بازگشت

احتجاجاته و مناظراته


وفيه موضوعان

إنّ الدعوة إلي توحيد الله سبحانه وتعالي، ومايترتّب عليها من نعم عظيمة، ونتائج والتزامات لم يحملها الأنبياء والمرسلون إلي أقوامهم، مجرّد دعوة خالية من الحجج والأدلّة والبراهين، فقد راحت السماء تمدّهم بما يحتجّون به علي أقوامهم، ولم تكتف بهذا، بل راحت هي نفسها تفنّد مايدّعون، وتفوّض مايزعمون، وهو مانجده عبر آيات قرآنيّة تحكي لنا تأريخ الرسالات وجهود كلّ نبيّ مع قومه، حين راح كلا الطرفين يتمسّك بحجّته، ويدلي بها دليلاٌ علي صحّة مايراه، حتّي استطاع أنبياء الله ورسله، وهم يحاجّون أقوامهم بما يملكونه من أقوال وآراء مبنيّة علي الحجّة والدليل أن يغلبوهم، وأن يدحضوا مايزعمون، بل مايفترون، ويثبتوا لهم الحقّ بأوضح دليل وأفضل بيان، فآمن جمع، وأنكرها آخرون استعلاءً وعناداً، وحفظاً علي مصالحهم، وقد وصفهم القرآن الكريم فقال: (وَجَحَدُواْ بِهَا



[ صفحه 80]



وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [1] ومن هذه الإحتجاجات الكثيرة، قوله تعالي في إثبات وحدانيّته: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [2] وهكذا في تقديمه الدليل علي وجوده (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَتِ وَالأَْرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْ ءٍ) [3] (أَفَلَايَنظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ - وَإِلَي السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ - وَإِلَي الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ - وَإِلَي الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [4] وتوالت الإحتجاجات من قبل الأنبياء والمرسلين(عليهم السلام)، كإحتجاج إبراهيم الخليل(عليه السلام) علي نمرود بن كنعان حين تجبّر وادّعي الربوبيّة، وهو ماتبيّنه لنا الآية الكريمة إذ تقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَآجَّ إِبْرَهِيمَ فِي رَبِّهِ ي أَنْ ءَاتَلهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ ي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِ ي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) [5] واحتجاج نبيّ الإسلام علي

نصاري نجران في قوله تعالي: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن م بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ) [6] فهذا وأشباهه يُعرِب عن مشروعيّة الجدال، وقد أمر الله نبيّه بالجدال الأحسن حيث قال: (وَجَدِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وهو إقامة الحجّة القاطعة والبرهان الواضح في الكلام لتنوير فكر الخصم، وتعريفه علي الواقع، فيكون إيمانه عن علم وبصيرة.



[ صفحه 81]



ونضيف إلي مشروعيّته والاهتمام به، ما روي عن فاطمة(عليهاالسلام) وأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في احتجاجاتهما علي الخلافة بعد الرسول(صلي الله وآله وسلم) وعلي غصب فدك، وماروي عن أئمّة الهدي(عليهم السلام) في كتب الحديث والتأريخ والتفسير في الاحتجاج والمناظرة طيلة حياتهم مع رؤساء الديانات والعقائد، وليس هذا فقط، بل راحوا يعلّمون أتباعهم صنوف المحاورات العلمية، والاحتجاجات والمناظرات الدينيّة، ونهيهم من ليس له معرفة بشرائط المحاجّة، عن المناظرة، كما يقف عليه المتتبّع.

ثمّ انظر إلي حياة الإمام الصادق(عليه السلام) (مؤسّس الفقه الجعفريّ) ومناظراته(عليه السلام) الكثيرة مع الفرق المختلفة، وإلي حلقات المتربّين علي يديه في فنّ المناظرة، كهشام بن الحكم وحُمران بن أعين وغيرهما.

وهذا الإمام عليّ بن موسي الرضا(عليهاالسلام) في مجلس المأمون حيث اجتمع عليه كلّ من أصحاب المقالات مثل الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، فأدحض أقوالهم بالدليل والحجّة.

وهؤلاء علماء الإماميّة قديماً، كالعلاّمة الحلّيّ، ومن قبله الشيخ المفيد الذي كان يناظر أهل كلّ عقيدة في الدولة البويهيّة [7] ،وغيرهما من السلف الصالح الذين ناظروا المخالفين في مجالات شتّي، وسدّوا عليهم أبواب الطعن والهجاء.

وللإمام الهادي(عليه السلام) مناظرات مع بعض المخالفين، ومع الخليفة المتوكّل، قد أتينا بما تيسّر لنا منها.



[ صفحه 82]




پاورقي

[1] النمل: 27 / 14.

[2] الأنبياء: 21 / 22.

[3] الأعراف: 7 / 185.

[4] الغاشية: 88 - 20 / 17.

[5] البقرة: 2 / 258.

[6] آل عمران:3 / 61.

[7] انظر: سير أعلام النبلاء: 17 / 344.