بازگشت

مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد و اياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين



[ صفحه 7]



كيف نقرأ التاريخ؟ و كيف ننظر الي سيرة الماضيين؟

يقول الله تبارك و تعالي: (قد خلت من قبلكم سنن، فسيروا في الأرض، فانظروا كان عاقبة المكذبين) [1] .

يحث القرآن الكريم علي قراءة سير الماضين من مكذبين و صالحين للاطلاع علي أحوالهم و أخذ العبر منهم،

و تحفل السور الكريمة بقصص الأولياء و الصالحين من رجال و نساء تبين مقامهم السامي عندالله، و الثناء الحسن الخالد لمواقفهم الحميدة تجاة الايمان و القيم الصحيحة

كما تذكر الآيات في جانب آخر بقصص بعض الكفرة و المتمردين علي نداء الفطرة و العقل، و المآل الذي انتهوا اليه.

و الآية الكريمة بعد أن تذكر بالمثال المتبع و هو السنن



[ صفحه 8]



الماضية تحث علي التدبر و التأمل في سيرة المكذبين و العاقبة التي انتهوا اليها من الفناء و الموت أولا ثم الخسران و الخلود في العذاب.

و لذا يقول تلميذ القرآن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في وصيته لأبنه الحسن:«يا بني اني و ان لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، و فكرت في أخبارهم، و سرت في أثارهم، حتي عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهي الي من أمورهم قد عمرت مع أولهم الي أخرهم» [2] .

يقول الشهيد العلامة السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله في كتابه علوم القرآن الكريم: الغرض الأساس من ذكر القصة هو انتزاع العبرة، و استنباط القوانين و السنن التاريخية منها، و لم يكن الغرض من ذكر من القصة السرد التاريخي لحياة الأنبياء أو كتابة تأريخ الرسالات [3] و لذا يقرر العلم أنه يكفي لتحصيل العلم قراءته و دراسته، بل يختط لنا منهجا عمليا للوصول الي العلم الصحيح هو منهج السير و النظر، ففي السير مشاهد مختلفة يراها السائر، و تبدو لنا ملاحظات هامة يجمعها ثم يستقرئها ليستنبط منها القوانين الهامة



[ صفحه 9]



التي تربط بعضها، و هذا المنهج الاستقرائي الذي توصل اليه بيكون أحد علماء الانجليز بعد نزول القرآن بألف سنة [4] .

نحاول في هذه السطور أن نسلط الضوء علي شي ء من حياة الامام الهادي لنستلهم من سيرته العلم و التقي، و الصبر أمام الخطوب و المحن.

في الوقت ذاته نحاول أن نستعرض سيرة الحاكم في زمانه.

و السبب الذي يدعونا الي سبر أغوار التاريخ القديم و نسلط الضوء علي جوانب في تاريخ أمتنا:

1-اننا نقر بوجود نقاط ضعف واضحة في سيرة الحاكم و السلطة تمثلت: في سوء اختيار الحاكم و مزاجيته التي تتحكم في العباد و البلاد و الاقتصاد دون رادع أو رقيب.

اننا من رواد نظرية تقول يجب أن نسعي جاهدين الي التقييم و النقد البناء و نسعي لتجنب مواقع الخلل، و الاعوجاج التي رافقت المسيرة الاسلامية وقتها، في الوقت الذي نؤكد علي جوانب القوة و التفوق في حياة الأمة و التي نشرت العلوم و الفنون الي ارجاء واسعة من الدنيا.

و قد أشرت في سطور هذا الكتاب الي فصل كامل حول الحقبة العباسية التي عاشها الامام و التي امتدت قرابة ثلاثة



[ صفحه 10]



و ثلاثين عاما عاصر خلالها ستة من حكام بني العباس.

2-ان مجالات لاستفادة من التاريخ كثيرة جدا، بشرط أن يكتب بموضوعية تامة و حيادية صادقة، و بشرط أن يقرأ القراءة التي يريدها القرآن لبناء الغد المشرق لأجيالنا.

