بازگشت

ولادة الامام الهادي و أسماؤه و نسبه


في واحدة من قري المدينة المنورة، و كانت تدعي صربا، و تبعد عنها ثلاثة أميال [1] ، كانت ولادة حجة من حجج الله تعالي في أرضه يدعي علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و كان ذلك في سنة مائتين و اثني عشر للهجرة، و قيل سنة مائتين و أربعة عشر للهجرة.

كانت ولادته عليهم السلام مبعث سرور كبير لجمع كبير من العلويين و آخرين من مواليهم و محبيهم، و هي بالتأكيد مجلبة للهم لمبغضي آل البيت النبوي الأطهار و حاسديهم.

ففي اليوم الخامس عشر من شهر ذي الحجة كان الامام محمد الجواد عليه السلام في سرور كبير، و قيل كان ذلك في السابع و العشرين من شهر ذي الحجة، و في رواية أخري كان في اليوم الثاني من شهر رجب، و قيل في اليوم الخامس منه، و في رواية ثالثة كان ذلك في الثالث عشر من شهر رجب [2] .



[ صفحه 15]



كان سرور الامام محمد الجواد عليهم السلام مختلفا عن سرور غيره من المحبين و الموالين، و كذلك فهو مختلف عن سرور آل بيته أيضا، و مرجع ذلك جملة أسباب منها وليده و قطعة من كبده، و الأهم من ذلك و أخطر هو علمه عليه السلام بكونه الخليفة بعده في امامة هذه الأمة، و أنه عليه السلام حجة أخري من حجج الله تعالي علي خلقه، و لهذا و غيره تراه عليه السلام قلما يفارقه منذ ولادته حتي شاء لهم القدر أن يفترقوا، كان عليه السلام يناغيه و يداعبه في مهده، و يحدثه و يلاطفه في طفولته، و يعلمه و يساره في صباه.

سماه عليه السلام عليا منذ ولادته، و كناه أبوالحسن، و قد اشتهر لقبه بالهادي، و يقال له أيضا النجيب و المرتضي و العالم و الفقيه و الأمين و المؤتمن و الطيب و المتوكل و العسكري و الناصح.

و قد جاءه لقب العسكري نسبة الي المحلة التي يسكنها علي الهادي عليه السلام و ابنه الحسن العسكري عليه السلام بسر من رأي، و كانت تدعي بالعسكر، فلذلك لقب كل واحد منهما عليهماالسلام به الا أن هذا اللقب عرف به أنه الحسن العسكري عليه السلام أكثر مما عرف هو عليه السلام به. [3] .

الابن الأكبر: و هل كان الحمل به و ولادته عليهم السلام كما هو حال الباقين من الناس، أم أن له عليه السلام خصوصية ما كانت لغيره؟

الأب: نعم يا ولدي، لقد اختلف عن الناس حين تحمل بهم أمهاتهم و حين يولدون، الا أن هذه الخصوصية لم تكن له وحده، فقد كانت ميزة آبائه و أجداده من الأئمة الأطهار أيضا، فقد روي عن



[ صفحه 16]



الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: ان الله تعالي اذا أراد أن يخلق الامام بعث ملكا بسبع و رقات من الجنة فيتنا و لها فتصير في صلبه، فاذا واقع انعقدت النطفة في الرحم من ذلك، و صار يسمع الكلام في بطن أمه، فاذا سقط من بطن أمه جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة، و كتب الملك علي عضده الأيمن: و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم [4] .

ثم قال الأب: و حتي و هم في بطون أمهاتهم ما كانت تشعر أمهاتهم بما تشعر به النساء الحوامل من ضيق و وهن، و انما كن بأحسن حال و أتم صحة، و كانوا عليهم السلام يولدون طاهرين مطهرين يمرر آباؤهم الموس عليهم سنة ليس الا.

كانت أمه عليه السلام أم ولد، يقال لها سمانة، و هي مغربية [5] ، و قيل أنها من سلالة مارية القبطية [6] .

ثم قال الأب: أمضي الامام الهادي علي بن محمد عليه السلام طفولته مع أبيه، و حينما صار صبيا كان أبوه عليه السلام قد تركه في المدينة المنورة بعد أن استخلفه من بعده و نص علي امامته أمام محضر من وجوه أصحابه و مواليه و دفع اليه كتبه و سلاحه و آثار الأنبياء و الأوصياء.

فقال الابن الأكبر: أتعني بذلك يا أبي حينما أمر المعتصم العباسي بأن يحضر الامام محمد بن علي عليه السلام الي العراق بعد أن كان في المدينة المنورة؟



[ صفحه 17]



فقال الأب: نعم يا ولدي، و كان ذلك قد حصل في الثامن و العشرين من المحرم في السنة العشرين بعد المائتين من الهجرة، حيث ودع الامام الجواد عليه السلام أهله و عياله و داع مفارق لا يعود، و ورد الي بغداد، حيث سمه المعتصم بتلك السنة و مضي عليه السلام شهيدا.

