بازگشت

دعاؤه علي المتوكل


1 - السيّد ابن طاووس(رحمه الله): حدّثنا الشريف أبو الحسن محمّد بن محمّد بن المحسن بن يحيي بن الرضا أدام الله تأييده، يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجّة سنة أربع وأربعمائة بمشهد مقابر قريش علي ساكنه السلام قال: حدّثني أبي(رضي الله عنه) قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن صدقة يوم السبت لثلاث بقين من سنة اثنين وستّين وثلاثمائة بمشهد مقابر قريش علي ساكنه السلام من حفظه قال: أخبرنا سلامة محمّد الأزديّ قال: حدّثني أبو جعفر بن عبد الله العقيليّ، وحدّثني أبو الحسن محمّد بن تريك الرهاويّ قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد الموصليّ إجازة قال: حدّثني أبو محمّد جعفر بن عقيل بن عبد الله ابن عقيل بن محمّد بن عبد الله بن عقيل بن أبي طالب(عليه السلام) قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمّد، حدّثني أبو روح النسّابيّ، عن أبي الحسن عليّ ابن محمّد(عليها السلام) أنّه دعا علي المتوكّل فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه: اللهمّ! إنّي وفلاناً بدان من عبيدك إلي آخر الدعاء الذي يأتي ذكره ووجدت هذا الدعاء مذكوراً بطريق آخر هذا لفظه، ذكر بإسنادنا عن زُرافة حاجب المتوكّل وكان شيعيّاً، أنّه قال: كان المتوكّل يحظي الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله أراد أن يبيّن موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأُمراء والقوّاد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن يزيّنوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاة بين يديه، وأن لايركب أحد إلّا هو والفتح بن خاقان خاصّة بسرّ من رأي، ومشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة، وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليّ بن محمّد(عليها السلام)، وشقّ عليه ما لقيه من الحرّ والرحمة. [1] .

قال زُرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيّدي! يعزّ والله عليّ ماتلقي من هذه الطغاة، وما قد تكلّفته من المشقّة، وأخذت بيده فتوكّاء عليّ، وقال:

يا زُرافة! ما ناقة صالح عند الله بأكرم منّي أو قال: بأعظم قدراً منّي، ولم أزل أُسائله وأستفيد منه، وأحادثه إلي أن نزل المتوكّل من الركوب، وأمر الناس بالإنصراف، فقدّمت إليهم دوابّهم فركبوا إلي منازلهم، وقدّمت بغلة له فركبها، فركبت معه إلي داره، فنزل وودّعته وانصرفت إلي داري، ولولدي مؤدّب يتشيّع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث وما جري من ركوب المتوكّل والفتح ومشي الأشراف وذوي الإقتدار بين أيديهما، وذكرت له ماشاهدته من أبي الحسن عليّ ابن محمّد(عليها السلام)، وما سمعته عن قوله: ما ناقة صالح عندي بأعظم قدراً منّي، وكان المؤدّب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنّك سمعت هذا اللفظ منه.

فقلت له: والله سمعته يقول.

فقال لي: اعلم! أنّ المتوكّل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيّام ويهلك، فانظر في أمرك واحرز ما تريد إحرازه، وتأهّب لأمرك كي لا يفجوكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث، أو سبب يجري.

فقلت له: من أين لك؟



[ صفحه 569]



فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح(عليه السلام) والناقة وقوله تعالي: (تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [2] ولا يجوز أن يبطل قول الإمام.

قال زُرافة: فوالله! ما جاء اليوم الثالث حتّي هجم المنتصر ومعه بَغا، ووصيف، والأتراك علي المتوكّل فقتلوه وقطّعوه، والفتح بن الخاقان جميعاً قطّعاً حتّي لم يعرف أحدهمامن الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته، فلقيت الإمام أبا الحسن(عليه السلام) بعد ذلك وعرّفته ما جري مع المؤدّب و ما قاله.

فقال(عليه السلام): صدق أنّه لمّا بلغ منّي الجهد رجعت إلي كنوز نتوارثها من آبائنا، هي أعزّ من الحصون والسلاح والجنن، وهو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله.

فقلت له: يا سيّدي! إن رأيت أن تعلّمنيه، فعلّمنيه وهو: «اللهمّ! إنّي وفلان بن فلان عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيتنا، وتطّلع علي نيّاتنا، تحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عنك شي ء من أُمورنا، ولا يستتر دونك حالٌ من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصّننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا، ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولايغالبك مغالب بمنعة، ولا يعازّك متعزّز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، وقادر عليه أين لجأ؛ فمعاذ المظلوم منّا بك، وتوكّل المقهور منّا عليك، ورجوعه إليك، ويستغيث بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه



[ صفحه 570]



النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف مايصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.

اللهمّ! إنّه قد كان في سابق علمك، ومحكم قضاءك، وجاري قدرك، وماضي حكمك ونافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم، وشقيّهم، وبرّهم، وفاجرهم، أن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرةً فظلمني بها، وبغي عليّ لمكانها، وتعزّز عليّ بسلطانه الذي خوّلته إيّاه، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله التي جعلتها له، وعزّه إملاءك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، وتغمّدني بشرّ ضعفت عن احتماله، ولم أقدر علي الإنتصار منه لضعفي، والإنتصاف منه لذلّي، فوكلته إليك، وتوكّلت في أمره عليك، وتوعّدته بعقوبتك، وحذّرته سطوتك، وخوّفته نقمتك، فظنّ أنّ حلمك عنه من ضعف، وحسب أنّ إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أُخري، ولا انزجر عن ثانيةٍ بأولي، ولكنّه تمادي في غيّه، وتتابع في ظلمه، ولجّ في عدوانه، واستشري في طغيانه جرأةً عليك يا سيّدي! وتعرّضاً لسخطك الذي لا تردّه عن الظالمين، وقلّة اكتراثٍ ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين؛

