بازگشت

قيادة الناس


لقد كان الامام علي الهادي عليه السلام يقود الجماهير قيادة حقيقية، و كان يستولي علي قلوب الناس، و من يستولي علي قلوبهم يستطيع أن يوجههم كيفما يريد «كان الامام يقود الأمة قيادة حقيقية، ذلك لأن سيطرة الخلافة العباسية قد تراجعت منذ عهد الامام الرضا عليه السلام الي درجة أنها لم تكن تعني شيئا كبيرا، و قد فرضت الحركة الرسالية نفسها علي الأحداث بشكل كبير، فكان الامام علي الهادي عليه السلام ينتقل بين المدينة المنورة و سامراء، و عندما يكون في المدينة فانه يعيش و كأنه دولة داخل دولة، أي ان والي المدينة لم يكن له من القدرة و القوة ليفرض أي أمر علي الامام» [1] .

و بالفعل فان الامام عليه السلام كان يشكل دولة داخل دولة، و كان الامام في المدينة هو القائد و الموجه، و قد ارتبط الناس



[ صفحه 22]



في المدينة بالامام عليه السلام ارتباطا عضويا، و لم يكن للخليفة العباسي أن تأثير علي الجماهير، و هذه الرواية تدل علي ذلك: «قال المسعودي في اثبات الوصية ان بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين كتب الي المتوكل ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها، فانه قد دعا الناس الي نفسه و اتبعه خلق كثير. و تابع بريحة الكتب في هذا المعني، و قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص قال علماء السير: انما أشخصه المتوكل من المدينة الي بغداد لأن المتوكل كان يبغض عليا و ذريته فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة المنورة و ميل الناس اليه فخاف منه، فدعا يحيي بن هرثمة و قال اذهب الي المدينة و انظر في حاله و أشخصه الينا، قال يحيي فذهبت الي المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي وقامت الدنيا علي ساق لأنه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد، و لم يكن عنده ميل الي الدنيا فجعلت أسكنهم و أحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه و أنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه الا مصاحف و أدعية و كتب العلم فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي و أحسنت عشرته» [2] هذه الرواية تدل علي عدة حقائق هي:



[ صفحه 23]



1- ان الامام عليه السلام كان يقدم نفسه كقيادة شرعية للجماهير «فانه قد دعا الناس الي نفسه و اتبعه خلق كثير».

2- ان الامام عليه السلام كان يشكل خطرا يهدد القيادة الرسمية (الخلافة)، و هذا يعني أن الامام كان يتحرك للانقضاض علي الخلافة غير الشرعية «انما أشخصه المتوكل من المدينة الي بغداد لأن المتوكل كان يبغض عليا و ذريته فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة و ميل الناس اليه، فخاف منه».

3- ان الامام عليه السلام استطاع أن يستقطب الجماهير نحوه و أن يؤلب الناس ضد الخلافة غير الشرعية «قال يحيي فذهبت الي المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي وقامت الدنيا علي ساق».

و هناك رواية أخري تدل علي أن المتوكل حينما أراد أن يأتي بالامام عليه السلام الي بغداد كتب اليه كتابا يظهر فيه حبه و اشتياقه اليه و قد جاء في الكتاب:«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فان أميرالمؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الأمور فيك و في أهل بيتك، ما يصلح الله به حالك و حالهم، و يثبت به عزك و عزهم، و يدخل الأمن عليك و عليهم يبتغي بذلك رضا ربه، و أداء ما فرض عليه فيك و فيهم.



[ صفحه 24]



فقد رأي أميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولي من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك، و استخافه بقدرك، و عندما قرنك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم أميرالمؤمنين براءتك منه و صدق نيتك في برك و قولك، و أنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه.

و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل و أمره باكرامك و تبجيلك، و الانتهاء الي أمرك و رأيك، و التقرب الي الله و الي أميرالمؤمنين بذلك، و أميرالمؤمينن مشتاق اليك، يحب احداث العهد بك، و النظر الي وجهك.

