بازگشت

الثورات العلوية و علاقتها بالامام


لقد كان الأئمة عليهم السلام يقودون الثورات ضد الأمويين و العباسيين من وراء الستار بعد أن كانوا يربون الثائرين في بيوتهم و حجورهم، ثم كانوا يمدونهم بالدعاء، و ينعونهم بعد مقتلهم و يدفعون الأموال الي من بقي منهم و يلعنون قتلتهم، و انما لم يكن الامام هو الذي يقوم بالثورة الظاهرة، لأجل تكميل المسيرة الفكرية، عقيدة و شريعة.

و أخيرا كان يظهر أمرهم عليهم السلام في معارضة السلطة، و العمل لاجتثاثها، و لذا كان الجائرون يلقون عليهم القبض، و ينهبون أموالهم، و يحرقون دورهم، و يسجنونهم، و أخيرا يقتلونهم. و الا فهل السلطات الجائرة تفعل مثل ذلك بغير المعارضين لها، المقوضين لدولها؟!



[ صفحه 79]



و لذا، نجد عصور الأئمة عليهم السلام مليئة بالثورات الشعبية التي كان يتزعمها أولاد الأئمة و أقربائهم و تلاميذهم و أتباعهم، ففي عهد الامام السجاد عليه السلام ثار التوابون و حكم المختار و ثار أهل المدينة، و في عهد الامام الباقر عليه السلام قام بالثورة أخو الامام زيد بن علي بن الحسين عليهماالسلام، و بعد مقتله ثار ولده يحيي بن زيد، و في عهد الامام الصادق عليه السلام حدثت ثورة عبدالله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب عليهم السلام، و بعده تفجرت ثورة محمد بن عبدالله ذي النفس الزكية من أحفاد الامام الحسين عليه السلام، و كذلك ثار أخوه ابراهيم بن عبدالله.

و في عهد الامام الكاظم عليه السلام ثار الحسين بن علي شهيد فخ بجمع كبير من بني هاشم، و ثار يحيي و ادريس. و في عهد الامام الرضا عليه السلام ثار أخو الامام عليه السلام زيد، و ثار محمد بن ابراهيم أبوالسرايا، و محمد الديباج ابن الامام الصادق عليه السلام و ابراهيم ابن الامام الكاظم عليه السلام. و في عهد الامام الجواد عليه السلام ظهرت ثورة عبدالرحمن بن أحمد من أبناء عم الامام الجواد عليه السلام، و محمد بن القاسم من أحفاد الامام أميرالمؤمنين عليه السلام الي غيرها مما يجدها الطالب في كافة التواريخ المعنية بهذا الشأن [1] .



[ صفحه 80]



و في فترة امامة الامام الهادي عليه السلام التي كانت من الفترات الطويلة، كانت هناك ثورات عديدة فجرتها الحركة الرسالية، و قد بدأت بثورة محمد بن صالح بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

و كان من فتيان آل أبي طالب و فتاكهم و شجعانهم و ظرفائهم و شعرائهم، و كان قد ثار في (سوبقة) و خرجت جموع الناس معه، و في تلك السنة كان يحج بصورة رسمية من قبل السلطات العباسية رجل يدعي (أبوالساج) الذي ترك محمد بن صالح بن عبدالله و اسمه موسي بن عبدالله و أفشي قضايا كثيرة لأنه كان خائفا من نجاح الثورة و من بعدها يصيبه ما يصيبه، فاقتيد محمد بن صالح خدعة الي أبي الساج و من ثم الي المتوكل العباسي الذي حبسه الي قبل مماته بسنتين.

و أيضا ثار الحسن بن زيد و معه محمد بن اسماعيل بن زيد في طبرستان و نواحي الديلم، فانتصر علي السلطات العباسية المتواجدة هنالك، و ربما كان الوحيد الذي انتصر في تلك الفترة، كما ثار محمد بن محمد بن جعفر بالري، الا أنه لم يحقق انتصارا فحبسه عبدالله بن ظاهر بنيشابور حتي مات.

و كان أحمد بن عيسي قد تواري عن الأنظار بعد هروبه من سجن هارون الرشيد فأمر هارون بتفتيش كل دار يتهم صاحبها بالرسالية و طلب أحمد، ذلك لأن أحمد بن عيسي بن



[ صفحه 81]



زيد بن علي بن الحسين عليه السلام تواري في بغداد و بعدها انتقل الي أماكن عديدة، و هكذا حتي مات في تلك الأيام.

و كان ممن تورط أيضا في الثورة و الخروج عبدالله بن عيسي بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام منذ خلافة المأمون. و لم يزل عبدالله متواريا الي أن مات في أيام المتوكل.

