بازگشت

من فضائل الامام علي الهادي


كانت الجلسة قد اكتملت منذ دقائق، و كان الأب صامتا متفكرا و كأنه يبحث عن بداية يبتدي ء بها حديث هذا اليوم، و كان الأبناء كذلك صامتين لا يجرؤ أحد منهم علي الحديث احتراما لصمت أبيهم، و بينما هم كذلك قال الأب: اعلموا يا أبنائي ان لله تعالي فضائل كثيرة و عديدة علي آل البيت النبوي الأطهار خصهم بها دون المسلمين، و خير مثال علي ذلك ما جاء في كتابه العزيز من قول الله جل جلاله: (أم يحسدون الناس علي مآ ءاتهم الله من فضله فقد ءاتينآ ءال ابرهيم الكتب و الحكمة و ءاتينهم ملكا عظيما (54)) [1] ، و سبق و أن ذكرت لكم ما أخرجه أبوالحسن المغازلي عن الامام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام أنه قال: نحن الناس و الله [2] .

ثم قال الأب: و لو عدنا لكتابا لله تعالي و قرأنا الآيات التي سبقت هذه الآية، حيث قال الله جل جلاله: (ألم تر الي الذين أوتوا



[ صفحه 55]



نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت و الطغوت و يقولون للذين كفروا هؤلآء أهدي من الذين ءامنوا سبيلا (51) أولئك الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52) أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس علي مآ ءاتهم الله من فضله فقد ءاتينآ ءال ابراهيم الكتب و الحكمة و ءاتينهم ملكا عظيما (54)) [3] ، و لو حاولنا فهم تفسير هذه الآيات الكريمات نجد ذلك يسيرا من خلال حديث الامام الباقر عليه السلام حينما سأله بريدة العجلي: عن قوله عزوجل: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الامر منكم) فقال عليه السلام: (ألم تر الي الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت و الطغوت و يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين ءامنوا سبيلا (51))، يقولون لأئمة الضلال و الدعاة الي النار هؤلاء أهدي من آل محمد سبيلا، (أولئك الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52) أم لهم نصيب من الملك...) يعني الامامة و الخلافة (فاذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس علي مآ ءاتهم الله من فضله) و نحن الناس المحسدون علي ما آتانا الله من الامامة دون خلقه، (فقد ءاتينآ ءال ابرهيم الكتب و الحكمة و ءاتينهم ملكا عظيما) يقول: جعلنا منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة فكيف يقرون به في آل ابراهيم و ينكرونه في آل محمد، (فمنهم من ءامن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا (55)) [4] .

ثم قال الأب: و مما لا يخفي أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم من ذرية ابراهيم عليه السلام، و أن آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم من آل ابراهيم عليه السلام، و هذا يعني أن الآية تعنيهم حينما قال الله تعالي: (فقد ءاتينآ ءال ابرهيم



[ صفحه 56]



الكتب و الحكمة و ءاتينهم ملكا عظيما)، و قوله تعالي آتينا آل ابراهيم الكتاب، يعني به جل جلاله علم الكتاب الذي فيه تفسير كل شي ء، و لو لم يكن عندهم هذا العلم لما أمر الله عباده بسؤالهم حين قال تعالي: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).

اذا فآل البيت النبوي الأطهار خصهم الله تعالي بعلم الكتاب الذي فيه تفسير كل شي ء، و كذلك بالحكمة و الامامة، ثم قضي سبحانه تعالي بتطهيرهم بقوله تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا).

ثم قال الأب: و الامام الهادي علي بن محمد صلي الله عليه و آله و سلم واحدا من الأئمة الذين خصهم الله تعالي بعلم الكتاب و الحكمة و الامامة و التطهير، كما خص جل جلاله آباءه و أجداده، و خص ابنه الامام الحسن العسكري و قائم آل محمد المنتظر عليهم السلام لم يخف فضل آل البيت عليهم السلام علي أحد من الناس، و قد ذكرهم بأعلي مراتب الفضل الكثير، و منهم ابن الصباغ المالكي قال في فضل الامام الهادي عليه السلام و أفضليته ما نصه: فضل أبي الحسن علي الهادي قد ضرب علي المجرة قبابه، و مد علي نجوم السماء أطنابه، و ما تعد منقبة الا و له أفخرها، و لا تذكر مكرمة الا و له فضيلتها، و لا تورد محمدة الا و له تفصيلها و جملتها، استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرد بخصائصه، و مجد حكم فيه علي طبعه الكريم، بحفظه من المشوب حفظ الراعي لقلائصه، فكانت نفسه مهذبة، و أخلاقه مستعذبة، و سيرته عادلة، و أفعاله فاضلة، و المعروف بوجود وجوده عامر آهل، و هو من الوقار و السكون و الطمأنينة و الفقه و النزاهة و الزهادة و النباهة علي السيرة النبوية، العلوية، و نفس زكية، و همة عالية، لا يقاربها



[ صفحه 57]



أحد من الأنام؛ و لا يدانيها، و طريقة خشنة مرضية لا يشاركه فيها خلق، و لا يطمح فيها [5] .

