بازگشت

ما روي عن الامام علي الهادي من أحاديث


كان الموعد بين الأب و أبنائه أن يحدثهم عن فضائل الامام الهادي عليه السلام، و لذلك ما أن تمت جلستهم و اجتماعهم بأبيهم حتي قال الابن الأكبر مذكرا أباه بما وعدهم به: لقد وعدتنا يا أبي أن يكون حديث اليوم عن فضائل الامام الهادي عليه السلام.

فقال الأب: كنت قد هيأت نفسي للحديث عن غير ذلك يا ولدي.

فقال الابن الأكبر: و ما ذلك يا أبي؟

فقال الأب: سأحدثكم اليوم عن بعض ما روي عن الامام الهادي علي بن محمد عليه السلام من أعمال و زيارات و أحاديث: و أعدكم سيكون حديثنا عن فضائل الامام عليه السلام يوم غد ان شاءالله.

فقال الأبناء كما تشاء يا أبي.

فقال الأب: كما هو المعروف عن آل بيت النبي الأطهار عليهم السلام أنهم خزنة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وارثيه، الا أن المناوئين ما كانوا يؤمنوا بذلك، و لهذا تراهم يقدمون المرة بعد الأخري علي سؤالهم،



[ صفحه 35]



لا ليتعلموا منهم و انما أوهموا أنفسهم بقدرتهم علي احراج آل البيت و اعجازهم عن الاجابة، فهذا المتوكل العباسي مثلا قال لابن السكيت: سل ابن الرضا (يعني الامام الهادي عليه السلام)، مسألة عوصاء بحضرتي، فسأله:

لم بعث الله موسي بالعصا، و بعث عيسي بابراء الأكمة و الأبرص و احياء الموتي، و بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالقرآن و السيف؟ فقال أبوالحسن علي بن محمد بن علي عليه السلام: بعث موسي عليه السلام بالعصا واليد البيضاء في زمن الغالب علي أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم و بهرهم، و أثبت الحجة عليهم.

و بعث عيسي عليه السلام بابراء الأكمة و الأبرص و احياء الموتي باذن الله تعالي، فقهرهم و بهرهم.

و بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالقرآن و السيف في زمن الغالب علي أهله السيف و الشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر، و السيف القاهر، ما بهر به شعرهم، و بهر به سيفهم، و أثبت الحجة بهم عليهم.

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن، فان العقل يعرف به الكاذب علي الله فيكذب.

فقال يحيي بن أكثم: ما لابن السكيت و مناظرته؟ و انما هو صاحب نحو و شعر و لغة [1] .

و هذا يحيي بن أكثم أغري نفسه و ظن أن بامكانه احراج ورثة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، بالقاء أسألته عليهم، فقد روي عن موسي بن محمد الرضا عليه السلام قال: لقيت يحيي بن أكثم في دار العامة، فسألني



[ صفحه 36]



عن مسائل فجئت الي أخي علي بن محمد عليه السلام فقلت له: جعلت فداك، أن ابن أكثم كتب يسألني عن قول الله تعالي: (قال الذي عنده علم من الكتب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك).

فهل نبي الله كان محتاجا الي علم آصف؟

و عن قوله تعالي: (و رفع أبويه علي العرش و خروا له سجدا).

و عن قوله تعالي: (فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب).

من المخاطب بالآية؟ فان كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقد شك، و ان كان المخاطب غيره، فعلي من أنزل الكتاب؟

و عن قوله تعالي: (و لو أنما في الأرض من شجرة أقلم و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله).

ما هذه الأبحر؟ و أين هي؟

و عن قوله تعالي: (و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين).

فاشتهت نفس آدم أكل البر، فأكل و أطعم، فكيف عوقب؟

و عن قوله تعالي: (أو يزوجهم ذكرانا و انثا).

يزوج الله تعالي عباده الذكران؟ و قد عاقب قوما فعلوا ذلك!؟

و عن شهادة المرأة جازت وحدها، و قد قال الله تعالي: (و أشهدوا ذوي عدل منكم)؟

و عن شهادة الجار الي نفسه لا تقبل؟

و عن صلاة الفجر لم يجهر بالقراءة؟ و هي من صلاة النهار و انما الجهر في صلاة الليل؟



[ صفحه 37]



و عن قول علي عليه السلام لابن جرموز: بشر قاتل ابن صفية بالنار، فلم لم يقتله و هو امام؟

و أخبرني عن علي عليه السلام، لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين، و أجهز علي الجرحي، و كان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا، و لم يجهز علي جريح، و لم يأمر بذلك، و قال: من دخل داره فهو آمن، و من ألقي سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فان كان الحكم الأول صوابا، فالثاني خطأ.

فقال الامام أبوالحسن الهادي لأخيه موسي بن محمد عليه السلام: اكتب اليه.

قال موسي بن محمد عليه السلام: ما أكتب؟ قال عليه السلام: اكتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

و أنت فألهمك الله الرشد، أتاني كتابك فيما امتحنتنا به من نعتك لتجد الي الطعن سبيلا ان قصدنا فيها، و الله يكافيك علي نيتك، و قد شرحنا مسائلك، فأصغ اليها سمعك، و ذلل لها فهمك، و اشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة و السلام.