فان نشطت لزيارته و المقام قبله، ما أحببت، شخصت و من اخترت من أهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة، ترحل اذا شئت، و تنزل اذا شئت و تسير اذا شئت كيف شئت، و ان أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند يرحلون برحيلك، و يسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك اليك، و قد تقدمنا اليه بطاعتك.

فاستخر الله حتي توافي أميرالمؤمنين، فما أحد من اخوته و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منك منزلة و لا أحمد له أثرة و لا هو لهم أنظر، و لا عليهم أشفق، و بهم أبر، و لا هو اليهم أسكن منه اليك، والسلام عليك و رحمة و بركاته.



[ صفحه 25]



فلما وصل الكتاب الي أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل و خرج معه يحيي بن هرثمة» [3] .

نستنتج من هذه الرواية عدة حقائق هي:

1- ان هذه الرسالة من المتوكل الي الامام انما كانت بعد الوشايات و الشكايات التي كان يقدمها و الي المأمون في المدينة و جواسيسه ضد الامام للمتوكل، و هذا يعني أن الامام عليه السلام كان يهدد الحكم العباسي بالخطر، و أن الامام كان هو المسيطر علي قلوب الناس، و يستطيع تحريكهم متي ما أراد.

2- ان الرسالة كانت توحي بأن المتوكل يريد تكريم الامام و الحفاظ عليه، مع العلم بأن المتوكل كان من أشد الخلفاء بغضا للأئمة، حتي أنه أمر بحفر قبر الامام الحسين عليه السلام و قتل كل من يزوره!! ان هذا ان دل علي شي ء فانما يدل علي قوة الامام عليه السلام و الا فان المتوكل ما كان ليكتب بهذا الأسلوب، و هل رأيت - عزيزي القارئ - انسانا يكتب لعدوه اللدود بمثل هذا الأسلوب الا لخوف منه؟؟!

3- ان كلمة (أميرالمؤمنين) تكررت في رسالة المتوكل للامام ثماني مرات، و يقصد بها نفسه - أي المتوكل -، و هذا يدل علي أن المتوكل كان يريد أن يوضح للناس و للامام بأنه ما زال هو الخليفة و الحاكم، و أن الامام عليه السلام لا يمثل الا



[ صفحه 26]



نفسه و أن علي الجماهير أن تخضع لقيادة المتوكل لا الامام عليه السلام.

4- أراد المتوكل أن يدخل الامام عليه السلام في لعبة سياسية «و أميرالمؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك و النظر اليك» و هو نفس أسلوب من سبقه من الخلفاء، كما فعل المأمون قبله مع الرضا و الجواد عليهم السلام و محاولة دمجهما في الجهاز الحاكم ليكونا تحت رقابة القصر مباشرة، و هذه المبادرة من المتوكل تدل علي ضعفه لأن ادخال الامام في الجهاز الحاكم يعطيه شرعية البقاء.

فالامام الهادي عليه السلام اذن كان قيادة حقيقية، يوجه الناس نحو القيم و المبادئ و يرشدهم الي الطريق الصحيح «حيث كان كبار الرساليين في المدينة المنورة يجتمعون مع الامام فيجلس و يعطيهم الأوامر و تحمل اليه الأموال الكثيرة، و الامام أيضا يبعث بتلك الأموال الي أصحابها، أي انه كان يقود دورة مالية في الأمة الاسلامية» [4] .

«و مرة جاء الي المتوكل أحد الجواسيس و قال: أنت جالس في قصرك هنا و الأموال تحمل الي علي الهادي، قال: عجيب!! من الذي يحمل الأموال اليه؟



[ صفحه 27]



قال: الآن ستأتي قافلة من قم و معها أموال الي علي الهادي.

فطلب المتوكل فتح بن خاقان أكبر وزرائه و هو قائد الجيش أيضا، و قال له: ان قافلة تأتي من طرف كذا تدخل سامراء غدا صباحا، فأريدك أن تأخذ جيشا و تأخذ علي القافلة و تري اذا كانت في القافلة أموال محمولة الي علي الهادي تقبضها و تأتي بها الي.

فخرج الفتح بن خاقان الي المهمة.

