بازگشت

التنظيم في العمل


لقد قلنا سابقا.... ان الامام الهادي عليه السلام كان يعمل و يتحرك ضد النظام الحاكم، و كان يثور الجماهير في وجه السلطة، الا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان الامام عليه السلام يعمل بعفوية و ارتجال أم بتخطيط و تنظيم؟!

و الحقيقة.... ان الامام عليه السلام كان يعمل بتنظيم دقيق جدا، حيث استطاع أن يتغلغل داخل الجهاز الحاكم، و أن يجمع المعلومات عن النظام بشكل كبير، و أن يعمل علي تقويض النظام من داخله.

و قد كان المتوكل من أقوي الخلفاء العباسيين، و كان النظام آنذاك قويا جدا، بحيث كان من العبث مواجهة نظام قوي كهذا بشكل عفوي و فوضوي، الا أن الحركة الرسالية المنظمة بقيادة الامام الهادي عليه السلام استطاعت أن تهز أركان النظام بالانتفاضات و الثورات و الاضطرابات المستمرة التي كانت تفجرها الحركة الرسالية هنا و هناك في طول البلاد الاسلامية و عرضها.



[ صفحه 96]



«فالسلطات الظالمة عادة ما تأتي عبر القوة المنظمة، فلا يكفي وجود القوة لديها حتي تستطيع السيطرة بل لابد من تنظيم لهذه القوة لذلك ثبت أن القوة الصغيرة ان كانت جيدة من حيث التنظيم و الروحية فقد تتغلب علي عدد أكبر منها بأضعاف و لكنه لا يملك التنظيم الجيد.

و هل كنا نتوقع أن يواجه الأئمة عليهم السلام و هم في دور المعارضة دولة كالدولة الأموية التي قامت علي تاريخ كبير من المكر و الخداع و العمل السري منذ أيام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اعتمادا علي مجموعة من التحالفات السياسية، مكنتها من السيطرة علي الخلافة، بل قتل الامام الحسين عليه السلام.

هل كنا نتوقع أن يتواجه الأئمة عليهم السلام هذه الدولة و احلال (الدولة الكريمة) مكانها، ببعض الخطب و الكتابات و التوجيهات و النصائح التربوية فقط؟

الامام علي عليه السلام يؤكد: ان القيام لاسقاط الطاغوت لابد أن يتم بنفس الخطة و بنفس التنظيم و الاستراتيجية التي قام الطاغوت علي أساسها مع الاختلاف في التفاصيل، لأن عوامل النجاح هي واحدة، و أسباب النصر لا تختلف لدي المؤمنين عنها لدي الكافرين في شي ء الا في بعض التفاصيل.

و كما يقول سيد عبدالحسين شرف الدين رحمة الله: «لا ينتشر الهدي الا من حيث انتشر الضلال».



[ صفحه 97]



و كان من اللازم و الأئمة يواجهون حكما كالحكم العباسي يقوم علي حركة عريقة في التقاليد و الفكر التنظيمي السري و يعرف أصحابه الكثير من الوسائل و الأساليب في هذا المجال، و لهذه الحركة انتشار في صفوف الجماهير، علي الأقل في بدايتها و قبل أن يكشر الحكام العباسيون عن أنيابهم.

لا شك أن الأئمة و هم يفكرون في تغيير الوضع و الحكم القائم عملوا علي انشاء حركة أكثر تنظيما و أشد ترابطا و أعمق كتمانا و سرية من الحركة العباسة لكي يستطيعوا التغلب عليها» [1] .

و حينما كان الامام الهادي عليه السلام يقود الحركة الرسالية في عهده، لم تخرج الحركة الرسالية عن خطوطها العريضة في العمل الثوري، بل ازدادت الحركة في عهد الامام الهادي عليه السلام قوة في العمل و دقة في التنظيم.

«اننا اذا نظرنا للتاريخ نجد أن بداية عهد الحديث عن الأئمة و ارتباطاتهم لم تكن بالتوكيل كما قد عرفنا عن الامام الهادي عليه السلام حيث كان يوكل نوابا في كل المناطق الاسلامية، فقد كان في عهد الأئمة الأوائل، أن الامام يوثق



[ صفحه 98]



رجلا فيأخذ الرساليين منه الأحاديث و الأموال و تعطي لأي رجل ذاهب للامام، بينما في عهد الامام الهادي عليه السلام أصبح الأمر أكثر دقة و تنظيميا» [2] .

فما هي ملامح التنظيم في عمل الامام الهادي عليه السلام؟

هذا ما سنجيب عنه من خلال الروايات... و لنبدأ..


پاورقي

[1] عن الجهاد و الثورة في حياة أهل البيت، ص 64.

[2] التاريخ الاسلامي: ص 313.