سألت عن قوله عزوجل: (قال الذي عنده علم من الكتب).. فهو آصف بن برخيا، و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف، و لكنه أحب أن يعرف أمته من الجن و الانس أنه الحجة من بعده، و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله تعالي ففهمه، لئلا تختلف في امامته و دلالته، كم فهم سليمان في حياة داود لتعرف نبوته و ولايته من بعده، لتأكيد الحجة علي الخلق.

و أما سجود يعقوب و ولده، فان السجود لم يكن ليوسف، و انما



[ صفحه 38]



كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله تعالي، و محبة منهم لآدم، فسجود يعقوب و ولده يوسف معهم كان شكرا لله تعالي باجتماع شملهم، ألم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت: (رب قد ءاتيتني ممن الملك).

و أما قوله: (فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتب)، فان المخاطب بذلك الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يكن في شك مما أنزل الله اليه، و لكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة؟ و لم لم يفرق بينه و بين الناس في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق؟ فأوحي الله عزوجل الي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فاسأل الذين يقرؤون الكتاب بمحضر من الجهلة: هل بعث الله رسولا قبلك الا و هو يأكل الطعام و يشرب الشراب و يمشي في الأسواق، و لك بهم أسوة يا محمد، و انما قال: فان كنت في شك، و لم يكن في شك للنصفة، كما قال: (فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبناءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين)، و لو قال تعالي: عليكم، لم يجيبوا الي المباهلة، و قد علم الله أن نبيه مؤد عنه رسالته، و ما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول، و لكن أحب أن ينصف من نفسه.

و أما قوله تعالي: (و لو أنما في الأرض من شجرة أقلم)، فهو كذلك، لو أن أشجار الدنيا أقلام، و البحر يمده بسبعة أبحر، و انفجرت الأرض عيونا، لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، و نحن كلمات الله التي لا تنفد، و لا تدرك فضائلنا.

و أما الحجة، فان فيها من المآكل و الملاهي ما تشتهي الأنفس، و تلذ الأعين، و أباح الله ذلك كله لآدم، و الشجرة التي نهي الله عنها آدم و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، و لم يجد له عزما.



[ صفحه 39]



و أما قوله تعالي: (أو يزوجهم ذكرانا و انثا)، أي يولد له الذكور، و يولد له اناث، يقال لكل اثنين مقترفين زوجان، كل واحد منهما زوج، و معاذ الله أن يكون عني الجليل ما لبست به علي نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم، (... و من يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضعف له العذاب يوم القيمة و يخلد فيه مهانا (69))، ان لم يتب.

و أما صلاة الفجر: فالجهر فيها بالقراءة، لأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يغلس بها، فقربها من الليل.

و أما قول علي عليه السلام: بشر قاتل ابن صفية بالنار: فهو لقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كان ممن خرج يوم النهروان، فلم يقتله أميرالمؤمنين بالبصرة لأنه يقتل في فتنة النهروان.

و أما قولك أن عليا قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين، و أجهز علي جريحهم، و أنه يوم الجمل لم يتبع موليا، و لم يجهز علي جريحهم، و من ألقي سلاحه أمنه، و من دخل داره أمنه، فان أهل الجمل قتل امامهم، و لم تكن لم فئة يرجعون اليها.

و انما رجع القوم الي منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين، فقد رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف، و الكف عنهم اذ لم يطلبوا عليه أعوانا.

و أهل صفين كانوا يرجعون الي فئة مستعدة، و امام منصب يجمع لهم السلاح و الدروع و الرماح و السيوف، و يعطي لهم العطاء، و يهيي ء لهم الأموال، و يعود مريضهم، و يجبر كسيرهم، و يداوي جريحهم، و يحمل راجلهم، و يكسو حاسرهم، و يردهم فيرجعون الي محاربتهم و قتالهم، فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم، اذ لم تكن لهم فئة يرجعون اليها، و الحكم في أهل صفين



[ صفحه 40]



أن يتبع مدبرهم، و يجهز علي جريحهم، فلا يساوي بين الفريقين في الحكم، و لولا أميرالمؤمنين عليه السلام و حكمه في أهل صفين و الجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد.

فلما قرأ ابن أكثم ذلك، قال للمتوكل: ما نحب أن نسأل هذا الرجل عن شي ء بعد مسائلي هذه، فانه لا يرد عليه شي ء بعدها، الا دونها [2] .

و رغم ما حملوا من حقد و بغض و حسد لآل البيت النبوي، تنطلق من أفواههم كلمات الحق رغما عنهم، و يقروا لهم بالأعلمية و الفضل، و يعترفوا بالحاجة اليهم عند كل ملحة و كل مستعصية، و من ذلك ما روي أن يحيي بن أكثم قال في مجلس الواثق العباسي، و كان الفقهاء بحضرته: من حلق رأس حين حج؟

فتعايي القوم (أي انتابهم الاعياء و العجز) عن الجواب، أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر.