فعن أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيي بن الحسن، قال: حدثنا اسماعيل بن يعقوب قال سمعت محمد بن سليمان الزينبي يقول:

«نعي عبدالله بن موسي الي المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات، و نعي له أحمد بن عيسي فاغتبط بوفاتهما و سر، و كان يخافهما خوفا شديدا و يحذر حركتهما، لما يعلمه من فضلهما، و استنصار الشيعة الزيدية بهما و طاعتهم لهما لو أرادوا الخروج عليه فلما مات أمن و اطمأن، فما لبث بعدها الا أسبوعا حتي قتل.

كما تقدم مسبقا عن زيد بن علي عليه السلام و أنه كان من أولاده الحسين ذي الدمعة و الذي تربي و تفقه علي يد الامام جعفر الصادق عليه السلام، و أن الحسين ذا الدمعة كان له حفيد يدعي (يحيي بن عمر بن الحسين ذي الدمعة) و هذا الأخير حكم الكوفة. و المراد هنا أن أحداث ثورة عيسي بن عمر بن



[ صفحه 82]



الحسين ذو الدمعة كانت في خلافة المتوكل الي خلافة المستعين العباسي حيث كان يحيي قد قام بانتفاضة في أيام المتوكل في خراسان فهزم من قبل عبدالله بن طاهر، فأمر المتوكل بتسليمه الي عمر بن الفرج الرخجي فسلم اليه، فكلمه بكلام فيه بعض الغلظة فرد عليه يحيي و شتمه، فشكي ذلك الي المتوكل فأمر به فضرب دررا أو ضرب ثماني عشرة مقرعة، ثم حبسه ببغداد في المطبق، فمكث علي ذلك مدة، ثم أطلق فمضي الي بغداد فلم يزل بها حينا حتي قام بالثورة في الكوفة، فدعا الي الرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و أظهر العدل و حسن السيرة الي أن قتل رضوان الله عليه، و كان (رضوان الله عليه) رجلا فارسا شجاعا، شديد البدن مجتمع القلب، بعيدا من رهق الشباب و ما يعاب به مثله.

و استمر الوضع الي استشهاد الامام الهادي عليه السلام حيث ظهر ما يزيد علي عشرين تحركا و انتفاضه في المناطق المختلفة.

و اذا ما لاحظنا أصحاب هؤلاء الثورات من هم؟ نجد أن أكثرهم من صنع الامام الهادي و تربيته، و هذا وجه آخر من وجوه قيادة الامام للأمة و للحركة الرسالية» [2] .



[ صفحه 83]



و هذا يعني أن الامام كان له علاقة وثيقة بالثائرين، بيد أنه من غير المعقول أن يقوم الثوار العلويون بالثورة و هم الذين تربوا علي يد الامام الهادي عليه السلام من غير علمه و موافقته علي ذلك، و لو لم يستشعر المتوكل العباسي الخطر من الامام لما حبسه في السجن مدة من الزمن، و لكن الحقيقة أن الامام كان يشكل خطرا علي الحكم لأنه كان يثور الجماهير ضد النظام المستبد.

«كان الثوار العلويون، عندما يتوسمون في أنفسهم القوة و الأتباع، يرون وجوب التخطيط للثورة و الخروج علي حكامهم المنحرفين، و كانت أغلب الثورات تدعو الي شعار - الرضا من آل محمد - و يريدون بهذا الشعار الشخص الذي هو أفضل آل محمد، و ليس في اعتقادهم غير الامام الهادي عليه السلام.

و الثوار بشعارهم هذا انما يريدون به تكتيكا بارعا لاخفاء اسم الامام عليه السلام، و عدم وضعه - في حال فشل الثورة - موضع التهمة و الحرج تجاه السلطات الحاكمة، و هم يعلمون أن الامام عليه السلام أمام سمع الدولة و بصرها، و لربما قتله بعد أن تتهمه باثارة العصيان و التمرد ضدها» [3] .

فالثوار اذن لو لم يكونوا يثورون تحت توجيهات الامام،



[ صفحه 84]



لما رفعوا شعار الرضا من آل محمد، و لو كانوا كاذبين في ذلك لبين الامام عليه السلام حقيقة كذبهم، و لو ضح للأمة أنه بعيد عنهم، و لكن الواقع أن هؤلاء الثوار كانوا يثورون انطلاقا من توجيهات الامام و ارشاداته، و لقد قال المتوكل ذات مرة: و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، و يقصد به الامام الهادي عليه السلام، فالامام عليه السلام كان هو الذي يقود الحركة الرسالية و ان كان بصورة غير مباشرة أحيانا، و بالتالي فان ما قامت به الحركة الرسالية من تفجير للوضع القائم من خلال انتفاضات و ثورات العلويين انما كان من توجيهات و ارشادات الامام عليه السلام.



[ صفحه 87]




پاورقي

[1] الموسوعة الفقهية، كتاب السياسة، ج 106، ص 259.

[2] التاريخ الاسلامي: ص 380.

[3] الأئمة الاثناعشر: ص 233.