بازگشت

معاناة الامام الهادي


بدأت معاناة سيدنا أبي الحسن عليه السلام منذ توليه الامامة سنة 220 هجرية، بعد وفاة أبيه الامام الجواد عليه السلام مباشرة.

و ذلك عندما أقدم المعتصم علي خطوتين تحكيان طبيعة الأجراء القاسي و الفظ في التعامل مع امامنا الهادي عليه السلام:

الأولي: محاصرة الامام و منع الناس من الدخول عليه بعد الاقبال عليه غير المتوقع من قبل الشيعة علي التسليم بامامته، و هو صغير السن حيث لم يتجاوز عمر الامام عليه السلام آنذاك ثمان سنين.



[ صفحه 109]



الثانية: حين وضع المعتصم معلما و هو الجنيدي المعروف بالأدب و العلم في أوساط أهل المدينة، و الذي دان في الأخير بالطاعة للامام، و قد ذكرنا ذلك في باب مؤيدات النصوص،

و نجد أن الخطوتين كانت باتجاة اشعار الناس بعدم أهلية الامام في التصدي للفتوي و الاجابة علي المسائل و هو في هذا السن، مع أن الشيعة الامامية تعتبر النص الموثوق علي امامة الشخص هم المعيار الأول لتحديد أهلية، ثم تأتي الملكات الأخري كالعلم و الكمالات النفسية لتكشف عن حكمة النصوص الواردة في حقه، و هذا ما تحقق مع الأئمة الأطهار الذين تسنموا الامامة و هم صغار السن كالأمام الجواد و الهادي و من بعدهم الحجة المنتظر عليهم صلوات الله و سلامه أجمعين.

و لذا يمكن القول ان هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، و لم تنفع في حجب الشيعة عن الامام الهادي في زمان المعتصم.

و لم يسجل لنا التاريخ حوادث كثيرة عن تعامل الواثق ابن المعتصم الذي جاء بعد أبيه للحكم، و التي استمرت مدة حكمه خمس سنين، و مات دون أن يوصي لأحد، فكان اختيار أركان جعفر المتوكل بعد اختلاف السلطة العباسية علي ولده محمد.

و كان المتوكل منبوذا في زمان أخيه الواثق كما تقدم يتعرض للاهانة و الازدراء من رجال الواثق كابي الزيات، و عمر



[ صفحه 110]



الرخجي، و كان الذي يدفع عنه القاضي احمد بن أبي داوود، و وصل به أن يسجن، و في النص التالي ما يبين الحال الذي كان عليه:

فقد ابن خير الأسباطي قال: قدمت المدينة علي أبي الحسن عليه السلام فقال لي: ما فعل الواثق؟

قلت: هو في عافية

قال: و ما يفعل جعفر (يعني المتوكل)؟

قلت: تركته أسوأ حالا في السجن

قال الامام: و ما فعل ابن الزيات؟

قلت: الأمر أمره، و أنا منذ عشرة أيام خرجت من هناك.

قال الامام: مات الواثق، و قد قعد المتوكل جعفر، و قتل أبن الزيات

قلت: متي؟

قال: بعد خروجك بستة أيام، و كان كذلك [1] .



[ صفحه 111]



و يحتمل أن يكون قول الامام عن قتل ابن الزيات، الاخبار عما يؤول اليه أمره أو لم أنه يبق في السجن أربعين يوما كما ذكر النص الأخر الذي يقول أنه مات بعد بقائه معذبا هذه المدة.

و قد بدأت معاناة الامام الكبيرة للامام عليه السلام مع بداية حكم المتوكل،

و الذي استمر علي كرسي الخلافة دون وجه حق مدة أربعة عشر عاما.

و عندما نقول ان تولي المتوكل لأمور الخلافة مدة من الزمان دون وجه حق

ليس فقط لأنه اعتدي علي الامامة و علي شيعتهم، و أنه منع الزيارة، و قام بهدم قبر الحسين عليه السلام و كلها عظائم، و انما كان بالاضافة الي ما ذكر لأمور كثيرة منها:

-ان تعيينه تم بواسطة خمسة من الرجال.

-و لأنه يكن أهلا لها من حيث المعرفة و الملكات النفسية و الادارية و الالتزام -و لأنه مارس الجور و الظلم علي الأمة جميعا.

-كما بدد ثروات الأمة علي الملاهي و الشهوات.

-مضافا الي سيطرة فئة من الكتاب و الوزراء علي الأمور



[ صفحه 112]



حيث اتخذوا مال الله دولا، و عباده خولا.

-أما معاناة الامام عليه السلام علي وجه الخصوص فقد بدأت مع الأيام الأولي لتولي المتوكل.

و من مظاهر المعاناة: الاستماع الي وشاية و الي المدينة عبدالله بن محمد، الذي كان يقصد الامام بالسوء و الأذي، ليصرف الناس عنه، و يحد من نشاطه و يمنعه من أداء رسالته، فلما عجز عن ذلك سعي به عند المتوكل ليخرجه من المدينة، و كانت الحجج أو هي من بيت العنكبوت حيث جاء فيها:

ان الناس يتلقون منه، و هم لا يدينون بالولاء للسلطان.

و أن الأموال ترد اليه من النواحي.

و لا يؤمن أن يشتري بها السلاح.

و قد ذيل خطابه بهذه العبارة الاستفزازية و التي تثير كل حاكم:

«ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه قد دعا الناس الي نفسه، و اتبعه خلق كثير» [2] .

و تابع كتبه الي المتوكل بهذا المعني.

