوماً؟

[قال]: وإنّما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة، لتعرفوا صدق أنبياء الله وأوصيائهم، وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون، لينظر كيف تعملون، وليظهر حجّته عليكم. [8] .

2 - الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام): وقال عليّ بن محمّد صلوات الله عليهما:... إنّ رجلاً من ثقيف كان أطبّ الناس يقال له: الحارث بن كلدة الثقفي جاء إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله).

فقال: يا محمّد!...أنا أمتحن أمرك بآية أُطالبك بها، إن كنت نبيّاً فادع تلك



[ صفحه 73]



الشجرة - وأشار لشجرة عظيمة بعيد عمقها - فإن أتتك علمت أنّك رسول الله وشهدت لك بذلك، وإلّا فأنت [ذلك] المجنون الذي قيل لي.

فرفع رسول الله(صلي الله عليه وآله) يده إلي تلك الشجرة وأشار إليها أن تعالي، فانقلعت الشجرة بأصولها وعروقها، وجعلت تخدّ في الأرض أخدوداً عظيماً كالنهر حتّي دنت من رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فوقفت بين يديه، ونادت بصوت فصيح: هاأنا ذا يا رسول الله [صلي الله عليك] ما تأمرني؟

فقال لها رسول الله(صلي الله عليه وآله): دعوتك لتشهدي لي بالنبوّة بعد شهادتك لله بالتوحيد، ثمّ تشهدي [بعد شهادتك لي] لعليّ(عليه السلام) هذا بالإمامة، وإنّه سندي وظهري، وعضدي وفخري [وعزّي]، ولولاه ما خلق الله عزّ وجلّ شيئاً ممّاخلق. فنادت: أشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّك يامحمّد عبده ورسوله، أرسلك بالحقّ بشيراً [ونذيراً]، وداعياً إلي الله بإذنه، وسراجاً منيراً، وأشهد أنّ عليّاً ابن عمّك هو أخوك في دينك، [و] أوفر خلق الله من الدين حظّاً، وأجزلهم من الإسلام نصيباً، وأنّه سندك وظهرك، [و]قامع أعدائك، وناصر أوليائك، [و]باب علومك في أُمّتك، وأشهد أنّ أولياءك الذين يوالونه ويعادون أعداءه حشو [9] الجنّة، وأنّ أعداءك الذين يوالون أعداءه ويعادون أولياءه حشو النار.... [10] .



[ صفحه 74]




پاورقي

[1] نفض: نفضت الورق من الشجر: أسقطته. مجمع البحرين: 4 / 231 (نفض).

[2] الكرش: بمنزلة المعدة للإنسان. لسان العرب: 6 / 339 (كرش).

[3] ملساء: بلانبات. أقرب الموارد: 5 / 258 (ملس).

[4] وَغَلَ في الشي ء يَغِلُ وُغُولاً: دخل فيه وتواري به، وذهب وأبعد. أقرب الموارد: 5 / 800 (وغل).

[5] المفازة بالفتح: الفلاة لا ماء فيها. أقرب الموارد: 4 / 213 (فاز).

[6] صميم الحرّ والبرد: أشدّه. مجمع البحرين: 6 / 103 (صمم).

[7] المضاهاة: مشاكلة الشي ء بالشي ء. لسان العرب: 14 / 787 (ضها).

[8] تفسير الإمام العسكريّ(عليه السلام): 163، ح 81 و82. عنه البحار: 17 / 307، ضمن ح 14، و42 / 29، ح 8، ومدينة المعاجز: 1 / 471، ح 310، و473، ح 311، قطعة منه، وإثبات الهداة: 2 / 481، ح 287، قطعة منه. قطعة منه في (إمتثال الشجرتين لأمر أمير المؤمنين(عليه السلام)) و(ما رواه(عليه السلام) عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)) و(ما رواه عن عليّ(عليها السلام)).

[9] (حشا) الوسادة ونحوها حشواً: ملأها بالقطن ونحوه. المعجم الوسيط: 177.

[10] تفسير الإمام العسكريّ(عليه السلام): 168، ح 83. يأتي الحديث بتمامه في ج 3، رقم 1047.