و لأنه لا يمكننا و نحن نؤسس ليقظة اسلامية في حياتنا الفردية و الاجتماعية أن نتجاهل دور الحاكم و المعلم و ظروف المجتمع في ذلك الزمان، وصولا الي رؤية تاريخية سليمة للواقع نستلهم منها العبر و الدروس، و نحدد مكامن الخطأ و الصواب، و المقبول و المرفوض من ذلك التاريخ، الذي يعد الدعامة الرئيسية لبناء الواقع الاسلامي الجديد، خصوصا و نحن نسمع و نفكر بصوت مسموع حول مقولة الاصلاح الذي يجب أن يطال منظوماتنا التراثية و الثقافية. و السؤال الذي يطرح نفسه أولا:

هل ننظر لتاريخ الماضين بعين الاكبار و التقديس؟

أم بعين التقييم و النقد؟ و اكتشاف مكامن القوة و الخلل فيه؟

لا شك أن هناك نقاط قوة مشرقة في الحقبة الماضية تمثلت في مد النفوذ، و فتح البلاد، و انتشار الاسلام.

و هناك نقاط ضعف واضحة في سيرة الحاكم، و السلطة، تمثلت:



[ صفحه 11]



في سوء اختيار الحاكم، و مزاجيته التي تتحكم بالعباد و الاقتصاد دون رادع أو رقيب.

و المعاناة الطويلة التي واجهت رواد التوجيه و الاصلاح في الأمة و علي رأسهم امامنا الهادي عليه السلام.

سوء الأوضاع الاجتماعية و التي رصدها المؤرخون و عبروا عنها بقيام كثير من البلاد الاسلامية في وجه الحاكم.

فحتي نصل الي حلول ناجعة يجب أن نتأمل في مواطن الخلل في تاريخنا، و نقول للمحسن أحسنت، و نتجنب مواطن الزلل أعاذنا الله و اياكم منها، و حتي نجنب مجتمعاتنا

هذا النزيف المستمر في الطاقات و البشر، و نتوجه للبناء و التعمير، و الاستفادة مما أنعم الله به علي بلاد الاسلام من خيرات و موقع، بعد أن من عليها بنعمة الايمان التي هي من أعظم النعم.

ان استقراء الحقبة العباسية التي عاش فيها الامام الهادي عليه السلام تسلط الضوء علي هذه الفترة من تاريخ المسلمين، و نحاول من خلالها أخذ العبر و الدروس النافعة ان شاءالله

أما السؤال الثاني الذي يفرض نفسه فهو:

ما دور المصلح داخل المجتمع المسلم؟ اذا ساءت أوضاع المسلمين؟ ودب في أوصاله الوهن، و الفساد؟



[ صفحه 12]



أن من دواعي الكتابة حول سيرة الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام هو اثارة موضوع هام في حياتنا اليومية يرتبط بمعاناة المصلحين المخلصين مع الحاكم، و التي يجب أن تتوقف و تزول من الواقع، ليمارس كل مصلح دوره المطلوب داخل الأمة و ما يميله عليه دينه، و وجدانه، و ضميرة دون خوف أو تردد و هو أحد معاني الحرية التي نادي بها الاسلام.

أما التستر علي أخطاء الحاكم، بحجة أنه خليفة، و ظل الله في الأرض، فهذا ما لا يرضاه دين، و لا يقبله عقل، و لا يستسيغه عرف.

لهذا كان حديثنا مسهبا عن سيرة الامام الهادي الذي عاصر أربعة من حكام بني العباس في فترة عدت من أشد الفترات جورا علي الشيعة الامامية.

لقد واجه الامام عليه السلام القمع، و مارس دور الاصلاح و البناء، في أجواء الكبت و الرقابة، و الاقامة الجبرية التي امتدت الي عشرين عاما أو تزيد قليلا،

و هي نموذج رائع لما يجب أن يقوم به الداعية و المصلح، الذي يختار الظرف المناسب ليقول كلمته، و يحافظ علي الرعية من التصفية و البطش، مع أنه لا راد لقضاء الله لكن الحكمة مطلوبة دائما في القول و العمل.

و في الوقت ذاته يضرب المثل و القدوة في سلوكياته



[ صفحه 13]



و مناقبه و في علمه و كراماته، و في سخائه و عطائه، و في تبتله و انقطاعه لربه، و هو الحافظ لدين الله، الساعي لنشر كلمته العليا.

هذا ما أردت قوله في صفحات هذا الكتاب.

أرجو من الله أن يجعله في ميزان الأعمال.

و أن ينفعني بحب آل بيته الطاهرين الكرام يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم.

محمود السيف

القطيف - المنطقة الشرقية



[ صفحه 15]




پاورقي

[1] الانعام 109.

[2] ميزان الحكمة ج 3.

[3] علوم القرآن الكريم ص 371.

[4] القرآن و اعجاز العلمي ص 65 محمد اسماعيل ابراهيم.