و منها بدأت امامة الهادي علي بن محمد عليه السلام، فقام عليه السلام بمهام الامامة رغم صباه، حيث كان يبلغ من العمر ثمان سنين حين وفاة أبيه الجواد عليه السلام، و في رواية أخري ست سنين و خمسة أشهر [7] .

ثم قال الأب: و كما سبق و أن ذكرت لكم، أن الأئمة من آل البيت النبوي الأطهار، كان الله تعالي قد قضي بحكمة منه جل جلاله في تطهيرهم من الخطأ و السهو و الفعل القبيح، و شهد بذلك جل جلاله بقوله الكريم: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)، و أنهم عليهم السلام ورثوا علم جدهم المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و لذلك فالامام منهم له من العلم و الحلم و الحكمة ما شاء الله و لا علاقة بذلك في سنه، كبيرا كان أم صغيرا، و سبق و أن حدثتكم أيضا عن أبيه الامام الجواد حينما ناظره الفقهاء في زمن المأمون العباسي، فألجمهم بسعة علمه و معرفته ما جعلهم يقرون بذلك رغما عنهم، و كان من المفترض بهم أن يعلموا ذلك لو تدبروا قول الله جل جلاله: (ثم أورثنا الكتب الذي اصطفينا من عبادنا)، و قوله جل جلاله أيضا: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).



[ صفحه 18]



الابن الأكبر: و هل استدعاه المعتصم الي بغداد بعد استشهاد أبوه الامام الجواد عليه السلام؟

فقال الأب: لا يا ولدي لم يستدعه المعتصم رغم رغبته الشديدة بالخلاص منه كما تخلص من أبيه الجواد عليه السلام، الا أن الله تعالي حكمة في ذلك و قضاء كان تعالي قد قضاه.

الابن الأكبر: و هل تعرض الامام الهادي عليه السلام الي مضايقات و أذي المعتضم يا أبي؟

الأب: ليس لمضايقات المعتصم فحسب، و انما لمضايقات و أذي كل من استخلف بعد المعتصم الي المعتز العباسي، و في رواية الي المعتمد العباسي.

فقال الابن الأكبر: و هل تعني أن فترة امامة الهادي عليه السلام قد مرت بأكثر من خليفة عباسي يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي، كانت سنين امامته عليه السلام ابتدأت كما علمتم بخلافة المعتصم، ثم الواثق العباسي و المتوكل و المستنصر و المستعين و المعتز و المعتمد العباسي حيث استشهد عليه السلام مسموما في آخر ملك المعتمد [8] .

الابن الأكبر: و كم كانت مدة اقامة الامام علي الهادي عليه السلام في المدينة المنورة ثلاثة عشر سنة تقريبا، بث خلالها من العلم الشي ء الكثير، حتي قصده القاصي و الداني مسترشدين به في أمور دينهم و دنياهم، و وجدوا من فضائله ما لا يحصي عددا، و من كراماته ما لا يعرف لها مدي، و من عبادته ما لا تستطيع أن تضع



[ صفحه 19]



لها حدا، و تعلموا منه الكرم و السخاء و العفة و التواضع و ايثار المحتاجين علي النفس، وحب الخير للجميع.

الابن الأكبر: هنالك أمر أعجبه يا أبي رغم معرفتي أن للشيطان الرجيم فعل علي بني آدم، الا أنني لا أستطيع الاقتناع بتأثيره علي الانسان و يخرجه كثيرا عن طريق الصواب، نعم، قد يجعل منه عاصيا لفترة من الزمان، الا أن ذلك لا يمكن أن يدوم ما دام الانسان قد وهبه الله تعالي بالعقل الذي يستطيع بواسطته التمييز بين النافع و الضار.

فقال الأب: و ما الذي تعجبه يا ولدي؟

فقال الابن الأكبر: ان الذي أعجبه يا أبي هو كيف قبل الحكام، سواء كانوا من بني أمية، أم من بني العباس، تعريض آل البيت النبوي الأطهار الي الايذاء أو القتل، مع العلم أنهم يقرون بين الحين و الآخر، بمكانتهم من الله تعالي و رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و يعلمون يقينا أن ذلك لا غفران له؟

فقال الأب: ان لذلك الأمر أسبابا عديدة بعضها عميق متأصل في النفوس، و بعضها ظاهر للعيان، و سوف لم أحدثكم بالأسباب الخفية و انما سأكتفي بما كان ظاهرا للعيان و ملموسا لدي كل من يطلع علي سيرة أصحاب الشأن الذين هم مادة حديثنا هذا.

كان الحكام حينها قد ربوا علي ضعف الايمان، و هذا يؤدي الي كثير من المساوي ء.