و لا نعلم وجه الحق في هذه التهم، اذا كان الناس يقبلون



[ صفحه 113]



من الامام و يتلقون منه.

و اذا كان الناس لا يدينون بالولاء للسلطان.

و اذا كان الناس يعطون ما أوجب الله عليهم من الزكاة المفروضة الي من يرونه من أهل الله لذلك.

لا نري فيها سوي وجه العجز الرسمي من أقناع الناس بمنطق الوالي و الجهة التي يمثلها، و عجز تلك الأجهزة الاعلامية و الادارية للسلطة، فيكون تبرير العجز و الفشل بالبحث عن ضحايا أبرياء بدل اصلاح المعوج، و تغيير السياسة، و الانفتاح علي الناس، و علي الكفاءات في داخل الأمة.

و استجاب المتوكل لهذه الوشاية، فأوعز الي يحيي بن هرثمة أحد رجالات السلطان، بالسفر الي المدينة، و اشخاص الامام الهادي الي سامراء، و قد نقل أن مرافقيه (300) رجلا.

و لما وصل ابن هرثمة الي المدينة، و علم أهلها عن مهمته:

«فزعوا كأشد ما يكون الفزع، و خافوا علي الامام من بطش الطاغية به، فقد كانوا يحبون الامام كأشد ما يكون الحب لأنه كان ملازما لمسجد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و كان يغذي علمائهم بعلمه، و يحسن الي فقرائهم، و لم يكن عنده ميل الي الدنيا.

و جعل يحيي يسكن من روعهم، و يهدي فزعهم، و حلف



[ صفحه 114]



لهم أنه لم يؤمر فيه بأي مكروه، فاطمأنوا الي قوله» [3] .

و لم يكن للامام عليه السلام خيار بالبقاء في المدينة، أو الرحيل عنها، بل كانت الأوامر ليحيي أن يستعلم عن حال الامام أولا، و أن يشخصه الي سامراء.

و قد توصل ابن هرثمة الي أمرين:

1-قبول الناس به، وخوفهم عليه.

2-كذب الدعاية المغرضة من قبل والي المدينة، حينما قام بتفتيش دار الامام فلم يجد فيها ما نقل في وشاية الوالي الي سامراء من أن بيته مركز لجمع المال و السلاح و مناوأة السلطة،

و أخذ الامام من مدينة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قهرا كما أخذ من قبل جده الرضا عليه السلام و أبوه الجواد عليه السلام حزينا منكسر القلب علي فراق الأهل و الأحبة.

و نقل اليعقوبي في تاريخه في الجزء الثاني ص 484 ما نصه:

و كتب المتوكل الي علي بن محمد بن الرضا بن موسي بن جعفر في الشخوص من المدينة، و كان عبدالله بن محمد بن داوود قد كتب يذكر ان قوما يقولون أنه الامام، فشخص عن المدينة و شخص يحيي بن هرثمة معه حتي صار الي بغداد، فلما كان



[ صفحه 115]



بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، و ركب اسحاق بن ابراهيم ليلقيه، فرأي تشوق الناس اليه، و اجتماعهم لرؤيته، فأقام الي الليل، و دخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نفذ الي سامراء.

و اسحاق بن ابراهيم الظاهري و الي بغداد، قال ليحيي بن هرثمة:

-ان هذا الرجل (يعني الامام) قد ولده رسول الله (صلي الله عليه و آله) و قد عرفت انحراف المتوكل، فان بلغته عنه كلمة، قتله، و يكزن النبي خصمك يوم الله.

فقال يحيي: و الله ما عرفت ما أنكره، و لا وقفت منه الا علي أمر جميل.

ثم غادروا بغداد، واتجهوا الي سامراء، و حينما انتهوا اليها، بادر يحيي الي زيارة وصيف القائد التركي و هو من كبار رجال الدولة، فعرفه بوصول الامام معه، فحذره من أن ينقل الي المتوكل ما يسوء الامام، قائلا:

يا يحيي والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك.

و بهر يحيي من توافق اسحاق و وصيف من التوصية بالامام، و تأكيدهما علي لوزم المحافظة عليه [4] .



[ صفحه 116]



و قبل الدخول في تفاصيل في اقامة الامام في سامراء نذكر شهادتين لدوافع جلب الامام من المدينة الي مركز الحكم:

الأولي: نقلت عن يزداد النصراني تلميذ بختشيوع قال:

بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه، لئلا تنصرف وجوه الناس اليه، فيخرج الأمر عنهم (يعني بني العباس) [5] .

و الثانية: نقل ابن الجوزي عن علماء السير قال فيها:

«و انما أشخصه المتوكل الي بغداد ثم الي سامراء، لأن المتوكل كان يبغض عليا و ذريته، فبلغه مقام علي بالمدينة، و ميل الناس اليه فخاف منه، فدعا يحيي بن هرثمة و قال له: أذهب الي المدينة، و انظر في حاله، و أشخصه الينا.

يقول يحيي: فذهبت المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي، و قامت الدنيا علي ساق، لأنه كان محسنا اليهم،و ملازما للمسجد، و لم يكن عنده ميل الي الدنيا.

فجعلت أسكنهم، و أحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه و أنه لا بأس عليه.



[ صفحه 117]



ثم فتشت منزله، فلم أجد فيه الا مصاحف و أدعية، و كتب العلم، فعظم في عيني، و توليت خدمته بنفسي، و أحسنت عشرته [6] .


پاورقي

[1] البحار ج 50 ص 154.

[2] الشاكري ص 312.

[3] القرشي ص 237.

[4] القرشي ص 238.

[5] الشاكري ص 210.

[6] الشاكري ص 317.