فبعث الي علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فاحضر، فقال الواثق: يا أباالحسن، من حلق رأس آدم؟ فقال الامام الهادي عليه السلام: سألتك بالله يا أميرالمؤمنين الا أعفيتني، قال الواثق: أقسمت عليك لتقولن، فقال عليه السلام: أما اذا أبيت، فان أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أمر جبرئيل عليه السلام أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها، فمسح بها رأس آدم، فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما [3] .



[ صفحه 41]



و روي عن أبي دعامة قال: أتيت علي بن محمد بن علي عائدا في علته التي كانت وفاته منها، فلما هممت بالانصراف قال عليه السلام لي: يا أبادعامة، قد وجب حقك علي، ألا أحدثك بحديث تسر به؟

قال أبودعامة: قلت: ما أحوجني الي ذلك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

فقال عليه السلام: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن موسي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي، اكتب، فقلت: ما أكتب؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: اكتب:

الايمان ما وقر في القلوب و صدقته الأعمال،: و الاسلام ما جري علي اللسان و حلت به المناكح [4] .

الابن الأكبر: و هل كانت للامام الهادي علي بن محمد عليه السلام حكما و مواعظ ذكرها التاريخ يا أبي؟

الأب: لقد ذكر التاريخ له الكثير يا ولدي كما ذكر لآبائه و أجداده عليهم السلام، و هل يخرج من فيهم غير الموعظة و الحكمة يا ولدي.

فقال الابن الأكبر: أذكر لنا بعضها يا أبي.

فقال الأب: سأختار لكم من بعض الكتب بعضا من حكمه



[ صفحه 42]



و مواعظه، فمثلا رويت له في كتاب تحف العقول للحلبي، قوله عليه السلام:

- الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لأن النعم متاع، و الشكر نعم و عقبي.

و رويت له عليه السلام في كتاب الدر النظيم للشافعي: شر الرزية سوء الخلق.

- و قال عليه السلام: من سأل فوق حقه أولي بالحرمان.

- و قال عليه السلام: العقوق يعقب القلة، و يؤدي الي الذلة.

- و قال: البخل أذم الأخلاق، و الطمع سجية سيئة.

و رويت له عليه السلام في كتاب نزهة الناظر قوله عليه السلام: خير من الخير فاعله، و أجمل من الجميل قائله، و أرجح من العلم عامله.

- و قال عليه السلام: من جمع لك وده و رأيه، فاجمع له طاعتك.

- و قال عليه السلام: المصيبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان.

- و قال عليه السلام: الحكمة لا تجتمع في الطباع الفاسدة.

- و قال عليه السلام: لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، و لا الوفاء ممن غدرت به، و لا النصح ممن عرفت سوء ظنك اليه، فانما قلب غيرك كقلبك له.

- و قال عليه السلام: الهزء فكاهة السفهاء، و صناعة الجهال.

- و قال عليه السلام: اتقوا فراسة المؤمن، فانه ينظر بنور الله.

و رويت له عليه السلام في كتاب كشف الغمة قوله عليه السلام حينما سئل عن التوحيد:



[ صفحه 43]



- ان الله لا يوصف الا بما وصف نفسه، و أني يوصف الخالق الذي يعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون.

كيف الكيف فلا يقال كيف هو، و أين الأين فلا يقال أين هو، اذ هو منقطع عن الكيفية و الأينية، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد.

و روي له عليه السلام في تاريخ ابن خلكان شعرا قاله يعظ به المتوكل العباسي قال عليه السلام فيه:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل



و استنزلوا بعد عز من معاقلهم

و أودعوا حفرا يا بئسما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما رحلوا

أين الأسرة و التيجان و الحلل



أين الوجوه التي كانت محجبة

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فافصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



يا طالما أكلوا يوما و ما شربوا

فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا



و روي في كتاب المناقب لابن شهر آشوب أن المتوكل العباسي سأله: ما نداء الصوامع يا أباالحسن؟

فقال عليه السلام: اشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله...

فقال الابن الأكبر: و هل رويت عنه عليه السلام أدعية و زيارات و أعمال يا أبي؟

فقال الأب: نعم يا ولدي، و كنت ظننت أن بمقدوري أن أحدثكم عنها هذا اليوم، الا أن الوقت قد فات، و التعب قد زارني،



[ صفحه 44]



و أرجو أن ترفقوا بي، لننهي حديثنا هذا اليوم الي هذا الحد، و لكم علي أن أحدثكم عن ذلك في وقت آخر.

فقال الأبناء: كما تشاء يا أبي.

فنهض الأب من مجلسه، و نهض أبناؤه معه، و تمني كل واحد للآخرين ليلة هانئة.



[ صفحه 45]




پاورقي

[1] المناقب: لابن شهر آشوب.

[2] راجع تحف العقول: لعلي بن شعبة الحلبي.

[3] تاريخ الخطيب البغدادي: ج 12، ص 56، طبعة السعادة.

[4] عن المسعودي في مروج الذهب عن ابن الفرج عن أبي دعامة.