هدم قبر الامام الحسين
هارون العباسي المسمي بالرشيد أول من تعدي علي حرمة ضريح أبي عبدالله الحسين، و عمد الي كرب القبر المطهر، و أمر
[ صفحه 89]
بقطع السدرة التي كانت بجانبه.
روي الشيخ الطوسي في أماليه:
قال يحيي بن المغيرة: كنت عند جرير بن عبدالحميد، اذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله عن خبر الناس؟
فقال: تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين (سلام الله عليه) و أمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت.
قال: فرفع جرير يديه و قال: الله أكبر قد جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف علي معناه حتي الآن.
لأن القصد بقطع تلك السدرة تضييع مكان القبر الشريف و مكان مصرع الحسين حتي لا يقف الناس علي قبره. [1] .
و المرة الثانية التي هدم فيها قبر الحسين عليه السلام كانت في أيام المتوكل.ذكر الطبري في تاريخه و ابن الأثير في حوادث سنة 236 هجرية:
أنه في تلك السنة هدم قبر الحسين بن علي، و سواه بالتراب، ثم أمر بحرث الأرض وزرعها لتضيع معالمه و قتل
[ صفحه 90]
عددا كبيرا من رواده، و بالتالي فرض عليهم الضرائب و شتي أنواع العقوبات ليمتنعوا عن زيارته [2] .
وري أنه في سنة 237 هجرية أمر المتوكل بكرب قبر الحسين و عفي أثاره، و وضع علي الطريق مسالح له لا يجدون أحدا الا أتوا به فقتله، أو أنهكه عقوبة
كما أمر بهدم ما حوله من المنازل و الدور، و أن يحرث و يبذر و يسقي موضع القبر، و أن يمنع الناس من اتيانه.
و قد ذكر أن صاحب الشرطة نادي في الناحية: من وجدناه عند قبره ثلاثة بعثنا به الي المطبق (و هو سجن مشهور في بغداد) فهرب الناس، و امتنعوا من المصير اليه، و حرث ذلك الموضع و زرع ما حوله.
قال أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين صفحة 479:
ان المتوكل بعث برجل من أصحابه يقال له الديزج، و كان يهوديا فأسلم، الي قبر الحسين، و أمره بكرب قبره و محوه، و اخراب كل ما حوله، فمضي لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء و كرب ما حوله نحو مائتين جريب، فلما بلغ الي قبره لم يتقدم اليه أحد، فأحضر قوما من اليهود فكربوه، و أجري الماء حوله و وكل به مسالح بين كل مسالحتين ميل لا يزوره زائر الا
[ صفحه 91]
أخذوه، و وجهوا به اليه.
وروي: أنه لما صار الماء فوق مكان قبره عليه السلام وقف و افترق فرقتين يمينا و شمالا، و دار حتي التقي تحت المكان، و بقي الوسط خاليا من الماء و الماء مستدير حوله، فسمي من ذلك اليوم بالحائر [3] .
و قال الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج 2 ص 502:
كان أهل بغداد يشتمون المتوكل لما فعل بالعلويين و بقبر الحسين، و يقولون فيه الفحش بالكتابة علي الحيطان، و ينشد الشعراء القصائد في هجائه، و مما قيل فيه:
تا الله ان كانت أمية قد أتت
قتل أبن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها
هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا
في قتله فتتبعوه رميما
و قد مرت هذه المأساة الوجيعة علي قلوب المحبين لآل البيت بمرحلتين تكشفان مدي العداء لأهل البيت:
1-هدم القبر الشريف.
2-منع الناس من الزيارة.
يقول الشيخ القرشي في كتابه حياة الأمام الهادي:
«أن اليهود من جند المتوكل هم الذين هدموا كل بناء
[ صفحه 92]
حول القبر، و كربوا ما حوله من نحو مائتين جريب ن و أجروا الماء حوله، ألا أنه دار حول القبر، و لم يصل اليه، و من ثم سمي بالحائر.
و قد خرجت من القبر الشريف رائحة من الطيب لم يشم الناس عطرا مثلها.
و تشرف أعرابي من بني أسد بزيارة القبر الشريف بعد أن عفي أثره، فجعل يأخذ قبضة من التراب و يشمها لترشده الي القبر الشريف، و حين انتهي اليه أخذ قبضة من الثري الطاهر فشمها، فاذا هي مليئة بالعطور فبكي و خاطب الامام قائلا:
بأبي أنت و أمي ما أطيبك، و أطيب قبرك و تربتك. ثم أنشأ:
أرادوا ليخفوا قبره عن وليه
و طيب تراب القبر دل علي القبر [4] .
أما منع الزيارة فلم يتأتي ذلك للمتوكل بالرغم من وجود المسالح و الفرق العسكرية و التهديد بالعقوبة و الغرامة و التنكيل بالسجن و غيره فقد نقل لنا المؤرخون أن أهل السواد ثاروا في وجهه و قالوا: لو قتلتنا عن آخرنا لما امتنعنا عن زيارته، فكتب صاحب الشرطة الي المتوكل بذلك فأمره بالكف عنهم.
ولكنه عاود الي منع الناس عن الزيارة في سنة 247
[ صفحه 93]
هجرية بعد عشر سنوات من تلك المأساة و قبل سنة من قتله، حين بلغه أن المسلمين قد أقبلوا بكثرة هائلة و جموع غفيرة علي زيارة المرقد الشريف، فأنفذ اليهم جيشا كثيرا، و أمر مناديه فنادي: أن برئت الذمة ممن زار قبر الحسين.
و لم يؤثر هذا المنع، بل ازداد المسلمون تعلقا و شوقا الي زيارة الضريح.
و قد واجه الامام الهادي عليه السلام هذه المحنة الكبيرة و التحدي الخطير بالتأكيد علي ثوابت المذهب و منها الزيارة بالحكمة و الصلابة الدينية التي تستهين بالصعوبات و التحديات بأمور ثلاث:
1-الحث علي زيارة الحسين عليه السلام و بيان فضلها و ثوابها عندالله تبارك و تعالي.
2-التوجيه الي الاستجارة بالحائر الحسيني و الدعاء عنده.
3-توجيه المؤمنين للزيارة علي نفقته.
پاورقي
[1] مرقد الامام الحسين / تحسين آل شبيب.
[2] الكامل في التاريخ.
[3] بحار الأنوار ج 45 ص 403.
[4] ص 303.