بازگشت

المرة الثانية


نقل سبط الجوزي عن المسعودي في كتاب مروج الذهب قال:

نما الي المتوكل بعلي بن محمد أن في منزله كتبا و سلاحا من شيعته من أهل قم،و أنه عازم علي الوثوب بالدولة.



[ صفحه 122]



فبعث جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا، فلم يجدوا فيها شيئا، و وجده في بيت مغلق عليه، و عليه مدرعة من صوف، و هو جالس علي الرمل و الحصي، متوجه الي الله تعالي يتلو آيا من القرآن.

و حمل علي هذا الحال الي المتوكل العباسي و أدخل عليه، و كان في مجلس الشراب، و بيده كأس الخمر، فناول الامام الهادي، فرد الامام:

والله ما خامر لحمي و لا دمي قط فاعفني، فأعفاه.

فقال: أنشدني شعرا.

فقال الامام: أنا قليل الرواية للشعر.

فقال: لابد.

فأنشده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



و استنزلوا بعد عز من معاقلهم

و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد دفنهم

أين الأساور و التيجان و الحلل



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حين سائلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و قد شربوا

فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا



[ صفحه 123]



و طالما عمروا دورا لتسكنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

ففرقوها علي الأعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا معطلة

و ساكنوها علي الأجداث قد نزلوا



فبكي المتوكل حتي بلت لحية، و بكي الحاضرون.

و لئن صدقت رواية البكاء هذه فربما يكون السبب أن المتوكل لم يسمع و عظا طوال حياته من أحد، و هو الذي ألف التملق و الكذب من حاشيته، و هو المرهوب من جانب الوعاظ و المتكلمين، و هو الذي تقلب في النعيم الزائل أيام أبيه، و عندما صار حاكما ملك ما أراد، و فعل ما هوي و اشتهي.