لكن مكر المتوكل لم ينجح [5] ، فعن محمد بن داود القمي و محمد الطلحي قالا: حملنا مالا من خمس و نذر و هدايا و جواهر اجتمعت في قم و بلادها، و خرجنا نريد بها سيدنا أباالحسن الهادي عليه السلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول فرجعنا الي قم و أحرزنا ما كان عندنا، فجاءنا أمره بعد أيام أن قد أنفذنا اليكم ابلا و عيرا فاحملوا عليها ما عندكم، و خلوا سبيلها، قال: فحملناها و أودعناها الله فلما كان من قابل، قدمنا عليه، فقال: انظروا الي ما حملتم الينا فنظرنا فاذا المنايح [6] كما هي» [7] .



[ صفحه 28]



هذه الرواية تدل بوضوح أن الناس كانوا يرتبطون بالامام عليه السلام في جميع شؤونهم و ليس بالخليفة، و هناك رواية أخري تدل علي شخصية الامام القيادية «عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي قال كنت مع أبي علي علي باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الي عباسي و جعفري و نحن وقوف اذا جاء أبوالحسن فترجل الناس كلهم حتي دخل، فقال بعضهم لبعض لمن نترجل؟ لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا والله لا ترجلنا له فقال أبوهاشم الجعفري والله لتترجلن له صغرة اذا رأيتموه فما هو الا أن أقبل و بصروا به حتي ترجل الناس كلهم، فقال لهم أبوهاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا!!» [8] .

هذه الرواية تدل علي أن الامام كان شخصية قيادية، و الا فان الناس لا يترجلون للأفراد العاديين في المجتمع.

و كان الامام عليه السلام بوصفه قائدا للأمة الاسلامية يقوم بواجباته القيادية و مسؤولياته الشرعية، و يمارس صلاحياته، فكان عليه السلام يخدم الناس، و يقضي حوائجهم، و يزور مرضاهم. و ذات مرة «دخل أبوعمرو عثمان بن سعيد،



[ صفحه 29]



و أحمد بن اسحاق الأشعري، و علي بن جعفر الهمداني علي أبي الحسن العسكري، فشكا اليه أحمد بن اسحاق دينا عليه.

فقال: يا أباعمرو - و كان وكيله - ادفع اليه ثلاثين ألف دينار، و الي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، و خذ أنت ثلاثين ألف دينار» [9] .

و «قال أبوهاشم الجعفري: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت الي أبي الحسن علي بن محمد فأذن لي، فلما جلست قال: يا أباهاشم أي نعم الله عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟؟

قال أبوهاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له!

فابتدأ عليه السلام فقال: رزقك الايمان فحرم به بدنك علي النار، و رزقك العافية فأعانتك علي الطاعة، و رزقك القنوع فصانك عن التبذل.

يا أباهاشم انما ابتدأتك هذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو الي من فعل بك هذا، و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها» [10] .

و في رواية ثالثة: «قال اسحاق الجلاب: اشتريت لأبي



[ صفحه 30]



الحسن غنما كثيرة، فدعاني فأدخلني من اصطبل داره الي موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به» [11] .

هذه الروايات تدل علي أن الامام عليه السلام كان يعمل من أجل خدمة الجماهير، و قضاء حوائجهم، و القائد الحقيقي هو الذي يقدم خدمات للجماهير، لا الذي يقدم قرارات للجماهير و حسب، و لذلك فالناس ارتبطت بالامام الهادي عليه السلام كقائد و موجه لها، لذلك فان أهم عمل في حياة الامام هو قيادة الأمة و توجيهها.



[ صفحه 31]




پاورقي

[1] التاريخ الاسلامي: ص 367.

[2] في رحاب أئمة أهل البيت: ج 4 ص 176.

[3] البحار، ج 50، ص 200، رقم 11.

[4] التاريخ الاسلامي: ص 368.

[5] التاريخ الاسلامي: ص 370.

[6] المنايح: جمع المنيحة، الهدايا و العطايا.

[7] البحار، ج 50، ص 185، رقم 62.

[8] في رحاب أئمة أهل البيت: ج 4 ص 176.

[9] أئمتنا ص 222.

[10] البحار، ج 50، ص 129، رقم 7.

[11] أئمتنا: ص 223.