فقال الابن الأكبر: و كيف تربوا علي ضعف الايمان يا أبي؟

الأب: بالنسبة للدولة الأموية، فأول قائم بها هو معاوية بن



[ صفحه 20]



أبي سفيان، و هو معروف بضعف ايمانه و يكفي أن نقول فيه أنه ابن أبي سفيان الذي ما اختلف مع أبيه سرا أو علانية علي كل ما كان أبوسفيان يتصرفه سواء قبل الاسلام أو بعده، و ايمان أبوسفيان معروف، فهل يعقل أن يكون معاوية علي غير ما كان عليه أباه، و لو قلنا أن ذلك ممكن الحصول، فتاريخ معاوية يعرفنا بوضوح مدي ايمانه، فهو قد حارب الامام أميرالمؤمنين عليه السلام، و قام بسم الامام الحسن عليه السلام فمن يقترف مثل ذلك ماذا يكون عليه ايمانه.

و حينما يري الابن فعال أبيه فهل يعقل أن يسير علي خلافها خصوصا و هو ربيبه و مكتسب منه و وارث خصائصه و سجاياه، و كما يقول المثل: (الابن علي سر أبيه).

و حينما تحول الحكم الأموي من بني سفيان الي بني مروان، فيكفينا أن نتعرف علي ايمان مروان بن الحكم من خلال حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي لعن به مروان و أبيه، و كذلك من خلال قول عائشة عن مروان بن الحكم بأنه فضض من لعنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هكذا الحال بالنسبة لآله من بعده.

أما بالنسبة للدولة العباسية، فأول من قام بها السفاح الذي ثبت حكمه بالقتل و الترهيب سواء للعلويين أو غيرهم و كان ذلك أمام عين أخيه المنصور الذي ما استلم الحكم من بعده حتي تصرف بأشد من أخيه و أقسي، الذي بدأ حكمه بقتل عمه عبدالله بن علي و ثناه بأبي مسلم الخراساني [9] الذي كان الساعد القوي في تأسيس الدولة العباسية، ناهيك عن كل ما فعله المنصور العباسي بآل البيت خاصة و بالعلويين عامة، و قد عرف المنصور بنكث العهد.



[ صفحه 21]



فقال الابن الأكبر قاطعا حديث أبيه: و كيف عرف المنصور بنكث العهد يا أبي؟

الأب: مما يروي يا ولدي أن محمد بن عبدالله بن الحسن المثني حينما قام في المدينة خافه المنصور العباسي، فبعث اليه الأمان و وعده خيرا، فأجابه محمد بن عبدالله: أي أمان تعطيني؟ أمان ابن هبيرة؟ أم أمان عمك عبدالله؟ أم أمام أبي مسلم؟

ثم قال الأب: و مثل المنصور من جاء بعده من بني العباس، فمن كان ايمانه و تقواه بمثل هذا الحال يا ولدي بالتأكيد سيكون طويل الأمل، ناسيا أو متناسيا أن هناك موتا لا بد أن يأتيه مها طال به الزمن، و يدركه بين لخظة و أخري، و قد قال الله تعالي في كتابه العزيز: (ان الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير (34)) [10] .

ثم تابع الأب حديثه قائلا: و من كان طويلا الأمل يا ولدي نما عنده حب الدنيا و الحرص عليها، و هي صفة لا تقل ذما عن طول الأمل، و قد حدثتكم سابقا عن خطر هذه الصفة علي الانسان، لأنها تورده حتما موارد الهلكة و سوء العاقبة، فقد ذكرها أميرالمؤمنين عليه السلام فقال:

كم من واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة اليها صرعته، و ذي أبهة قد جعلته حقيرا، و ذي نخوة قد ردته ذليلا، سلطانها دول، و عيشها رفق، و عذابها أجاج، و حلوها صبر، و غذاؤها سمام،



[ صفحه 22]



و أسبابها رمام، حيها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم، ملكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب.

ثم قال الأب متابعا حديثه بالقول: فمن كان قليل الايمان طويل الأمل، محبا للدنيا، يقدم علي فعل أي قبيح و منكر حتي و ان كانت من الكبائر من أجل أن يشبع رغباته و نزواته و أطماعه، دون أن يحسب حساب الآخرة أو الحساب، و هذا ما دعي هؤلاء و غيرهم علي فعل المنكر.

فقال الابن الأكبر: حدثنا يا أبي عن ما لاقاه الامام علي الهادي عليه السلام من الحكام من أذي أو ظلم.

فقال الأب: نكتفي اليوم بهذا القدر يا ولدي، و نؤجل حديثنا الي غد ان شاء الله.



[ صفحه 23]




پاورقي

[1] راجع كتاب أعيان الشيعة.

[2] راجع كتاب جلاء العيون: للسيد عبدالله شبر، ج 3، ص 118.

[3] راجع العلل. و معاني الأخبار. و كذلك عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص 199.

[4] رواه الصفار في البصائر بأسناده عن الامام الصادق عليه السلام.

[5] المناقب: لابن شهر آشوب، ورقة 112.

[6] بحر الأنساب: للنجفي، طبعة القاهرة، ص 35.

[7] المناقب: لابن شهر آشوب.

[8] راجع جلاء العيون: للسيد عبدالله شبر، ج 3، ص 119.

[9] راجع المسعودي: ج 2، ص 167.

[10] سورة لقمان: الآية: 34.