بازگشت

طلب الدعاء


و في كامل الزيارات، روي أبوهاشم الجعفري قال:

دخلت علي أبي الحسن علي بن محمد و هو محموم عليل فقال لي:

يا أباهاشم أبعث رجلا من موالينا الي الحائر يدعو الله لي.

و خرج أبوهاشم، فاستقبل في الطريق علي بن بلال فأخبره بأمر الامام، و طلب منه السفر الي كربلاء ليدعوله، فبهر علي و قال:

السمع و الطاعة، ولكني أقول: أنه أفضل من الحائر -أراد المكان المقدس الذي دفن فيه الحسين - اذ كان بمنزلة من في الحائر، و دعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له.

و بادر أبوهاشم فنقل حديثه للامام عليه السلام فأجابه:

كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أفضل من البيت و الحجر، و كان



[ صفحه 97]



يطوف بالبيت و يستلم الحجر، و ان الله بقاعا يحب أن يدعي فيها فيستجيب لمن دعاه و الحائر منها [1] .

و في حديث آخر عنه عليه السلام:

ان لله عزوجل من أرضه بقاعا تسمي المرحومات أحب أن يدعي فيها فيجيب و الحائر منها.

و لابد هنا من التأكيد علي مسألة الزيارة من الناحية الشرعية، و هل أن الممانعة عنها و شن الحروب الدعائية و التهريج عليها يستند الي أساس شرعي؟ لقد ورد التأكيد علي زيارة الحسين عليه السلام في أحاديث الرسول الأكرم صلي الله عليه واله و سلم منها:

«رواية ابن قولويه بسند عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

كان الحسين بن عل في حجر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يلاعبه و يضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله ما أشد اعجابك بهذا الصبي؟

فقال لها: كيف لا أحبه و لا أعجب به و هو ثمرة فؤادي و قرة عيني، أما أن أمتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي.



[ صفحه 98]



فقالت: يا رسول الله حجة من حججك؟

قال: و حجتين من حججي.

قالت حجتين من حججك؟

قال: نعم، و أربعة، قال فلم تزل تزداده و يزيد و يضعفه حتي بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله بأعمارها» [2] .

و عن ابن عباس:

«قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يا بن عباس من زاره عارفا بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة و ألف عمرة، و من زاره كان كمن زارني، و من زارني فكأنما زار الله، و حق الزائر علي الله أن لا يعذبه بالنار» [3] .

وروي ابن بطريق من كتاب الفردوسي باسناده عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: «أن موسي بن عمران عليه السلام سأل ربه عزوجل في زيارة الحسين، فزاره في سبعين ألفا من الملائكة» [4] .

هذا ما جاء علي لسان النبي الكريم صلي الله عليه و اله و سلم فأين تطبيق السنة من هذا في عمل المتوكل؟



[ صفحه 99]



ثم أن الزائرين لقبر الحسين عليه السلام يلتزمون بأحاديث و روايات صدرت عن المعصومين عليهم السلام ندبت الي زيارته و بشرت بثواب الله تعالي الجزيل علي ذلك، و الزائر يتعبد الله في أقوال حججه، فلماذا ينصب الحاكم نفسه شرطيا علي عقائد الناس؟

و قد روي المحدثون نصوصا كثيرة في فضل زيارة الحسين عليه السلام عن الامام الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد و الهادي عليهم صلوات الله و سلامه أجمعين، و هولاء يعتقد بهم الناس أئمة و قادة لهم فلماذا يحاسبوا علي اعتقادهم؟

و قد روي عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال:

«مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين، فان اتيانه مفترض علي كل مؤمن يقر للحسين بالامامة من الله عزوجل» [5] .

فالحجة الشرعية، و المؤمن الشرعي موجود في زيارة المؤمنين لقبر الحسين، و مروي عن الرسول الأكرم و أهل بيته الكرام.

و تسقط الحجة الواهية التي ذكرها بعض المؤرخين لتبرير عمل السلطة العباسية في أيام المتوكل و هي أن دوافعه لهدم ضريح الحسين كانت دينية، و حتي لا يخلط الناس بين الحج و بين



[ صفحه 100]



الزيارة، و هذا يعتمد علي خليفة تقول أن المتوكل كان يهتم بالسنة و يسعي لأحيائها، و قد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء هذا المعني و أنه أمر باحيائها.

«و استقدم المحدثين الي سامراء، و أجزل عطاياهم و أكرمهم، و أمرهم أن يحدثوا بالصفات و الرؤية، و جلس أبوبكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع اليه نحو من ثلاثين ألف نفس، و جلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع اليه أيضا نحو من ثلاثين ألف نفس» [6] .

لكن هل التحديث بالتجسيم و الرؤية هو احياء للسنة؟

و أين السنة من اظهار اللهو و الشراب في مجلس الحكم؟

و أين السنة من شتم علي بن أبي طالب و الاستهزاء بذريته و قتلهم؟

و أين السنة من هدم قبر الحسين سيد شباب أهل الجنة؟ و ابن رسول الله و فاطمة و علي؟

ان الغرض من هدم القبر ليس الا احياء سنة النصب و العداء لأهل البيت عليهم السلام.

و قد اشتهر ذلك عن المتوكل عند كل من أرخ عن تلك الحقبة.



[ صفحه 101]



يقول الذهبي في سيرة أعلام النبلاء ج 12 ص 35:

«و كان المتوكل فيه نصب و انحراف»

و يقول السيوطي في تاريخه ص 393:

«و كان المتوكل معروفا بالتعصب، فتألم المسلمون من ذلك، و كنب أهل بغداد شتمه علي الحيطان و المساجد».

و قال ابن الأثير عنه:

«كان شديد البغض لعلي بن أبي طالب و أهل بيته».

و قال الأصفهاني في مقاتل الطالبين ص 478:

«و كان المتوكل شديد الوطأة علي آل أبي طالب، غليظا علي جماعتهم مهتما بأمورهم، شديد الغيظ و الحقد عليهم، و سوء الظن و التهمة لهم، واتفق له أن عبيدالله بن يحيي بن خاقان يسي ء الرأي فيهم، فحسن له القبيح من معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله».

فهذه الحالة من النصب و العداء هي التي جرت علي الشيعة الويلات قديما و حديثا

و هي التي دفعت بالمتوكل الي واحدة من اكبر جرائم التاريخ الانساني، و هي الاعتداء علي الحرمات و هتك الأموات، و أهانة مشاعر شريحة من المسلمين.



[ صفحه 102]



و نتساءل الا يحق للمسلمين المسائلة اليوم عمن اوجد تاريخ الاحتراب الطائفي بين المسلمين؟

ألا يقوم دين الاسلام علي المحبة و التعايش؟

ألا يقر الاسلام أديانا سماوية؟ و يفرض لها قانون التعايش مع المسلمين؟

كيف نتصور حاكما باسم الاسلام يذل رعيته المسلمة لأنها تخالفه في تصوراته الفكرية، أو تتعبد بغير مذهبه الفقهي؟

لا يمكن أن نلتمس العذر للحاكم اذا أساء و أسرف في الظلم و الاعتداء أن ذلك بسبب حاشيته و بعض وزرائه أو كتابه و قضاته.

فالحاكم يحب أن يعرف الحدود الشرعية لحكمه، و يسوس الرعية باللين و الحكمة، و الا فلا أهلية له للحكم و الادارة.


پاورقي

[1] القرشي 258 / الشاكري 66.

[2] مرقد الامام الحسين السيد تحسين آل شبيب.

[3] المصدر ص 108.

[4] بحار الأنوار ج 37 ص 74.

[5] آل شبيب ص 109.

[6] ص 392.