فها أنا ذا يا سيّدي! مستضعف في يديه، مستضام [3] تحت سلطانه، مستذلّ بعنائه، مغلوب مبغيّ عليّ، مغضوب وجل خائف مروّع مقهور، قد



[ صفحه 571]



قلّ صبري، وضاقت حيلتي، وانغلقت عليّ المذاهب إلّا إليك، وانسدّت عليّ الجهات إلّا جهتك، والتبست عليّ أُموري في دفع مكروهه عنّي، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه، وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً، واستشرت نصيحي، فأشار إليّ بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلّا عليك، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً عالماً، أنّه لا فرج إلّا عندك، ولا خلاص لي إلّا بك، انتجز وعدك في نصرتي وإجابة دعائي، فإنّك قلت وقولك الحقّ الذي لا يردّ ولايبدّل: (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ي ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ) [4] وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [5] وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك، وكيف أمنّ به وأنت عليه دللتني، فصلّ علي محمّد وآل محمّد، فاستجب لي كما وعدتني يامن لا يخلف الميعاد، وإنّي لأعلم يا سيّدي أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنّك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لا يبلغان بي الصبر علي أناتك وانتظار حلمك.

فقدرتك عليّ يا سيّدي! ومولاي فوق كلّ قدرة، وسلطانك غالب علي كلّ سلطان، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته، وقد أضرّني يا ربّ حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له، وإمهلالك إيّاه، وكاد القنوط يستولي عليّ لولا الثقة بك، واليقين بوعدك،



[ صفحه 572]



فإن كان في قضاءك النافذ وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، أو يكفّ مكروهه عنّي، وينتقل عن عظيم ما ركب منّي، فصلّ اللهمّ علي محمّد وآل محمّد، وأوقع ذلك في قلبه الساعة، الساعة، قبل إزالة نعمتك التي أنعمت بها عليّ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي.

وإن كان في علمك به غير ذلك من مقام علي ظلمي فأسألك يا ناصر المظلوم المبغيّ عليه إجابة دعوتي، فصلّ علي محمّد وآل محمّد، وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، وفرّق أنصاره كلّ مفرّق، وأعره [6] من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يامبير الأمم الظالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابتر عمره، وابتزّ ملكه، وعفّ أثره، واقطع خبره، وأطف ناره، وأظلم نهاره، وكوّر شمسه، وأزهق نفسه، وأهشم شدّته، وجبّ سنامه، وأرغم أنفه، وعجّل حتفه، ولا تدع له جنّةً إلّا هتكتها ولا دعامة إلّا قصمتها، ولا كلمةً مجتمعةً إلّا فرّقتها، ولا قائمة علوّ إلّا وضعتها، و لا ركناً إلّا وهنته، ولا سبباً إلّا قطعته، وأرنا أنصاره وجنده، وأحبّائه وأرحامه عباديد بعد الألفة، وشتّي بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤس بعد الظهور علي الأُمّة، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة، والأفئدة اللهفة، والأُمّة المتحيّرة، والبريّة الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطّلة، والأحكام المهملة، والسنن الداثرة، والمعالم المغيرّة،



[ صفحه 573]



والتلاوات المتغيّرة، والآيات المحرّفة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوّة، والمساجد المهدومة، وأرح به الأقدام المتعبة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرو به اللهوات اللاغبة، والأكباد الظامية، وأرح به الأقدام المتعبة، وأطرقه بليلة لا أخت لها، وساعة لا شفاء منها، وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغّص نعيمه، وأره بطشتك الكبري، ونقمتك المثلي، وقدرتك التي هي فوق كلّ قدرة، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه، وأغلبه لي بقوّتك القويّة، ومحالك الشديدة، وامنعني منه بمنعتك التي كلّ خلق فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوء لا تستره، وكِله إلي نفسه فيما يريد إنّك فعّال لما تريد، وأبرئه من حولك وقوّتك، وأحوجه إلي حوله وقوّته، وأذلّ مكره بمكرك، وادفع مشيئته بمشيئتك، وأسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأزل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكّه من حزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلي زوال، ونعمته إلي انتقال، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعاقبته إلي شرّ مآل، وأمته بغيظه إذا أمتّه، وابقه لحزنه إن أبقيته، وقني شرّه وهمزه ولمزه وسطوته وعداوته، وألمحه لمحةً تدمّر بها عليه، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، والحمد لله ربّ العالمين. [7] .



[ صفحه 574]




پاورقي

[1] في البحار: الزحمة.

[2] هود: 11 / 65.

[3] الضيم: الظلم، وقد ضامه يضيمه واستضام فهو مضيم ومستضام: أي مظلوم. مجمع البحرين: 6 / 105 (ضيم).

[4] الحج: 22 / 60.

[5] غافر: 40 / 60.

[6] أعري إعراءً فلان النخلة: وهبه ثمرة عامها. المنجد: 503 (أعري).

[7] مهج الدعوات: 318، س 4. عنه مصباح الكفعميّ: 280، س 12، بزيادة، والبحار: 50 / 192، ح 5، و92 / 234، ح 30. الصراط المستقيم: 2 / 204، ح 8، قطعة منه. قطعة منه في (إنّ الهادي(عليه السلام) أكرم من ناقة صالح) و(إخباره(عليه السلام) بقتل المتوكّل) و(استجابة دعاؤه(عليه السلام) علي المتوكّل) و(إنّه وارث كنوز آبائه(عليهم السلام)) و(محادثته(عليه السلام) مع الناس) و(أحواله(عليه السلام) مع المتوكّل) و(سورة هود: 11 / 65) و(الآيات التي قرأها(عليه السلام) في الأدعية).