و كمثال علي علمه عليه السلام ما روي عن زرافة حاجب المتوكل العباسي أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح ابن خاقان عنده، و قربه منه دون الناس جميعا، و دون ولده و أهله، أراد أن يبين موضعه لهم، فأمر جميع مملكته من الأشارف من أهله و غيرهم، و الوزراء و سائر العساكر، و وجوه الناس، أن يزينوا بأحسن زينة، و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم، و يخرجوا مشاة بين يديه، و أن لا يركب أحد الا و هو و الفتح بن خاقان خاصة بسر من رأي، و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة، و كان يوما قايضا شديد الحر، و أخرجوا في جملة الأشراف الامام علي بن محمد عليه السلام، فشق عليه ما لقيه من الحر، و الزحمة.

قال زرافة، فأقبلت اليه، و قلت له: يا سيدي، يعز و الله علي ما تلقي من هذه الطغاة، و ما قد تكلفته من المشقة، و قال زرافة: و أخذت بيده عليه السلام فتوكأ علي و قال: يا زرافة، ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني، أو قال بأعظم قدرا مني [6] .

و في رواية أخري قال عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ضفره أكرم علي الله من ناقة ثمود و فصيلها.

قال زرافة: و لم أزايله و أستفيد منه و أحادثه، الي أن نزل المتوكل من الركوب، و أمر الناس بالانصراف، فقدمت اليهم



[ صفحه 58]



دوابهم، فركبوا الي منازلهم، و قدمت بغلة فركبها عليه السلام و ركبت معه الي داره، فنزل عليه السلام و ودعته و انصرفت الي داري، و كان لولدي مؤدب يتشيع، من أهل العلم و الفضل، و كانت لي عادة باحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك، و تجارينا الحديث و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح بن خاقان، و مشي الأشراف و ذوي الأقدار بين أيديهما، و ذكرت له ما شاهدته و سمعته من قول الامام علي بن محمد عليه السلام، و كان المؤدب يأكل معي، فرفع يده و قال: بالله انك سمعت هذا اللفظ منه عليه السلام؟

قال زرافة: فقلت: و الله اني سمعته بقوله.

فقال لي المؤدب: اعلم، ان المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيام و يهلك، فانظر في أمرك، و احرز ما تريد احرازه، و تأهب لأمرك كي لا يفجؤوك هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثة تحدث، أو سبب يجري.

قال زرافة: من أين لك ذلك؟

فقال المؤدب: أما قرأت القرآن في قصة الناقة و قوله تعالي: (تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)، و لا يجوز أن يبطل قول الامام.

قال زرافة: فوالله، ما جاء اليوم الثالث، حتي هجم المنتصر، و معه بغاء و وصيف و الأتراك، علي المتوكل فقتلوه و قطعوه، و الفتح بن خاقان جميعا قطعا، حتي لم يعرف أحدهما من الآخر، و أزال الله نعمته و مملكته، فلقيت الامام أباالحسن عليه السلام بعد ذلك، و عرفته ما جري مع المؤدب، و ما قاله، فقال عليه السلام: صدق، انه لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا، هي أعز من



[ صفحه 59]



الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه، فأهلكه الله.

ثم قال الأب: و هناك أحاديث و روايات عدة تنم عن فضل للامام الهادي عليه السلام كبير، و علم له عليه السلام كثير، و كل ذلك من فضل الله تعالي يؤتيه من اصطفاه من عباده.

فقال الابن الأكبر: حدثنا عن بعضها يا أبي.

فقال الأب: في رواية عن ابراهيم بن محمد الطاهري قال فيها: مرض المتوكل من خراج به، فأشرف منه علي التلف، فلا يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن علي بن محمد عليهم السلام مالا جليلا من مالها.

فقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت الي هذا الرجل (يعني أباالحسن عليه السلام) فسألته، فانه ربما كان عنده صفة شي ء يفرج الله به عنك، قال المتوكل: ابعثوا اليه.

فمضي الرسول، و رجع فقال خذوا كسب الغنم (لعل المراد منه مما يتلبد من السوقين تحت أرجل الشاة)، فذيفوه بماء الورد (أي اخلطوه بماء الورد) وضعوه علي الخراج، فانه نافع باذن الله.

فجعل من بحضرة المتوكل يهزأوا من قوله، فقال لهم الفتح بن خاقان: و ما يضر من تجربة ما قال؟ فوالله اني لأرجو الصلاح فيه، فعوفي.

بشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت الي أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها، و لما استقل المتوكل من علته كان قد سعي البطحائي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، فقال له: ان عنده سلاح



[ صفحه 60]



و أموال، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا، و يأخذ ما يجد عنده من الأموال و السلاح، و يحمل اليه.

فقال ابراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار أبي الحسن عليه السلام بالليل، و معي سلم، فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل الي الدار، فناداني أبوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد مكانك، حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت، فوجدت عليه جبة من صوف، و قلنسوتها منها، و سجادة علي حصير بين يديه، و هو مقبل علي القبلة، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتشتها، فلم أجد فيها شيئا، و وجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل، و كيسا مختوما معها، فقال أبوالحسن عليه السلام: دونك المصلي، فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك و صرت الي المتوكل، فلما نظر الي خاتم أمه علي البدرة، بعث اليها فخرجت اليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض الخدم أنها قالت له: كنت نذرت في علتك ان عوفيت أن أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها اليه و هذا خاتمي علي الكيس ما حركها، و فتح الكيس الآخر، و كان فيه أربعمائة دينار، فأمر المتوكل أن يضم الي البدرة بدرة أخري، و قال لي: احمل ذلك الكيس الي أبي الحسن عليه السلام، واردد عليه السيف و الكيس بما فيه.

قال ابراهيم قال سعيد: فحملت ذلك اليه، و استحييت منه، و قلت: يا سيدي، عز علي دخولي دارك بغير اذنك، و لكني مأمور به، فقال عليه السلام لي: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).



[ صفحه 61]



فقال الابن الأكبر: الذي آراه يا أبي أن البلاء الذي حل بآل البيت النبوي الأطهار من الحكام كان للمنافقين و الساعين اليد الطولي فيه، لأنهم من بغضهم لآل البيت و رغبتهم في التقرب الي السلطان يلقون علي مسامع السلطان ما يثير النار المتأججة في صدره، و التي أوجدها بغضه و حسده و خوفه علي الحكم و الجاه الذي هو فيه.

فقال الأب: ما تقوله كان قد حصل بالفعل يا ولدي، فكثيرا ما حاول المبغضين السعاية و الافساد و هم بفعلهم هذا يضربون عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل، أي أنهم يسببون الأذي لمن هم مبغضين لهم، و كذلك يتملقون للسلطان في ذكر ما يسيي ء الي من كان السلطان مبغضا لهم أصلا.

فمن قول لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من أشار علي مسلم كلمة ليشينه بها في الدنيا بغير حق، شانه الله في النار يوم القيامة.

ثم قال الأب: فهم بهذا الجزاء سيكونون يوم القيامة علي ما كان منهم من سعاية، و ليس ذلك لأنهم كانوا قد سعوا بآل البيت عليهم السلام، و انما هو جزاء كل من سعي في مؤمن بغير حق و بغير ذنب كان قد أذنبه، و هو واحد من أنواع الظلم للعباد، و الظلم كما سبق و ان تحدثنا عنه أنه صفة مذمومة، لا يتصف بها مؤمن صادق البتة.

ثم قال الأب: قال الله تعالي في كتابه العزيز: (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصه الله و نسوه و الله علي كل شي ء شهيد (6)) [7] .



[ صفحه 62]



و قال تعالي: (و وضع الكتب فتري المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يويلتنا مال هذا الكتب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصها و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا (49)) [8] .

و قال تعالي: (فو ربك لنسئلنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)) [9] .

ثم قال تعالي: (و نضع الموزين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حسبين (47)) [10] .

من هذه الآيات يا أولادي نفهم ما سيؤول الأمر بكل من ظلم، سواء نفسه بعدم ايمانه و صلاحه و انتهاجه سنة الله و رسوله، أو ظلم الآخرين من الناس، و ما كان ذلك منهم الا أن سولت لهم أنفسهم أمرا فصبرا جميلا و الله المستعان.

ثم نهض الأب من مجلسه و هو يقول: و الي غد ان شاء الله يا أبنائي.



[ صفحه 63]




پاورقي

[1] سورة النساء: الآية: 54.

[2] اسعاف الراغبين هامش نور الأبصار: للشبلنجي، ص 109، و الصواعق: لابن حجر، ص 152.

[3] سورة النساء: الآية: 54 - 51.

[4] المراجعات: للسيد شرف الدين، هامش ص 63، تحت رقم 3.

[5] الفصول المهمة: لابن الصباغ المالكي.

[6] روي ذلك السيد ابن طاوس في المهج.

[7] سورة المجادلة: الآية: 6.

[8] سورة الكهف: الآية: 49.

[9] سورة الحجر: الآية: 93 - 92.

[10] سورة الأنبياء: الآية: 47.