بازگشت

دروس و عبر


عاصر الامام الهادي حكم المتوكل كله، و الذي استمر 14 سنة، و انتهت بمقتله علي يد ابنه المنتصر و بعض قادة الخلافة من الأتراك،

و خلال هذه الفترة كانت العلاقة بين المتوكل و بين الامام الهادي عليه السلام، و أتباع الامامة، في غاية التشنج، كما ذكرنا في الصفحات السابقة، و بنظرة تحليلية يمكن القول أن أسباب ذلك ربما يعود الي أمرين:

1-شخصية المتوكل:

مما يوسف له ضيق أفق الحاكم في الدولة العباسية، و محدودية نظره الي من حوله، فهو لا يستطيع أن يري قوة نامية



[ صفحه 129]



خارجة عن اطار السلطة، فيتحاور معها، و يستمع اليها، و يتنازل عن بعض امتيازاته التي استولي عليها بالقوة و البطش، و انما يسعي الي محاربتها و تمزيقها، فتنشي ردة الفعل في شكل اضطرابات و ثورات و انفصال، و ضعف عام في جسم الدولة،

و يمثل البعد عن تعاليم القرآن في أمور الادارة و الحكم أهم عامل من عوامل الاضطراب في واقع الخلافة العباسية.

لقد حدد الاسلام ثلاث وظائف للحكام:

أ-العمل بأوامر الكتاب العزيز في التزام العدل و المساواة بين الرعية، و فرض الأمن الاجتماعي، الذي يستتبع توفير الحرية، و الأمان للناس، و ليس للحاكم فقط.

ب-العمل بالشوري، مع فئات الأمة المختلفة، و الاستئناس برأي أهل النظر و معرفة الصواب في تقليب وجوه الآراء، قال الله تعالي:

(فاعف عنهم، و استغفرلهم، و شاورهم في الأمر).

كان حال رسول الله المسدد بالوحي هو التجاوز عن المسي ء، و الاستغفار للمذنب و مشاورتهم في الأمور، و للحاكم العادي برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أمر الادارة و غيرها أسوة حسنة.

ج-استماع الحاكم الي نصيحة العلماء و أهل النظر المشفقين و المخلصين، و ليس الي الجلاوزة و الجواسيس و المتملقين.



[ صفحه 130]



و نجد في سيرة الخليفة المتوكل الأعراض التام عن هذه التعاليم، فلا هو يمتلك المؤهلات القيادية و النفسية للحكم و الادارة، فضلا عن العلم و المعرفة التي تجعله يستغني عن غيره من أهل النظر،

و لا هو استشار في أمره أهل المعرفة و الخبرة المخلصين، و انما قرب اليه أهل الأطماع و النواصب و من علي شاكلتهم

و كان البذخ و الاسراف، و استعمال المال العام في اللهو و غيره، السمة البارزة في سلوك الدولة، و قد شجع ذلك بطانة السوء علي الاستئثار بالمال و النهب المستمر من ميزانية المسلمين العائدة اليهم جميعا.

2-الأوضاع العامة لشيعة أهل البيت، التي وصلت الي مراحل متقدمة من التكون و الانتشار، و قد أخذت أوضاع الشيعة في زمان الامام الهادي منحي آخر، ثمثل في الالتصاق الشديد به عليه السلام، و الأخذ منه، و سنعرض في الصفحات التالية الحالة للشيعة في هذه الفترة بشي ء من الاختصار.